الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

مجرد سؤال(3):أيها المواطن اللئيم، لماذا لا تشتري سيارة؟


الجشع الذي يمارسة المواطن لا يمكن تفسيرة أو قبوله أبداً، و التصرفات اللامسؤلة منه تظهر مدى أنانيته و تخليه عن الحس الوطني و رغبته في تدمير اقتصاد بلده، و الاضرار بالشركات الوطنية العملاقة التي خيرها عليه و على أهله من قبل.

كيف يجرؤ هذا المواطن (ضعيف النفس) و (الحاقد) على الامتناع عن شراء سيارة من الوكيل (الوطني) المخلص للوطن؟

ألا يعرف كم يتعب هذا الوكيل المسكين في خدمة الوطن و المواطنين أمثالة؟ ألا يرى كم من( باب رزق جميل ) يفتح له و لأمثاله المواطنين الكسالى من العاطلين؟ ألا يرى المشروعات الخيرية الجبارة التي يقوم بها وكلاء السيارت في البلاد؟


ألا يعلم هذا المواطن الجاهل أن الامتناع عن شراء سيارة أخطر بكثير على اقتصاد البلاد من المساهمات الوهمية المتعثرة؟ و أخطر من هبوط سوق الأسهم، و أشد ضررا من القروض البنكية ذات الفوائد المركبة؟. كل تلك مسائل بسيطة و تافهة مقارنة بالكارثة العظمى التي ستحل على البلاد و البطالة القادمة و (انعدام الاستثمارات الرأسمالية) و تضرر أخيك المواطن المسكين وكيل السيارة الذي حرمته قوته و قوت عياله المحتاجين

كيف تجرؤ أيها المواطن الأناني على الدعوة إلى مقاطعة السيارات المستوردة؟ و تجميع الناس و تحريضهم؟ هل البلد فوضى حتى تتركك تمارس هذا العبث؟ هل نسيت أو تناسيت وجود وزارة التجارة التي تقف دائماً مع التاجر المسكين لحمايته من جشع المواطن المفتري؟

ألا تعلم أن الأجهزة الأمنية جاهزة على مدار الساعة للتصدي لكل من يحاول العبث بالأمن و دعوة الناس إلى منكر التجمهر حتى لو كان افتراضيا عبر النت؟

يجب أن تستيقظ من غفلتك و تعود إلى رشدك و تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، و من وسائل الإعلام الأجنبية التي أفسدت عقلك و جعلتك تتجرأ على ابنتزاز أخيك الوكيل.

ما شأنك أنت و شأن الكساد العالمي؟ و منذ متى و أنت تفهم في الاقتصاد؟ وهل تعتقد أن ارتفاع الأسعار السريع يتطلب نزولها السريع؟

أنت لا تفهم شيئاً و لا يمكن أن تفهم حتى لو حاولت، هذه مسائل معقدة أكبر من قدرات عقلك الجاهل. هناك إحصائيات و بيانات و حسابات خاصة لا يمكن أن تدركها، و بالطبع هناك الخصوصية المحلية لسوقنا المباركة.

حان الوقت كي تتوب إلى الله و تتدارك ما فاتك. قم توضأ و صل ركعتين ثم اتصل بأصدقائك الذين ضلوا و انصحهم و ذكرهم ثم خذهم معك إلى أقرب بنك أو شركة تقسيط و اشتر سيارة أحدث موديل كاملة المواصفات Full options و دع أقساطها تمتد أكبر عدد من السنين حتى يستفيد الاقتصاد الوطني من الفوائد المباركة التي تدفعها و يغفر الله لك إجرامك في حق أخيك وكيل السيارة المستضعف.

و لا تحمل هم الأقساط المتراكمة ، ولا بأس أن تجوع و تعرى من أجل أخيك الوكيل و أختك شركة التقسيط
فكل شيء في سبيل الوطن يهوووووون

الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

حيث لا يراني أحد!


وحدها
أو وحدك
أو وحدكما
ما الفرق؟
أخبرني بالله عليك ما الفرق؟
كل الطرق تؤدي إلى لاشيء
إلى صحراء بلا نهاية
تقتل الأمل في كل طموحاتك بالوصول
بنشوة الإنجاز
لاشيء
اعمل أو لا تفعل
اركض ..اجر..هرول..اصرخ.. أو حتى تمدد و نم
لا فرق .
* * *
الآن
أو ربما غداً أو بعد غد
أو بعد عام
أو بعد قرن
ما الذي تنتظره ليحدث؟
ما الاختراق الذي تتوقعه؟
أي عالم وردي تنتظر؟
احمل حقائبك و ارحل
إلى آخر الدنيا
ستبقى مراراتك داخل حلقك
و ربما تزيد انقباضة صدرك
و يستفحل أرقك
من الذي أخبرك أن ثمة حياة أفضل خلف الأفق؟
لا شيء..
صدقني.. لا شيء يمحو وهن الانكسار.

* * *
ترحل
تحمل الكون على ظهرك
و تمضي
غائباً في ضباب الألم
و دوي صمتك يرج الأفق
و جفاف دمعك يغرق العالم
و إطراقة رأسك توقف الأرض عن الدوران
و تقول إنك ذاهب
حيث لا يراك أحد!!

الأحد، 2 نوفمبر 2008

حكاية ساعة من الزمن ..قصة من الأدب الأمريكي


بقلم: كايت شوبن

kate chopin

ترجمة د. فراس عالم

لأن السيدة (ميلارد) كانت تعاني من مشكلات صحية في القلب، كان لابد من اتباع أكثر الطرق لطفاً وحكمة لإبلاغها نبأ وفاة زوجها.

تولت شقيقتها (جوزفين) إبلاغها بالنبأ، أخذت تستخدم عبارات مبطنة وإشارات متكتمة حتى أبلغتها الخبر، كان (ريتشارد) صديق زوجها حاضراً، في الحقيقة كان هو أول من عرف بالخبر حيث كان جالساً في مكتب الجريدة عندما وصلهم خبر كارثة الطريق السريع واسم (برنتلي ميلارد) يتصدر قائمة القتلى، انتظر حتى وصلت البرقية التالية لتؤكد النبأ، عندها خرج مسرعاً إلى منزل صديقه ليستبق أي محاولة طائشة وغير مكترثة من الآخرين لإبلاغ الزوجة الخبر الحزين.

لم تكن ردة فعلها تشبه ردة فعل الزوجات المكلومات، فبعد أن سمعت الخبر بقيت فاقدة للإرادة غير مستوعبة لخطورة الخبر، ثم انفجرت فجأة بالبكاء على كتف شقيقتها، وعندما هدأت عاصفة أحزانها قامت مسرعة إلى حجرتها وطلبت ألا يرافقها أحد. غاصت في كرسيها المريح المواجه للنافذة المفتوحة في غرفتها منهكة من الإجهاد الذي يجثم على جسدها وروحها. وقع بصرها - من خلال المساحة الممتدة أمام نافذتها- على قمم الأشجار المتراصة وهي تستقبل الربيع، ورائحة المطر تعبق في الجو. كان بائع متجول ينادي على بضاعته في الشارع المقابل ورغم صوته الجهور استطاعت سماع صدى خافت لأغنية جميلة يغنيها شخص ما من بعيد وعدد لا محدود من العصافير يغرد على إفريز الشرفة.

كانت السماء تظهر كقطع زرقاء متناثرة هنا وهناك بين طبقات السحاب الكثيفة المتراكمة فوق بعضها البعض. كانت قد ألقت رأسها إلى الخلف ليغوص في حشية مسند الرأس الطرية وظلت ساكنة من دون أي حركة باستثناء الشهقة الخافتة التي انطلقت من حلقها وانتزعتها كطفل صغير من حلم جميل.

تعد السيدة ميلارد إذا نظرت إلى وجهها شابة ذات ملامح مقبولة وهادئة، وخطوط وجهها تدل على القوة والتحكم، لكنها الآن لا تظهر سوى الحملقة الناعسة في عينيها والتي تسمرت على إحدى تلك البقع الزرقاء في السماء، لم تكن تحديقة عفوية بل علامة واعية على تفكير عميق.

هناك شيء ما مقبل نحوها، شيء كانت تنتظره لكنها لا تعرف طبيعته! شيء ماكر ومراوغ لا يقبل التسمية، لكنها تشعر به يتسرب عبر زرقة السماء، يقترب عبر الأصوات والروائح والألوان التي تملأ المكان. أخذ صدرها يعلو ويهبط في اضطراب، لقد بدأت تدرك كنه الشيء الذي يقترب ليمتلكها، أخذت تكافح لتقاوم سيطرته، لكنها كانت خائرة القوى، تماماً كيديها البيضاوين الفاقدتين لأي عزم. وعندما شعرت بالإنهاك تسربت همهمة صغيرة من بين شفتيها المنفرجتين قليلاً، ثم عادت لتكررها مرة وأخرى مع أنفاسها المتقطعة

- (حرة، حرة، حرة)!!

تلاشت النظرة الخاوية من عينيها، وحلت محلها نظرة قوية ومشرقة، شعرت بنبضها المتتابع يضخ دماءً دافئة في أطرافها، ويمنح الاسترخاء لكل سنتيمتر من جسدها. لم تتوقف لتتساءل ما إذا كان الشيء الذي امتلكها إرادة وحشية أم شيء آخر، كان شعور داخلي يسيطر عليها لتتجاهل التفكير في شيء كهذا.

