الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

حب و لكن! (قصص قصيرة جداً)


(1) :ولاء
أخبرها أنها حب حياته ..
أنها أعظم حادثة كونية غيرت مصيره، و أنه لا يتخيل أن يعيش بدونها يوماً.
....
خفق قلبها في نشوة، أنهت المكالمة و هي تحتضن الهاتف في حنان و تحلم بأيامها القادمة معه..في حين كان هو يبادر بمسح المكالمة من ذاكرة هاتفه الجوال و يعود ليركز على قيادة سيارته المسرعة!

(2) :كولا
قال لنفسه..
فكر بها كـ(نبتة)..
لا تفكر بها كزجاجة كولا!
النبتة تتجدد كلما قطفت منها ثمرة ( حتى لو قطفها آخر غليظ لا تحبه)
زجاجة الكولا تصبح كريهة جداً بعد أن يأخذ ذلك الغليظ أول رشفة منها !

(3) :حب ولكن
قام بلصق صورة قلب كبير ينبض على نافذة الحوار في شاشته. كتب تحتها بحروف ملونة أحبك و أرسلها عبر "الماسنجر".
كتبت له بعد دقيقة...
" أموت فيك"
ثم قامت بتظليل صورة القلب و الكلمة ذات الحروف الملونة. نسختها و ألصقتها في نافذة جديدة...
و أرسلتها إلى صديقها التالي!.

الأحد، 2 أغسطس 2009

(ابنة راعي الغنم): قصة قصيرة


بقلم : وليام سارويان
(1908-1981)


ترجمة: د. فراس عالم


تعتقد جدتي باركها الله أنه لابد أن يكون لكل رجل حرفة ، و كانت تنصحني قبل لحظات و نحن على الطاولة أن أتعلم صناعة شيء مفيد، من الصلصال ، من الخشب، من المعادن، أو حتى من النسيج.
"هل هناك أي شيء تستطيع عمله؟" سألتني
"هل تستطيع صنع طاولة بسيطة، كرسي، طبق، سجادة، إناء قهوة؟ أي شيء تستطيع أن تصنعه؟" وحدقت في بغضب ثم تابعت
"أعرف أنه يفترض أن تكون كاتباً، و أعتقد أنك كذلك بالفعل فأنت تدخن كمية من السجائر تملأ المنزل بكامله بالدخان و تجعلك خليقاً بأن تكون أي شيء. لكن لا بد لك أن تتعلم حرفة حقيقة ، لا بد أن تتعلم صناعة أشياء حقيقة، أشياء يمكن أن تستخدم، يمكن أن تُرى و تُحس."
صمتت قليلاً ثم شرعت تحكي
" كان لدى ملك الفرس ولد، و قد وقع هذا الولد في حب ابنة راعي غنم، دخل الولد على أبيه و قال له يا أبي أنا أحب ابنة راعي غنم و أريدها زوجة لي. فقال له الملك، أنا ملك و أنت ابني و عندما أموت ستصبح أنت الملك من بعدي كيف تتزوج ابنة راعي غنم؟ رد الولد قائلاً، لا أعرف ، كل ما أعرفه أنني أحب هذه الفتاة و أريدها أن تكون ملكتي.
وقع في خلد الملك أن حب ابنه لهذه الفتاة أمر مقدر من الله فقرر أن يرسل لها رسالة، نادى على رسوله و قال له، اذهب إلى ابنة الراعي و قل لها إن ابن الملك يحبك و يريد الزواج بك، ذهب الرسول إلى الفتاة و بلغها الرسالة فقالت له الفتاة و بأي حرفة يعمل ابن الملك؟ أجابها الرسول ولماذا يعمل؟ إنه ابن الملك. قالت له الفتاة لابد أن يتعلم حرفة .
عاد الرسول إلى الملك و أخبره بما قالته الفتاة ، استدعى الملك ابنه و قال له : ابنه الراعي تريدك أن تتعلم حرفة ، هل لازلت تريدها زوجة لك؟ أجابه الابن بالإيجاب و قرر أن يتعلم نسج سجاجيد من القش، تعلم الفتى كيف ينسج القش بأشكال و ألوان و تصاميم مزركشة ، و بعد ثلاثة أيام تمكن الفتى من صناعة سجاجيد جميلة من القش. حملها الرسول إلى ابنة الراعي و قال لها هذه السجاجيد من صنع ابن الملك، عادت الفتاة مع الرسول إلى القصر و أصبحت زوجة لابن الملك "
تابعت جدتي الحكاية
" ذات يوم كان ابن الملك يمشي في شوارع بغداد و أقبل على مطعم نظيف و جميل فدخله و جلس على طاولة . كان هذا المكان وكراً للصوص و القتلة ، فأخذوا ابن الملك و وضعوه في زنزانة كبيرة ، حيث العديد من الشخصيات الكبيرة في المدينة محتجزون معه فيها و كان اللصوص يقتلون أسمن الأسرى و يطعمونهم للأصغر حجماً كنوع من التسلية. كان ابن الملك من السجناء الأصغر حجماً، ولم يكن أحد يعرف انه ابن ملك الفرس مما حافظ على حياته . قال ابن الملك للصوص : أنا أنسج سجاجيد من القش ذات ثمن مرتفع . أحضر له اللصوص القش و طلبوا منه أن يصنع السجاجيد، و خلال ثلاثة أيام صنع لهم ثلاث سجادات و قال لهم : خذوها إلى ملك الفرس و سوف يعطيكم مئة قطعة ذهبية عن كل سجادة . حُملت السجاجيد إلى قصر الملك و عندما رآها الملك عرف أنها من صنع و لده المفقود فأخذها إلى ابنة الراعي و أخبرها بالأمر . أخذت الزوجة السجادات و شرعت تتأمل كل واحدة بتمعن في تصميمها و خطوطها و استطاعت أن تقرأ رسالة من زوجها نسجها بالفارسية وسط خطوط الزينة المنقوشة على السجاد وقامت على الفور بتبليغ الملك."
أمر الملك بإرسال عدد كبير من الجنود إلى مقر اللصوص و القتلة ، و تمكن الجنود من قتلهم جميعاً و إنقاذ السجناء، عاد ابن الملك سالماً إلى والدة و زوجته – ابنة راعي الغنم- وعدما دخل الابن إلى القصر ورأى زوجته أنطرح أمامها و احتضن قدميها و قال لها: حبيبتي أنا مدين لك بحياتي. و سر الملك كثيراً بنجابة بنت الراعي.
"والآن" خاطبتني جدتي
" هل عرفت لم ينبغي لكل رجل أن يتعلم حرفة يدوية؟"
"أرى ذلك بوضوح" أجبتها و أضفت
" بمجرد أن أملك القدر الكافي من المال سأشتري مطرقة و منشاراً و قطعة من الخشب وسأجتهد ما استطعت لأصنع كرسياً بسيطاً أو رفاً للكتب".