كانت تعرف أنها ستبكي مجدداً عندما ترى يدي زوجها الكريمتين المرهفتين ملفوفتين برداء الموت، والوجه الذي لم يدخر عنها نظرات الحب وقد كسته الصفرة والجمود. لكنها كانت ترى أبعد من ذلك المشهد، كانت تستشرف موكباً طويلاً من السنوات القادمة لا يشاركها فيها أحد، وهي تفتح ذراعيها واسعاً لتستقبلها. لن تهب حياتها لأحد تعيش لأجله، ستحيا لنفسها ولنفسها فقط. لن يجرؤ أحد على فرض إرادته عليها أو التطفل على خصوصياتها ورغباتها (سواء كان ذلك التطفل بنية حسنة أو سيئة فإنها تراه الآن في لحظة إشراقها هذه جريمة لا تغتفر).

لقد أحبت زوجها بعض الوقت، لكنها في أغلب الوقت لم تكن تفعل. ما الفارق؟ ما الذي يعنيه الحب - ذلك اللغز المستعصي على الحل- حين يمتلك الرجل المرأة امتلاكاً تاماً وقهرياً إلى الأبد؟ كأنها كانت بحاجة لهذه الصدمة كي تستوعب وضعها الذي كان.

- (حرة، حرة الجسد والروح) أخذت تتمتم

كانت أختها (جوزفين) تركع عند باب حجرتها المغلق وشفتاها على ثقب المفتاح تتوسل الدخول

- ((لويس) أرجوكِ افتحي الباب، لا تؤذي نفسكِ، أتوسل إليكِ افتحي الباب)

- (اذهبي أنا لن أؤذي نفسي) ردت عليها.

في الواقع كانت تشعر أنها تشرب إكسير الحياة من خلال النافذة المفتوحة. انطلقت خيالاتها بشغب تمرح في الأيام التي تنتظرها، أيام الربيع، أيام الصيف، كل أنواع الأيام التي ستصبح ملكها. ارتجلت دعاءً قصيراً بأن تكون حياتها أطول وهي التي كانت بالأمس فقط ترتعد من فكرة الحياة الطويلة.

نهضت أخيراً وفتحت الباب لشقيقتها الملحاحة، كانت هناك نظرة انتصار محمومة في عينيها، وفي خطوتها تبختر كأنها آلة النصر ذاتها، احتضنت أختها من وسطها وأخذا ينزلان السلالم حيث ينتظرهما (ريتشارد) في الأسفل.

قام شخص ما بفتح الباب الخارجي مستخدماً المفتاح، كان المقبل هو (ميلارد) زوجها وعليه القليل من وعثاء السفر، حاملاً حقيبته ومظلته في هدوء، لا يظهر عليه أي أثر لحادث سير ولا يبدو حتى أنه سمع بحدوثه. وقف مذهولاً من صراخ (جوزفين) الحاد، ومن مسارعة صديقه (ريتشارد) نحوه ليحجبه عن نظر زوجته لكن يبدو أن (ريتشارد) تأخر كثيراً.
عندما جاء الأطباء لفحصها قالوا إنها ماتت بنوبة قلبية سببها انفعالات الفرح الشديد!!

الخميس، 30 أكتوبر 2008

قصة قصيرة: مغلق للتحسينات!

تقدمت نحو الباب.. حاولت فتحه مباشرة.. لم ينفتح..
بادرت بطرقه بقوة.. صدمتها عبارة معلقة..
(مغلق للتحسينات)
أول مرة يغلق في وجهها هذا الباب.. مستحيل عاودت الطرق بشدة
لا جواب.
المسألة مسألة تحد
هكذا حدثت نفسها.. أي تحسينات هذه ؟.. إنه لا يريد أن يفتح..فقط لا يريد. إن كل شيء بالداخل هو ملكها.. صياغة يدها وترتيب فكرها.. كيف يجرؤ علي إغلاق الباب..؟
ولماذا؟ للتحسينات..!!
رفعت قبضتها لتحطم الباب هذه المرة.. صدمتها العبارة المعلقة..
(مغلق لأعمال الديكور)
المسألة مسألة وقاحة..
هل وصل الأمر إلي مرحلة الديكور؟ كيف يجرؤ؟ ومنذ متي كان يعرف أن الديكور يجب أن يتغير..؟
وكل هذا دون علمها لا.. لقد تهاونت كثيراً.. يجب أن تحطم الباب.. يجب.
رفعت كلتا قبضتيها لتهوي علي الباب.. صدمتها العبارة المعلقة
(مفتوح.. تفضل بالدخول)
المسألة مسألة تنازل
هكذا حدثت نفسها.. كظمت غيظها، أرخت قبضتيها.. حافظت علي انقباض أصابعها، دفعت الباب ودخلت..
ثم..
غير معقول.. ليس هذا هو المكان، لقد تغير كثيراً، ليس فيه شيء مما تحبه.. المقاعد، الإضاءة، وضع المنضدة والزهور..
لا شيء يعجبها في هذا كله.. صرخت
ما هذا.. كيف حدث كل هذا ؟أنا لا يناسبني ذلك..
عفواً سيدتي ولكنه يناسبني..
كان صوتاً عميقاً قادماً من كل انحاء الغرفة.. بهتت أخذت تتطلع بحثاً عن مصدر الصوت.. في حين تابع الصوت
يناسبني لأنه يخصني..
تهاوت قبضتاها إلي أسفل.. تدلي رأسها الشامخ في وهن، في حين تراخي جفناها في استسلام، هزت رأسها يمنة ويسرة ثم ولت منصرفة.
أول مرة تدرك أن المكانî لم يعد ملكها. رفعت رأسها إلي اللافتة المعلقة منذ القدم.. اللافتة التي لم تظهر إلا مع أعمال الديكور..
كانت معلقة علي الباب تقول:
هذا المكان هو قلب رجل .

الجمعة، 19 سبتمبر 2008

حضارة الوجبات السريعة:كتاب قد يغير نظرتك المعجبة بشطيرة البيغ ماك إلى الأبد!



الكتاب:
حضارة الوجبات السريعة
المؤلف:
ايريك سلوشر
الناشر:
الدار العربية للعلوم
قراءة:
د. فراس عالم


ما الذي يمكن أن يقدمه كتاب جديد عن الوجبات السريعة؟ المزيد من الهجاء في شطيرة الهمبرجر؟ تحذيرات من أثرها على الصحة العامة، و دورها الخطير في أمراض مثل: السمنة و تصلب الشرايين، و ارتفاع ضغط الدم، و نقص الفيتامينات....إلخ تلك القائمة العريضة من الاتهامات الصحيحة رغم كل شيء!! ذلك ما قد يتبادر إلى الذهن عند قراءة عنوان الكتاب الجديد للمؤلف الأمريكي (ايريك سلوشر) "أمة الوجبات السريعة" أو "حضارة الوجبات السريعة" كما ترجمته الدار العربية للعلوم في طبعته العربية. لكن في الحقيقة و على الرغم من أن الكتاب أفرد فصولاً عدة في تبيين الأثر الصحي للوجبات السريعة- إلا أنه أبعد ما يكون عن اعتباره مجرد نص في هجاء الهمبرجر؛ فهو يتناول الوجبات السريعة بمفهومها الحضاري الشامل و أثرها على المجتمع ككل من نواح متعددة ثقافية واقتصادية و اجتماعية أيضاً. فالمؤلف ينظر إلى الطعام على أنه أكثر من مجرد وجبة؛ بل فعل و مفهوم حضاري، يعكس تطور أو تدهور الحضارة انطلاقاً من فهم أعمق للمثل القائل (أنت ما تأكله).ولقد أصبحت الوجبات السريعة بناءً على هذا المفهوم أبرز مكوّن للثقافة الأمريكية خلال ثلاثة عقود فقط، ومن أكشاك صغيرة للنقانق في كاليفورنيا الجنوبية إلى تجارة يتجاوز حجمها (110) مليار دولار في عام 2001، أي أن الأمريكيين أنفقوا على الوجبات السريعة أكثر مما أنفقوه على التعليم العالي أو الحواسب الشخصية أو برامج الكمبيوتر أو السيارات. وأكثر من الأفلام السينمائية و الكتب و المجلات و الصحف وشرائط الفيديو و الموسيقى المسجلة مجتمعة!.
يعتقد المؤلف أن الضرر الأكبر الذي أحدثته شركات الوجبات السريعة ليس صحياً فحسب؛ بل يتعدى ذلك إلى أثر ثقافي اقتصادي يتمثل في تأسيس اقتصاد ينبني على التماثل و منح الامتياز، و نشر مبدأ أنت لن تنجح ما لم تنضم إلى فريقنا، و تتخلى عن خصوصيتك. و مبدأ التماثل هذا أو (الماكدنلة) كما يسميها المؤلف لم يقتصر على عالم الوجبات السريعة؛ بل تعداه إلى كل أوجه النشاط الاقتصادي الأمريكي و الدولي فيما بعد؛ إذ أصبح كل مظهر من مظاهر الحياة الأمريكية –تقريباً- إما مسلسلاً "تابعاً لسلسلة أو حاصلاً على حق امتياز. و هكذا بإمكان الإنسان الانتقال من المهد إلى اللحد بدون أن ينفق قرشاً واحداً على مؤسسة مستقلة.. لقد مُنحت حفنة من الشركات درجة غير مسبوقة من النفوذ على مخزون الأمة".
لكن أكثر ما يميز الكتاب منهجيته الشاملة في التوثيق و التحليل متتبعاً صناعة الوجبات السريعة منذ النشأة الأولى لها، و الأسباب الاجتماعية و الاقتصادية التي ساعدت على بزوغها، ثم ينتقل خلف طاولة البيع ليعرض الأساليب التي تتّبعها الشركات في توظيف عمالها و الإستراتيجية الغريبة التي تتبناها (لا لعمال دائمين..لا لعمال مهرة) حيث إن العامل القديم يكلف الشركة مبالغ متزايدة كل عام و يحصل على حقوق متزايدة مع الوقت؛ لذلك تفضل الشركات الاعتماد على عمال مؤقتين من طلبة الجامعات و المهاجرين الأجانب الذين يرضون براتب قليل و يتركون العمل بعد فترة قصيرة دون أن يُطالبوا بإجازات أو علاوات أو راتب تقاعدي؛ ولأجل ذلك راهنت الشركات على الآلة، فكل الوجبات السريعة مطهوّة مسبقا و لا تحتاج إلا لتسخين بسيط في أجهزة عملاقة مسبقة الضبط، كما أنه لا حاجة لإضافة التوابل لأن مصانع النكهات الصناعية العملاقة قد أضافت كل شيء مسبقاً إلى البطاطا و اللحم نكهات لذيذة من كل نوع لا علاقة لها بجودة اللحم و طزاجته.
ويكشف المؤلف في فصل تالٍ الأسباب التي تجعل المقالي لذيذة الطعم، تجربة أجراها في شركة الروائح و المنكهات الدولية التي تصنع النكهات و الروائح لشركات الوجبات السريعة فيقول: "أغلقت عيني و استنشقت بشكل عميق أحسست بروائح الأطعمة واحدة تلو الأخرى ..شممت رائحة كرز طازج و زيتون أسود و بصل مقلي و قريدس ثم رائحة همبرغر مشوية، و كانت رائحة لذيذة غير معلبة و كأن شخصاً يقلب قطع الهمبرغر على شواية حامية قريبة، و لكن عندما فتحت عيني لم يكن هناك سوى قطعة صغيرة من الورق و درزينة من الزجاجات الصغيرة، وعالم نكهة يبتسم"!! لكن الأسوأ بالفعل هو ما يأتي لاحقاً عندما يجوب (ايريك سلوشر) خلف مصادر الوجبات اللذيذة الطعم معظم الولايات الأمريكية تقريباً ليزور مزارع الأبقار و مسالخ اللحوم، و مصانع تعبئة و تغليف تلك اللحوم.حيث يفرد لها صفحات طويلة في فصول ( مسننات في آله كبيرة، العمل الأشد خطورة، ماذا يوجد في اللحم) و تعتقد لوهلة، و هو يصف جولته داخل أحد المسالخ أنك تقرأ وصفاً لأحد أفلام الرعب المعوي، ولا تكاد تصدق أن وجبتك الشهية في القراطيس الملونة تخرج من ذلك المكان المرعب القذر!! لكن ثمة ما قد يهمك بالفعل أن تعرفه... و لعله الفصل الأهم في الكتاب فيما يتعلق بالمستهلك العالمي من أمثالنا..


ماذا يوجد في اللحم؟


إنه السؤال الأكثر أهمية في الكتاب لقارئ لا يُعنى كثيراً بالثقافة الأمريكية أو أثر الشركات السيّئ على الاقتصاد، أو عدم أخلاقيتها في التعامل مع العمال.. ويذكر المؤلف في هذا الجانب أن: - حوالي 75 % من القطعان في الولايات المتحدة كانت تغذى بروتينياً بواسطة فضلات المواشي – بقايا الخراف و القطعان النافقة- حتى عام 1997، كما كانت تُغذى أيضاً بوساطة الكلاب و القطط الميتة المشتراة من ملاجئ الحيوانات، و بعد ثبوت تسببها في مرض جنون البقر مُنعت مثل هذه الممارسات إلا أن القوانين الجديدة لمنظمة الغذاء و الدواء الأمريكية ما زالت تسمح بتحويل الخنازير و الأحصنة و الدواجن الميتة إلى علف للمواشي؛ بل و تسمح تلك القوانين بتغذية الدواجن بالمواشي الميتة أيضاً .... و حتى نفايات مصانع الدواجن بما فيها نشارة الخشب، و الجرائد القديمة التي تُستخدم كمهاد لترقد عليه الدواجن تدخل في غذاء المواشي الآن! - و لزيادة الأمر سوءاً فإن الحيوانات التي تُستخدم لصنع حوالي ربع كمية اللحم في الأمة هي من ماشية الحليب المستهلكة، و هي عرضة لأن تكون مريضة و مفسدة ببقايا المضادات الحيوية التي تجعلها أقل صحة فمثلاً.. تعتمد شركة ماكدونالد على ماشية الحليب بشكل كبير من أجل مستلزمات الهمبرغر لديها فهذه الحيوانات رخيصة نسبياً، و تنتج لحماً قليل الدسم، و تسمح للشركة بالتباهي بأن كل لحم البقر لديها مربى في الولايات المتحدة الأمريكية! - وجدت دراسة أجرتها منظمة (يو أس دي) شملت الأمة بأكملها أن 7.5 % من عينات لحم البقر المطحون أخذت من مصانع معالجة كانت ملوثة بالسلمونيلا و 11,7% بليستيريا موكوجينس و 30% ملوثة بستافيلوكوكس اوريوس و 53,3% ملوثة بكلوستريديوم بريفينجيس، و كل هذه الجراثيم تصيب الناس بالمرض؛ فعلى سبيل المثال تتطلب حاله التسمم باللستيريا عناية طبية في المستشفى، و تسبب الموت في حالة من كل خمس حالات، علاوة على ذلك لقد وجدت الدراسة أيضاً بأن 78.6% من لحم البقر المطحون كانت تحوي مادة برازية... خلف هذه المصطلحات يكمن توضيح بسيط يفسر لماذا يمكن أن يسبب أكل الهمبرغر الإصابة بالمرض!.

تغييب الرقابة..

تعاني إدارات الرقابة الفيدرالية -حسب الكاتب- من تغييب و ضغط متعمدين من قبل الحكومة و تجار صناعة اللحوم، و اللذين تحالفا عليها لفترة طويلة من الزمن لتفريغها من مضمونها و لضمان عدم إعاقة أرباح تلك الشركات " لقد كانت إستراتيجية تعليب اللحوم مدفوعة بكره غريزي عميق لأي قانون حكومي قد يخفض من أرباحها... خفضت إدارتي ريجان و بوش من الإنفاق على إجراءات الصحة العامة وزودت منظمة الزراعة في الولايات المتحدة بموظفين مهتمين بتخفيف القوانين الحكومية أكثر من اهتمامهم بسلامة الأطعمة و هكذا أصبحت إلى حد كبير لا تختلف عن الصناعات التي كانت معنية بتنظيمها"!!


الذي ينبغي أن تفعله


لو أن كاتباً عربياً أو مسلماً قال ما سوف يقوله (ايريك سلوشر) في خاتمة كتابه لاتهم بتهم كثيرة تبدأ في أبسطها بالجهل و الحماقة، و تنتهي بالخيانة و الإرهاب و تدمير اقتصاد البلاد لكن من الأسلم –ربما- أن نورد ما قاله من دون تعليق: "لا يوجد أحد في الولايات المتحدة مجبر على شراء الوجبات السريعة، و الخطوة الأولى باتجاه إحداث تحوّل مهم هي الأبسط على الإطلاق: التوقف عن شرائه.. على رؤوس برغر كينغ و كنتاكي و ماكدونالد أن تشعر بالهلع فأنتم تفوقونهم عدداً هناك ثلاثة منهم و ثلاثمائة مليون منكم.. مقاطعة جيدة و رفض للشراء يمكن أن توصل إلى ما لا توصل إليه الكلمات".

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

في مجموعته الأولى «المشبك الخشبي»: فراس عالم يمارس لعبة «الاضافة والمحو»



عكاظ - جدة
يقدم الكاتب فراس عبدالعزيز عالم في مجموعته القصصية الجديدة "المشبك الخشبي" عالما قصصيا وافر الحركة وفيه المزيد من الشعور بالقلق الوجودي وتصريح يجبّه التلميح مع مسحة لا يمكن ان نغفلها لتلك الضمائر القلقة التي تحاول قدر جهدها ان تقرأ الواقع فتفهمه ثم تمارس لعبة الاضافة والمحو عن عمد كي تنسق العناصر المشتتة هنا وهناك. المجموعة التي صدرت مؤخرا لدى المؤسسة العربية للدراسات النشر ببيروت هي الأولى للمؤلف الشاب الذي عرفته الساحة المحلية بوصفه قاصا حديثا ينشر ابداعاته وترجماته لمختارات من الابداع العالمي في مختلف المطبوعات المحلية، بالاضافة الى كونه صاحب العديد من الجوائز التقديرية من جامعة الملك عبدالعزيز ونادي مكة الأدبي والمؤسسة العربية بالقاهرة. وفي مقدمة المجموعة يهدي المؤلف كتابه الأول "الى نور سنان.. قبلة صغيرة على ظهر كفها الحنون.. وقبس متواضع من وهج خصلاتها البيض"، وهي تضم 18 نصا قصصيا تتمتع بـ"نسيج محكم يذكرنا بنسيج همنجواي". وحسب الروائي د. أحمد خالد توفيق في كلمته التي تضمنها الغلاف الخلفي للكتاب، فإن هذه المجموعة تتوفر على "جوٍّ عام يحاول ان يقول شيئا لكنه لا يقوله، وتحاول أنت ان تستخلص شيئا لكنك عاجز عن قول هذا حتى تأتي لحظة التنوير.. عندها تفهم كل شيء"!ومن أجواء المجموعة نقطتف الأجواء التالية: ".. فتح دش الحمام، انهمرت المياه على رأسه، شعر بأن الماء المنساب على جسده يتحول الى اللون الأسود، وأن فتحة الصرف تطلق أصواتا صاخبة عندما تغمرها المياه السوداء، صرخات ملايين المعذبين تجتمع في البالوعة، صرخات مجموعة فزعة، مرتاعة الى درجة تعرف ان أحدا لن يسمعها ولن يهم لنجدتها أبدا، وأن عذابها باقٍ ما بقيت صرخاتها.. لكنه كان يسمعها بوضوح..قرب أذنه أكثر من البالوعة وأخذ يُنصت.. يا إلهي ما الذي فعلته..؟".


رابط الخبر


الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

فراس عالم.. شعرية وقدرة تقيد نفسها.. وتأثر بأفلام "التيرسو" الغربية

مقال لمحرر وكالة رويترز جورج جحا شن فيه هجوماً عنيفاً على كتابي"المشبك الخشبي"



بيروت (رويترز) - عالم "فراس عبد العزيز عالم" القصصي كما يتجلى في مجموعته الأخيرة "المشبك الخشبي" قد يثير استغرابا في ذهن القارىء.. ففيه شعرية وقوة سرد ووصف واضحة وكثير من "غير العادي".
إلا ان الكاتب يبدو فيه كأنه يقيد نفسه فيربطها بالغريب المحدود ويركز على لحظات يصعب ان تنطلق إلى نطاق إنساني واسع مع انه كثيرا ما يوحي لقارئه بأنه يعد بهذا الإنساني. انه مولع بالتركيز على لحظات محدودة فحسب. وعلى رغم غوص في النفس هناوعمق فكري هناك فهدفه يبدو اقرب إلى الادهاش بل إثارة الاستغراب.
ويعكس هذا العالم ما يبدو اجواء من افلام الغرابة والرعب والدم التي تصل إلى حد ما يصفه البعض بالشذوذ وما يستعير له اخرون -في تلطف غير مقصود- تعبير افلام "التيرسو" الأمريكية خاصة. والتيرسو هنا يختلف عن مفهوم التيرسو المصري القديم اذ انه ياتي بمعنى هبوط يصل إلى درجة ربما اثارت القرف والغثيان بينما تدعي العمق.
عند الكاتب السعودي فراس عبد العزيز عالم كما عند بعض الكتاب العرب الاخرين من سعوديين وغير سعوديين تطل الكلمة الشعرية بل النص الشعري في جزء كبير من نتاجهم في صورة "صاحب الدار" الاصلي.. والقيم الروائية السردية اقرب إلى صورة الضيف وان جاء هذا الضيف في شكل يثير الاعجاب في احايين محدودة.
مع فراس عالم تشعر بأسف أحيانا لأن موهبة تعد بكثير تكتفي بما هو اقل من ذاك بكثير وترضى باثارة الادهاش او غيره مع ان الكاتب يغوص أحيانا في النفس البشرية بعمق. إلا ان غوصه ينصب على رؤية محدودة جدا إلى درجة انه يتلهى به عن التوصل إلى رؤية اكثر اتساعا او ذات شمول من نوع ما.
اشتملت المجموعة على 19 عنوانا في 123 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
بعد الاهداء يكتب فراس تحت عنوان هو "حيث لا يراني احد". تتوقع ان تقرأ قصة فاذا بك تقرأ شعرا. انه هنا شعر "خالص" إلى حد بعيد وليس سردا شعريا. الكاتب هنا اكثر إنسانية وشمولية منه في كثير من القصص. ولعله في هذه "المقدمة" سجل نظرة إلى الحياة والوجود تتسم بالعمق وبالتعبير الموحي لكنه في القصص لم ينفذ إلى الحياة والوجود بل اكتفى بتناول صور ومشاهد منهما ضيقة محدودة.
يقول "وحدها/ او وحدك/ او وحدكما/ ما الفرق../ اخبرني بالله عليك ما الفرق../ كل الطرق تؤدي إلى لا شيء/ إلى صحراء بلا نهاية/ تقتل الامل في كل طموحاتك بالوصول/ بنشوة الانجاز/ لا شيء/ اعمل او لا تفعل/ اركض..اجر.. هرول.. اصرخ.. او حتى تمدد ونم/ لا فرق..."
إلى ان يقول "... ستبقى مرارتك داخل حلقك/ وربما تزيد انقباضة صدرك/ ويستفحل ارقك/ من الذي اخبرك ان ثمة حياة افضل في الافق../ لا شيء../ صدقني.. لا شيء يمحو وهن الانكسار/
"ترحل/ تحمل الكون على ظهرك/ وتمضي/ غائبا في ضباب الاثم/ ودوي صمتك يرج الافق/ وجفاف دمعك يغرق العالم.../ وتقول انك ذاهب/ حيث لا يراك احد "
في "بياض" نموذج يعطينا صورة واضحة عن اسلوب الكاتب من خلال حديثه عن "حالة كتابة" اي عن معاناة يمر بها. وصف وتصوير نابضان في عصبية وتوتر.. وعين خيال تربط بين حالات وأخرى وبينها وبين اشياء فيتحول النص عنده إلى خلية تعج بنوع من الحياة و الحركة.
يقول "تنفر الاوراق من بين يدي كفرس حرون. اعود وأجمعها على الطاولة الخشبية المتعفنة. تصر هي الاخرى في احتجاج مكتوم.ارتب الاوراق واحدة فوق الاخرى. احاول ان امر عليها بعيني.. تتمطى الاحرف السود في وقاحة. تتلون بالاحمر والاصفر والاخضر. ثم يتمادى الاحمر ليغمر الصفحة كأنه بقعة دم كبيرة. تبتسم الحروف المصبوغة ابتسامة غير مهذبة.. تغمز بعينيها وتمد لسانها في وجهي.."
ولعل من ابرز ما يتسم به اسلوب الكاتب عدم اهتمامه بالشخصيات القصصية فهي عنده ليست شخصيات حية بالفعل تنمو وتتحرك. انها شخصيات "غائبة" وباهتة أحيانا. وجل ما يفعله الكاتب انه "يختزلها" في حدث محدود ليتحول العمل القصصي عنده إلى مشهد بعيد عن اي صفة " بانورامية". ومما يعبر عن ذلك اننا نجده لا يعطيها اسماء عادية بل يرمز اليها بأحرف اي بالحرف الاول من كل اسم. وفي الحرف الواحد -في الغالب باستثناء حالات نادرة- غياب واجتزاء وقناع من نوع "طاقية اخفاء".
في قصة "الخارق" مراوحة بين الوقعي والغرائبي. انتقال من جهاز التلفزيون إلى عالم غرائبي يخلقه ما يعرضه وتفاعلنا الواعي وغير الواعي مع ما يعرض. يتحول "الخارق" من شيء يعرض إلى شيء في الذهن وفي الواقع. ويحول عالم الطفولة هذا الكائن "الخارق" إلى حبيس ينام في تابوت " عندنا". وفي " شارب كث" جدلية بين واقع ووهم يتحول الواقع بعدها إلى مزيج من الاثنين.
في "البحث عن القلق" نجد انفسنا في عالم مصغر ومختصر جدا عن عالم نجيب محفوظ في "الشحاذ". البطل في ع
يادة الطبيب. وكما تحول الثوري السابق إلى حياة الهدوء او إلى "تقاعد ثوري" قسري عند محفوظ نجد الطبيب هنا يقول لمريضه "في الحقيقة انت لا تعاني من مرض عضوي. انت بحاجة إلى التجديد في حياتك.. إلى شيء من الاثارة.. شيء من القلق."
- "ماذا القل.. القلق.."
- "نعم.. القلق.. وستعود إلى حالتك الطبيعية بعد اسبوعين."
"اخذ المريض يهيم في شوارع العاصمة.. من اين يأتي بالقلق... انه يسمع ان العالم يشكو من القلق وأمراضه المزمنة.. لماذا اذن يعاني هو نقص القلق... اخذ يسترجع بعض الحكايات التي تسبب القلق لزملائه.. الزوجة.. الاولاد.. المصروفات.. المشتريات.. الايجار.. الكهرباء.. ابناء الجيران.. البقال.. القصاب.. لا شيء انه لا يعاني من ذلك..."
في "العابرون" عالم تستخدم فيه حالات اقرب إلى "حالات شبحية" لكن قد يشفع بالامر ان الكاتب يفعل ذلك في سعي إلى قول امور " فكرية".
ولعل قصة "رنين" اقرب ما في المجموعة إلى النضج والغور في النفس البشرية بتعاطف ومحبة .انها قصة جيدة تقول الكثير.
اما قصة "عاشقة" فقد تكون اوضح مثل في المجموعة يذكّر بأفلام الرعب ومصاصي الدماء والشذوذ. انها تثير القرف وبشكل "شديد الكلفة" على القارىء. فبعد ان شقت صدر من تحب في عاطفة جياشة وخوفا عليه من موت زاحف واستخرجت قلبه "اخرجت يدها مخضبة بالدم تعتصر كتلة صغيرة في حجم قبضة اليد تهتز في وهن وتنز دما قانيا... قامت وهي تقبل يدها والكتلة الواهنة وتلعق الدم المتقاطر في تلذذ..."
لا شك في ان من الحب ما قتل.. قتل الحبيب والقارىء معا.
من جورج جحا

الخميس، 31 يوليو 2008

رنين...قصة قصيرة



بقلم/ فراس عالم 

- 1 -
ارتفع رنين الهاتف مدوياً كجرس كنيسة متزمتة، فتحت عيني ببطء بعد الرنين الخامس، أو السادس.. كان يواصل الرنين في إصرار محموم لا يريد أن ينتهي وكأنه نذير ملتاع يريد أن يطرق باباً مغلقاً ليبلغ أخباراً سيئة.
..( خبر السوء لا يتأخر )...
كانت أمي تقولها مبررة نزعها لقابس الهاتف عندما ننام ليلاً. تمنيت لحظتها لو أنني فعلت مثلها قبل أن أنام.
أنا الذي لم أعد أنعم بساعات نوم مريحة أو متصلة، كان.. ينبغي أن أكون أكثر حذراً قبل أن أسلم رأسي للوسادة المكورة تحت رأسي.
غابت بعقلي الخيالات مجدداً . تري من تراه يكون ؟ لا أحد يدق بهذا الإصرار في هذه الساعة المتأخرة أبداً.. .. تري كم الساعة الآن ؟.. لا ألبس ساعتي، منذ اشتريت ساعتي الغالية وأنا أنزعها قبل أن أنام.. أخاف عليها أن تخدش خلال حركة يدي العنيفة . كم أنا عنيف عندما أنام، أمي تقول أن ذلك يعود إلي شخصيتي، شخصيتي المغلقة والتي لا تبوح بما في داخلها وتفرغ انفعالاتها أثناء النوم.. أصدقائي يقولون إن دمي ثقيل، وأنني لا أصلح للمعاشرة.. زملائي لا يستلطفونني.. زواجي فشل مرتين متتاليتين.. أقنعتني بروعة العزوبية أخ.. الجو بارد بالفعل.. الوسادة لينة.. كم الساعة الآن ؟ ما الذي أيقظني ؟.. أنقلب علي جنبي الآخر.. أتثاءب بعمق.. و.. أخخخ.
ذلك الرنين الملعون.. لقد عاد ليدوي من جديد.. انتزعني من خيمة جميلة دخلتها للتو.. خيمة حريرية شفافة في وسط الصحراء.. صحراء مقمرة.. وسماء مليئة بالنجوم.. ورفيقة.. أخ.. كانت جميلة بالفعل.. لكن تباً.. ذلك اللعين الذي يرن في إصرار.. هذه المرة كأنه دائن شرس لا ينوي الانصراف قبل أن يأخذ دينه، ولكني لست مديناً لأحد.. أنا لست مديناً لأحد.. أجل.. غداً سأتخلص من هذا الهاتف اللعين.. سأرميه في البحر.. آخذه إلي أبعد نقطة في المحيط وألقيه هناك.. لن يعود ليزعجني أبداً .
-( ترررن.. .. .ترررن)
أنقلب علي بطني.. أرمقه بنصف عين ملقي هناك في آخر الغرفة، إلي جوار كومة كبيرة من الجرائد، أقيس المسافة ببصري، علي أن أسير أربعة أمتار كاملة.. هذا يعني أن أستيقظ تماماً .أن أضيع هذه اللحظة الثمينة وأن أظل أخبط رأسي في الحائط ما بقي لي من الليل . ولكني أفعل الشيء نفسه الآن.. وهذا الرنين الوقح يخبط داخل جمجمتي بلا هوادة.. ولا يريد أن يتوقف.. اللعنة.. سأشتمه.. سأشتمه مهما يكن هذا المتصل السمج !
-(مساء الخير)
كان صوتاً ذكورياً، دافئاً، ورائقاً، كأنه صوت مذيع أو مطرب مشهور
-(نحن قناة .... ، نريد أن نأخذ تعليقك علي الإصلاحات السياسية الأخيرة بصفتك خبيراً في الشؤون الإقليمية..) صمت للحظة أستجمع شتات عقلي الممزق، ثم انفجرت صائحاً..
-( هل تمزح يا ابن ال(.. .. .)، تتصل في منتصف الليل كي تمزح مزاحك الثقيل هذا.. قسماً لأعلمنك الأدب يا قليل الأدب.. .
ضحكة عميقة ورنانة جعلتني أوقف سيل شتائمي، ليست ضحكة سخرية أو استهزاء، ضحكة صافية ومرحة أقرب ما تكون إلي الاندهاش .
- (مالذي يضحكك؟)
بنفس واحد ولهجة حاولت ألا تجعلني أبدو مندهشاً أو مترقباً قلتها .
توقفت الضحكة العميقة تلك.. سعلة خفيفة.. نحنحة.. ثم
- (المعذرة.. .المعذرة يا دكتور فيصل لم أكن أنوي أن أسخر منك أبداً )
- (أنت وقح وقليل الأدب)
قلتها من غير اقتناع حقيقي وأنا أترقب حديثه الذي أحسست أن صوته به شيء خفي يشدني .
- (آسف.. آسف بشدة.. أكرر اعتذاري.. لقد قلت لك ذلك علي سبيل الدعابة.. أنت الذي أوحيت لي بالفكرة )
-(أنا.؟؟!!)
-(أجل أنت . ألم تعتقد أنني مذيع.. أو مغن مشهور.. لقد قررت أن أبدو كمذيع.. أردت فقط أن أحفزك علي الاستيقاظ )
هذا الكلب عم يتحدث؟؟ مذيع أو مغنٍ مشهور؟؟ كيف؟
- (أعرف أنك تتساءل.. لا تهتم يا صديقي هذه الأمور ثانوية ولا تهم أحداً.. أعرف أنك ذكي وأعقل كثيراً من أن تضيع جهدك في أمور تافهة كهذه )
- (ليكن.. الأمر كله تافه عندي، ولا أريد سماع كلمة إضافية . اذهب واعبث مع مغفل غيري !).
أغلقت الخط ولكن في غير حماس.. شيء في داخلي بدأ يلومني، كان ينبغي أن أعرف من هو صاحب الصوت الدافئ، وكيف خمن الفكرة التي في عقلي مباشرة ؟ بدأت أشعر بالندم. عدت إلي فراشي.. كورت الوسادة تحت رأسي.. وعبثاً حاولت أن أنام.
- 2 -
في الليلة التالية قربت الهاتف إلي جواري علي السرير، أطفأت الأنوار وظللت واضعاً يدي علي السماعة الباردة منتظراً اتصاله . ذلك الصوت المهذب العالم ببواطن الأمور، سوف يتصل بالتأكيد، سيتكلم بتلك اللهجة الراقية، لن أشتمه اليوم، سأدعه يتحدث ويقول ما يريد ربما ألومه برفق، وأعتذر له بعد ذلك وقد نغدو أصدقاء فيما بعد، من يدري. أنا لا أملك أصدقاء وهو يبدو مريحاً وذكياً.. ثم انه يعرفني جيداً.. يعرف ما أفكر فيه أجل ربما هو الصديق المنتظر.. لم لا؟ علي أن أصبر وسيتضح كل شيء.
شرعت أنقر بأصابعي علي الجهاز البارد لحناً قديماً أحبه وأدندن بصوت خافت..
صباحاً.. وجدت الهاتف مبعثراً علي وجهه علي الأرض والسماعة محشورة بين المرتبة وحافة السرير كشخص يوشك علي السقوط من فوق جسر ويطلب النجدة !
- 3 -
أويت مبكراً إلي الفراش في المساء التالي وضعت الهاتف علي الأرض بجوار السرير، فتحت نوراً خافتاً وبدأت أقرأ كتاباً سياسياً كبير الحجم آلم يدي . نحيته بعد فترة وشرعت أفكر في صديقي المحتمل.. سيعود ليتصل، أنا متأكد، يقين خفي يخبرني أنه سيعود، ربما كان مشغولاً البارحة أو غاضباً مني أو حاول الاتصال متأخراً بينما الخط معطل، اليوم أنا أكثر حذراً، الهاتف بحالة جيدة وقريب من متناول يدي . سأعتذر منه.. سأخبره أنني كنت غاضباً ومتوتراً وأنني لم أفق تماماً من تأثير النوم.. أنت شخص لطيف ومهذب وستقبل اعتذاري لاشك.. ربما أدعوه لزيارتي.. سأهديه مجموعة من الكتب.. بالتأكيد هو قاريء جيد.. قارئ نهم.. لست أشك في هذا، إن شخصاً يداعبك بسؤالك عن قضية إقليمية لهو شخص واسع الاطلاع حقاً، ربما كان كاتباً أيضاً.. من يدري ؟ربما أحد الكتاب البارعين في السياسة أو الأدب. سأسأله وسيجيب، سنحيي نقاشات مطولة هنا، سأحرجه بأسئلة كثيرة طالما أحرجت بها الآخرين لكنه سيجيبني بلباقة.. (دكتور فيصل، هذا سؤال ذكي لكنني أعتقد من وجهة نظري.. )
لا.. لن يقول من وجهة نظري.. أجل.. هو متواضع وذكي.. سيكون حريصاً علي انتقاء عباراته..
-(ترررررن)
قفزت كالملسوع أبحث عن الهاتف
-( مساء الخير دكتور فيصل)
- .. .. .
- (أرجو ألا تكون نائماً أو مشغولاً)
حاولت أن أجيب بأنني لست نائماً ولست مشغولاً إلا به، لكن لم يصدر من حلقي سوي حشرجة غير مفهومة..
-( عظيم.. عظيم جداً.. أنا لا أحب أن أكون فضولياً.. لا أحب الاتصال في أوقات متأخرة ولا أحب إزعاج الآخرين لكن ظروفاً قاسية هي التي تضطرني لذلك).
- .. .. .
مالذي يعنيه ب(قاسية)
- (لقد سررت بالتعرف إليك دكتور فيصل، أنت الأستاذ الخشن الصارم. لست محبوباً كثيراً حسب ما أعرف في الجامعة.. أليس كذلك ؟.. لا تغضب أرجوك.. ينبغي أن أصارحك بالحقيقة التي تعرف .
- .. .. .
- (حسناً.. لا أحد يحبك حباً استثنائياً ولا أحد يكرهك أنت من ذلك النوع الذي يتقبله الناس لأنه موجود وحسب، يتعاملون معه كأنه قضاء وقدر، مسلمة من مسلمات الحياة الجامعية، تماماً مثل طريق الجامعة المزدحم ومدخلها العتيق وسلالمها المكسرة.. لا احد يحب هذه الأشياء ولا أحد يكرهها كذلك الجميع يتعامل معها لأنها هناك . لكن المشكلة أن أحداً لن يحزن عندما يري ذات يوم عمالاً يحفرون الطريق القديم أو يهدمون المدخل أو حتي يجددون السلالم العتيقة بل إن البعض سيبدي ارتياحه لتغيير كهذا...
صمت قليلاً ومضي يتابع:
- (أنا آسف دكتور فيصل لا تغلق الخط أرجوك لا بد أن أكمل حديثي. أنت شخص منضبط، لا تجامل، لا تتغيب عن محاضراتك، لا تظلم أحداً، بل أنت حتي لا تدخن.. هذا جميل.. جميل جداً.. لكن لماذا لا تبدو سعيداً ؟؟ هه؟
لماذا تتوتر وتتصلب أطرافك بمجرد الحديث العابر عن أشياء تافهة كالملابس الداخلية والسجائر وشفرات الحلاقة؟
أنت متعب ومنهك لأنك متورط.. متورط في ذلك الإطار الصارم الذي حبست نفسك فيه.. في المعطف الأسمنتي الذي ألف الناس أن يروك داخله، في حاجبيك المقطبين علي الدوام، في الخطوط العميقة التي تحفر جبهتك، في الاحترام المبالغ الذي يحاصرك به الآخرون، في درجتك العلمية المهيبة.. .. مرجل روحك يتوقد.. يغلي.. يقذف النار .، وأنت تمور، تتخبط.. وتشقي لا تعرف كيف تتصرف...
- (أصمت)
بصوت خافت مبحوح نطقتها
-(لا زوجة لك ولا أصدقاء.. لأنه لا أحد يصادق الأسمنت.. وحتي الذين حاولوا أن يتكيفوا مع برودة وصلابة الغلاف /الصنم.. قمت بصدهم وأبعدتهم لأنك تعلم أن الصنم رغم ذلك كله هش ورقيق ومعرض للانكسار وأنك لا تعرف حقاً متي ينكسر ومالذي سينتج عن انكساره.. وهل ترغب أصلاً في تحطيمه أو لا.. أنت في وضع حرج بالفعل.. .
- (أصمت عليك اللعنة)
- (الظلام والنار لا يجتمعان)
- (تباً)
- (أخبرني ألازلت تشعر بالذنب تجاه سيجارة الحشيش التي دخنتها الأسبوع الماضي؟)
- (أو تجاه تلك الفتاة التي تكلمها كل ليلة في الهاتف وتتبذل معها في الحديث كأنك مراهق؟)
- (أو تجاه).. .
- (أصمت يا حيواااان.. .لا أسمح لك.)
- (عفواً.. عفواً.. يا دكتور.. أنا لا أتهمك بشيء ولا أحاسبك.. هذه ليست مهنتي.. أنا أعرف أنك رجل خيّر.. خيّر بالفعل.. وأن هذه الغرفة التي تجلس فيها بالذات تشهد ليالي طويلة من البكاء والتهجد.. هي ليال متقطعة.. لكنها مخلصة وصادقة.. أنا أشهد علي هذا .كما أعرف أيضاً أن جزءاً كبيراً من أموالك يتحول إلي صدقات دون أن يعلم أحد، أنت رجل صالح يا أستاذ.. لنقل رجل صالح له هفوات.. لا احد يلومك.. المشكلة هي أنت.. لو أنك زرت طبيباً غداً لأخبرك أنك علي شفا الموت ولسرد عليك قائمة طويلة من الأمراض تبدأ بضغط الدم والسكري ولا تنتهي بانسداد الشرايين التاجية.. وسيعطيك قائمة طويلة من الممنوعات التي أنت ممتنع عنها أصلاً).
صمت طويلاً . وأنا أتنفس بصوت مرتفع أقرب إلي اللهاث قبل أن يردف في صوت خافت.
- (المشكلة تكمن في قلبك.. هناك في الحجرة الصغيرة الضيقة داخل صدرك.. وأنا هنا لمساعدتك .لقد أخبرتك من قبل أنا لا أظهر إلا في الظروف القاسية، وظرفك قاس بالفعل)
- (سأخبرك ما الذي يمكنني أن أساعدك به.. سنبدأ بوسيلة سهلة، ثم نتدرج فيما بعد، سنبدأ بالحكي.. سأتصل بك كل ليلة لتحكي ما حدث معك، ما تنوي عمله، أفكارك المجنونة، أفكارك الوقحة، أفكارك المبتذلة، ستحكي كل شيء.. كل شيء يا دكتور فيصل.. لا حرج هناك.. ولا خوف.. أنا أعرف كل شيء مسبقاً.. وأنت ذكي بحيث إنك لن تسأل أسئلة تافهة من طراز كيف عرفت؟ وماذا تريد؟.. لقد اتفقنا من قبل أنك لن تسأل).
- .. .. .. .
- (تحية طيبة وتصبح علي خير).
وأغلق الخط.. لبثت قابضاً علي السماعة وعيناي غائمتان بدمعة حائرة وصداع عنيف يشج رأسي.. فتور ووهن ينخران أطرافي.. عاجز عن التفكير.. عاجز تماماً كجندي هرب من معركة خاسرة بعدما شاهد فرقته تباد، تسللت تحت الغطاء.. وأغمضت عيني.
- 4 -
الهاتف.. وأنا إلي جواره ( أنت لست صديقي ولن أحكي لك شيئاً.. أنت كاذب ومنافق وتحاول السيطرة علي بألاعيبك القذرة.. أنا أكرهك.. ولن أرد علي اتصالاتك بعد الآن.. اذهب إلي الجحيم.. أو افعل ما شئت.. )
رددت العبارة للمرة الألف.. أجل لن أسمح له بالسيطرة علي ذلك الثعبان الناعم.. .إنه دسيسة شخص ما.. ولن يخدعني.
رن الهاتف بعد منتصف الليل.. أغمضت عيني.. كتمت أنفاسي ورفعت السماعة.. أتاني صوته العذب الرخيم محيياً لكني لم أمنحه الفرصة، قذفت العبارة التي حفظتها في أذنه وأغلقت الخط.. زفرت في ارتياح..
لقد انتهي كل شيء .
- 5 -
مساءً.. ..
الهاتف صامت إلي جواري كثعبان ميت.. أنا أدخن سيجارة (مخصوصة)، أحدق في السقف وأنفث الدخان.. دخاناً أزرق كثيفاً.. يتجلي لي (هو)..
- (كم أنت جميل يا دكتور فيصل.. تبدو جميلاً وأنت خائف ومرتبك.. جميل في ثياب النوم التي تضفي عليك بساطة وألفة أكثر من ملابسك الرسمية صباحاً.. ليس من حقك أن تحار وتتوتر.. أنا هنا لمساعدتك قلت لك.. ليس لي أغراض أخري.. أو مطامع من التي تظن..).
عيناه الواسعتان ترنوان لي من بين الدخان.
- (لا تفعل هكذا بنفسك.)
عسليتان.. أم خضراوان.. أم زرقاوان؟.. لا أكاد اتبينهما.. جبهته عريضة شديدة البياض لا.. ليست شديدة البياض لكنها صافية ومتوهجة تماماً كصوته.. .و شعره.. شعره الكستنائي المموج.. يصففه علي الجهة اليسري.. يغطي أذنيه ويبتسم.. تظهر غمازتان عميقتان في وجنتيه وأسنان بيضاء منسقة.. و..
- (ألن تحكي لي ما حدث اليوم)
- (ولكنك تراني)
- (أحب أن أسمعك)
- (سأحكي.. .. .. .. .. .
.. .. .. .. .
.. .. .. ..
سأحكي.. ..
.. .. .. ..
.. .. .. ..
أخبرني في تلك الليلة أنه ذاهب إلي العمل نيابة عني، وأنه أقنعهم أنه أنا وأنهم رحبوا به، ووعدني بتحسين صورتي لدي الطلاب والزملاء وأنه سيكون لي صديقات ومحبوبات كثيرات، لن أعود الطريق المسدود أو المدخل العتيق.. هكذا وعدني.. أصبح يزورني ويحكي لي كل شيء.. بإمكاني أن أستدعيه بطرق شتي.. طرق كثيرة جداً، لكنه أغلب الوقت يأتي دون دعوة.. يجلب لي السجائر وشفرات الحلاقة وأشياء أخري حميمة..
جرس الهاتف يدق.. .
يدق طويلاً.. .
كم يبدو رنينه جميلاً.. .

الجمعة، 25 يوليو 2008

قصة قصيرة ... نافذة زرقاء

(1)
كان يود أن يكتب مذكراته ذات يوم.. أن يبدأها بعبارة فاخرة من طراز أنا الجنرال فلان.. قائد الحرب العظمي التي عرفتم وذقتم،. وقد قررت أن أحكي لكم كل الأسرار التي ظللتم تتكهنون بها دهراً. حان الوقت أن أطلعكم علي السر الرهيب الذي في حوزتي، وأن أشرح لكم خطط الحرب الظافرة التي صنعت. لكنه ليس الجنرال فلان.. ولم يقد حرباً مظفرة في حياته.. ولايملك سراً رهيباً ليطلع أحداً عليه!!
(2)
تلمع المربعات البيضاء والسوداء علي الشاشة. يعجبه وضع اللوحة الرأسي غير المألوف في اللعب التقليدي، يرتب جنوده السود وخيوله وفيلته وقلاعه بزهو كبير. يبدأ حركته المغرورة بالجنود المتوسطين يسترجع كل الخطط التي أعدها للإطاحة بخصمه. يبدأ الجهاز حركاته بسذاجة مفرطة، ينقل خيوله باندفاع مع الحركات الأولي.. يبتسم ابتسامة صفراء ويدفع بجنوده لمحاصرة الخيول الجامحة. تفاجئه بانقضاضها علي المساحة الخالية خلف الجنود.. تحرجه بتهديد الملك في عقر مربعاته.. يدرك أنه سيخسر القلعة والفيلة لا شك ليحمي الملك.. وأن عشر دقائق كفيلة بتمزيق جيشه الأسود ومطاردة ملكة الضليل في مهانة علي المربعات المتداخلة.. تتحرك يده بارتباك نحو الفأرة وتضغط زر إعادة اللعبة من جديد.
(3)
يلمع الركن الأسفل في الشاشة، مربع صغير علي شكل ظرف يبرق في تتابع بجوار أرقام الساعة الإلكترونية، يحرك السهم بلهفة ليفتحه..
- مرحباً، ممكن نتعرف؟
تبرز الرسالة في وسط المساحة المتخمة بالرسوم
- ممكن أكيد
يعاود الكتابة ويضغط زر الإرسال.
ثلاث أو أربع رسائل متتابعة تسأله عن اسمه وعمره وشكله، يجيب عنها بصراحة شديدة , يبادلها بأسئلة أكثر لهفة. تتباعد المدد الفاصلة بين الرسائل.. تتأخر الرسالة الأخيرة كثيراً، يتبعها برسالة أخري.
- أين أنت؟
عندما يكتب بجرأة يتجاهلنه تماماً، وعندما يغدو صادقاً ومباشراً يتسربن منه بسهولة. التمع الركن بالرسالة الصفراء.. توسد المستطيل الأبيض الشاشة وفي وسطه عبارة واحدة:
- باي... مشغولة .
(4)
الوصول الي هذه الصفحة غير مسموح به..!!
نقرتان أو ثلاث.. أرقام أخري تبدل.. وتظهر الصور الفاتنة علي الشاشة..
تحذير.. إذا كان عمرك أقل من 18 سنة أو تقيم في بلد يمنع دخول هذه المواقع فبادر بالخروج وإلا.. .
يتجاهل قراءة بقية العبارة، يضغط زر الدخول، تتابع العروض والبسمات والأجساد البضة المتألقة والنظرات الذابلة المفعمة بالطلب والأوضاع المغرية بالاستجابة. تنتابه الحماسة يقرر الاشتراك في عضوية الموقع.. يدون رقم بطاقته المصرفية ومعلومات مقتضبة عنه.. صورة أكثر إغراءً.. عبارة أكثر بذخاً و.. أنت مدعو لدخول الجنة !!.
يزداد تلمظه علي الكرسي تتسع عيناه لتمتص كل فوتونات الرغبة المتطايرة من الشاشة. لكن تحميل الموقع يتباطأ.. صفحة حمراء تقطع عليه سيل أحلامه...
بطاقتك المصرفية غير سارية المفعول!! .
(5)
نافذة زرقاء صغيرة.. بل نافذة زرقاء متوسطة.. علامة تنبئ أن برنامجاً ما يتم تحميله علي الجهاز.. ضوء باهت ينعكس علي كريستال الشاشة يرتطم باطن قدمه الموجهة الي الجهاز.. قدمه الممتدة علي طول المكتب، وجسده المتراخي يتبعثر فوق الكرسي.. رأسه ملقاة الي آخر مدي يسمح به كرسيه الصلب، ودخان يعبق معلقاً فوق رأسه في حلقات ينفثها في برود.. النافذة الزرقاء تومض في تتابع..
تم التحميل
تخفت مجدداً، يتحرك سهم صغير - يوحي بتشغيل شيء ما - يهز رجليه مجدداً دون تركيز.. يعلو صوت صادح لشيخ يهتف في خطبة سياسية ممنوعة..
يا أخي دع الناس تتحدث.. ما الذي يضيرك إذا تنفس الناس؟
يبتسم بخبث ويواصل نفث دخانه، وطرقات متتابعة علي الباب تعلو دون أن يعيرها اهتماماً.

السبت، 19 يوليو 2008

«المشبك الخشبي» نصوصٌ بهمّ شعري



«المشبك الخشبي» نصوصٌ بهمّ شعري
ليليان يمين الحياة - 14/07/08//
«المشبك الخشبي» مجموعة قصصية جديدة للكاتب السعودي فراس عبدالعزيز عالم (المؤسسة العربية، 2008) هي أشبه بقراءة للذات المثقلة بالقلق والهواجس التي تنبثق نصوصاً في محاورة اللاوعي.
ليست الكتابة من خارج التقليد ما يميز تجربة فراس عالم الشعرية فقط بل ذلك الإيقاع الشخصي المنبثق من الأعماق فتتدفق هواجس الكاتب التماعات وقفزات في اللاوعي فيرسم نصوصاً ذات مسارات غير متوقعة بعيداً من الآلية والمنطق، نصوصاً تخيّم عليها السخرية السوداء والدعابة الحزينة والانعطافات المفاجئة فإذا بها تواجه المجهول والقارئ في رحلة استكشاف.
تحتوي المجموعة على 19 نصاً أو قصة قصيرة والقارئ يستطيع ان يختار طريقه في مطالعتها حيث لا فرق في التوزيع وترتيب المشاهد التي تتراوح بين الرمزية وأخرى ذات دلالات مباشرة.
ينطلق فراس عالم في مجموعته من نص «حيث لا يراني أحد» الذي أخذ شكل القصيدة فتميز عن سائر النصوص الأخرى الأقرب الى القصة القصيرة، وهذا التميز في الشكل أراده الكاتب لإبراز هذه القصيدة التي جاءت بمثابة توطئة تعكس رؤية الشاعر الى الحياة، فيقول: «كل الطرق تؤدي الى لا شيء، الى صحراء بلا نهاية، تقتل الأمل في كل طموحاتك بالوصول... ما الاختراق الذي تتوقعه؟ أي عالم وردي تنتظر؟ احمل حقائبك وارحل الى آخر الدنيا، ستبقى مرارتك داخل حلقك... صدقني... لا شيء يمحو وهن الانكسار».
هذه الرؤية التي تسيطر عليها «الوقفة الوجودية» تتماهى مع عالم الشاعر الفرنسي رامبو وسواه من الشعراء الذين واجهوا الدنيا مواجهة شرسة.
أما نص «بياض» فيعالج حال الكتابة وذلك الصراع الذي تخلقه الورقة البيضاء في نفس الكاتب فهي جحيمه وفردوسه، لعنته وخلاصه وأمام بياضها تتداخل الألوان من أصفر وأخضر وأحمر «... ثم يتمادى الأحمر ليغمر الصفحة البيضاء كأنه بقعة دم كبيرة. تبتسم الحروف المصبوغة ابتسامة غير مهذبة... تغمز بعينيها وتدفع لسانها في وجهي» حال الكتابة هنا هي أشبه بدوران جميل يخرج منه الكاتب ليدرك انه لا يحسن صناعة أي شيء آخر سوى التعبير بالكتابة.
تتوالى النصوص متخذة شكل القصة القصيرة جداً بحيث يعتمد الكاتب في معظم الأحيان عدداً محدوداً من الكلمات قد لا يتجاوز المئتي كلمة. وتتميز القصص بغياب الشخصيات الثانوية فكل شخصيات المشهد أبطال والنص يتخلى عن كل زائد محافظاً على الضروري.
الصمت والكبت يدمغان نص «شارب لث» ويتراوح نص «أنا وصديقي» بين اليأس والشعور بالدنيوية، ويتشابه النصان بكثرة اللقطات العابرة التي نجحت عدسة «المصور» البارع وهو الكاتب هنا في التقاطها وتكثيفها وتحويلها في مصلحة عالمه الشعري: «تأملت تقاطيع وجهه الحادة، حاجبيه الصغيرين المضمومين الى بعضهما دائماً، شفتيه الرقيقتين والمنتهيتين بزاوية التحام حادة وعينيه ذاتي اللون الأزرق المريب... طافت بذهني غرفتي المشعثة، والكتب المتناثرة والأدباء المتمردون والفنانون المنتحرون، الكتب الكثيرة التي قرأت والليالي الساهرة مع أبطال الخيال... والانفعالات المحببة عند سطر النهاية».
يتميز أسلوب فراس عالم ايضاً بلمسة من السخرية وبشيء من العجائبية التي تقلب منطق الأشياء، لكن السرد بما فيه من سوريالية وغرائبية جاء في بعض النصوص مبالغاً به فيتشتت أكثر مما ينبغي. نص «العاشقة» تحول الى ما يشبه فيلم رعب ولبست العاشقة ثوب مصاصي الدماء عندما أدخلت السكين في صدر حبيبها الميت لتقتلع قلبه وقد «سمعت صوت نصلها يتكسر عند العظام»، أخرجتها وهوت بضربة عنيفة على الصدر حتى سمعت صوت تهشمه لتخرج يدها «مخضبة بالدم، تعتصر كتلة صغيرة في حجم قبضة اليد تهتز في وهن وتنز دماً قانياً». وإذا كان المقصود محاولة لقلب المألوف إلا ان القارئ يخرج بانطباع مشوش عن عالم غامض.
تنهض البلاغة في «المشبك الخشبي» على مشهدية بصرية تخاطب العين أكثر من الأذن ويتقن الكاتب التكثيف والاخترال، في نص «رجل السيجار» يقول: «سحبت نفساً جديداً من السيجار المعطر، تنشقته بعمق أكبر، أطبقت بقوة وأنا أرى الأطياف تتلون أمامي بحوريات عاريات يرقصن مع غزلان برية رشيقة». وتتخذ المشهدية احياناً شكل الكتابة المسرحية، ولعل نص «المشبك الخشبي» مبني على هذا النوع من الكتابة فجاء مقسماً على خمسة مشاهد منفصلة ومرقمة. أما المقدمة فأشبه بوصف خشبة المسرح: «الغرفة واسعة بلا جدران، مضاءة بضوء خافت يأتي من اللامكان وأشياء كثيرة متناثرة في وسط القاعة»، من ثم تتوالى الشخصيات مع التقطيع الفني والحوارات المقتضبة والحركية المطلوبة في المسرح «تتقدم (هـ)... يبدو أنها أكبر من (س) قليلاً... تحتضنه في حب. تقوم والكتاب بين أحضانها...».
يضع فراس عالم قارئه وسط زوبعة من المشاعر والرؤى لتضيق الفسحة في النص ما قبل الأخير «لا تهتم»، فتعود الأسئلة دفعة واحدة وأكثر إلحاحاً واجدة لنفسها موقعاً على خريطة عقل الكاتب الذي تأخذ أنفاسه تضيق... وتضيق.
بعد هذا المشهد المأزوم يأتي النص الأخير «نقطة تحول» ليحدث تحولاً غير متوقع في مسار الكاتب الوجداني والآخذ في التصاعد فيلخص بذلك نظرته الخاصة الى العالم، ويجد فجأة في الأسطر الأخيرة الطمأنينة والأمل المنشود: «عندما كنت اقف بباب المسجد خارجاً شعرت أنني أكاد اطير، نظرت خلفي فلم أجد تلك القوافل السود التي كنت أجرها... كلها تلاشت وحلّت محلها افراس بيض تحمل ركائب عجيبة تأملتها وأنا أمسح دمعة شكر فرت من عينيّ. ألم أقل لكم ان هذه الزيارة كانت نقطة تحول... تحول كبير».

الأربعاء، 2 يوليو 2008

إعلان مبادئ.... مرتبك!

يبدو أنني سأعترف قريباً بأنني لا أنتمي لجيل الشباب الحالي رغم أنني لازلت في بداية الثلاثينات، لكن ما شعرت به من الحيرة و الضياع و أنا أتخبط بين صفحات الإنترنت خلال محاولة إنشاء المدونة ذكرني بما كانت جدتي تقولة عندما تتصل ببيتنا و تسمع صوت تسجيل آلة الرد الآلي على التلفون، كانت تصاب بالحيرة و تشك في الرقم الذي طلبته بصعوبة ثم تستلم و تضع السماعة و تقول لمن جاورها
( في رجال في بيت عبدالعزيز يبربر في التلفون!!) .

كنت فيما مضى أبتسم من ردة فعل جدتي و لكنني اليوم أدركت ما كانت تشعر به من غربة و حيرة أمام غزو غريب من عالم آخر يصيبك بالإرتباك و لا تشعر بالراحة للتعامل مع برودته و تعقيده في حين يتعاطاه الآخرون ببساطة كأنه من بديهيات الحياة التي ولدوا وهم يتقنونها



لماذا المدونة؟؟



أكاد أراك ..و أنت تمط شفتيك و تقول (إيش جبرك على كدة؟ موعاجبك اتكل على الله..سيب المدونات للفاهمين و أطلع إنت منها)

و هذا بالفعل ما كنت أعتقده، بالإضافة الى عامل مهم آخر هوما الجدوى من التدوين؟ مالذي سيزيد في الدنيا لو أضفت لها بعض الأسطر على جدارها الإفتراضي؟ وهل سأجد و سط مليارات الكلمات المنثورة من يقرأ كلماتي؟ مالذي و من الذي ستغيره تلك الكلمات؟

والإجابة على كل ماسبق بإختصار هي .....لاشيء

لن تغير كلماتي شيئاً، و لن تضيف الى علوم الكون أو معارف الدنيا أي فائدة تذكر، و ربما تبقى حتى تتحلل في الفضاء دون أن يقراها أحد.

لكنني ببساطة قررت أن أكتب المدونة لسبب بسيط جداً

هو أنني مللت من عنت مشرفي المواقع و المنتديات..

أقرأ الموضوع على موقع جريدة الجزيرة أو الإقتصادية و أتحمس للرد و التعليق و أكتب معتقداً أنني أضفت للخبر و بينت الحقيقة و أرسل الرد و تأتيني الرسالة الأنيقة ( شكراً..سوف يضاف تعليقك بعد مراجعته) و لا تسأل عنه بعد مراجعته لأنه إما أن يختفي تماما كطفل تاه يوم الوقفة ، أو يأتي مبتوراً ناقصاً كشحاذ معوق يجلس بوضع إحترافي في عرفات ....يوم الوقفة أيضاً.

أما مع المنتديات فالوضع مختلف قليلاً ..تكتب الموضوع بعد أن تطلع روحك، و تجتهد في التوثيق و الاستشهاد و التنسيق، و يظهر بدون مراجعة و الحمد لله لكنه كمواليد زمن الكوليرا ..لا يعيش إلا أيام قليلة ثم ينتقل إلى رحمة الله ولا تسأل عنه أين دفنت جثته و لا تحاول الإستعانة بصديق حتى لو كان بدرجة مخبر ممتاز مثل السيد المهيب "جوجل" حفظة الله و أبقاه

لأجل هذه الأسباب البسيطة و المهمة قررت أن أتبهدل قليلاً أو كثيراً لا يهم و أن أتحمل بربرة و غثاء التعامل مع صفحات النت كي أحفظ كرامة بناتي/كلماتي و أجعل لهن بيتاً يصونهن و يحميهين من الشطب و القص و التقطيع، و ليكون مرجعاً لي إذا جار الزمان على ذاكرتي فأجد فيه قصاصاتي القلائل التي دائما ما تضيع ولا أستطيع أن أجدها مهما حاولت من جهد



دعوة للراحة!!

هنا سأتمدد على كنتبي الأثيرة و أسرد كل حكاياتي المثيرة، سأتفلسف براحتي، و أتكلم في السياسة و الكياسة و التياسة،في الأفلام و السينما و الممثلين، في الكتب و القصص و الصحافة، في الصحة و التعليم و النفط و في أي شي يخطر لي ساعة سلطنة دون أن أعتذر للسيد المشرف أو أحمل هم السيد المراجع.

سأجلس بملابسي المنزلية المريحة و أتناول القهوة المرة مع التمر أو الجالكسي أيهما أقرب، و أرفع صوت قناة الجزيرة و أسولف، فإن أحببتم الإنضمام للسواليف حياكم الله اتفضلوا و البيت بيتكم وخذوا راحتكم على الآخر.. وإن ما عجبتكم الجلسة لا تنسوا تقفلوا الباب وراكم و تطفوا نور الدرج...ترا الكهربا صارت غالية...لكن نحكي عن الكهربا بعدين...حياكم الله.