الخميس، 23 أبريل 2009

(المطارد): قصة قصيرة لجون كولر







كان(الان اوستن) متوترا كهرة مذعورة وهو يصعد السلالم المظلمة والتي تصدر صريراً مع وقع خطواته في ذلك المنى المجاور لشارع (بيل). أمعن النظر كثيراً في لوحة أسماء السكان المعتمة قبل أن يجد الاسم الذي يريده مكتوبا بشكل مموه على أحد الأبواب.دفع الباب المفتوح مباشرة كما طلب منه أن يفعل عندما يجد المكان ووجد نفسه في غرفة صغيرة عارية من الأثاث باستثناء طاولة مطبخ صغيرة تتوسطها وكرسي هزاز وآخر اعتيادي.وعلى الجدار القذر شاحب اللون ثبتت عدة أرفف رصت فوقها دستة من القوارير والجرار.

كان الرجل العجوز يشغل الكرسي الهزاز ويقرأ في الجريدة، تقدم الآن نحوه وقدم له البطاقة التي أعطيت له بدون أن يتفوه بكلمة.

- "اجلس يا سيد أوستن". قال الرجل العجوز في تهذيب جم. ثم تابع" سعدت بمعرفتك"

سأله (الان):

- "هل صحيح أنك تملك خلطات لها مفعول غير اعتيادي؟"

- "يا سيدي العزيز". أجابه العجوز "بضاعتي لا تصنع بكمية تجارية، فأنا لا أتعامل مع خلطات المسهلات ومسكنات ألم الأسنان، خلطاتي من نوع مختلف ولا أعتقد أن أياً منها يمكن أن يوصف بالمألوف"

- "في الحقيقة أنا.."، و قبل أن يستطرد الان في الشرح قاطعه الرجل وهو يتناول قارورة من على الرف

- "على سبيل المثال، هذا السائل في القارورة عديم اللون كالماء وبلا طعم تقريباً، ولا يترك أثراً في القهوة أو الحليب أو النبيذ أو أي مشروب آخر. كما أنه لا يمكن ملاحظته في أي عملية تشريح بأي من الطرق المعروفة"

- "هل تعني أنه سم؟". تساءل(الان) مرتعباً..

- "سمه منظف قفازات لو أحببت". أجابه الرجل بدون اكتراث قبل أن يتابع "ربما ينفع في تنظيف القفازات فأنا لم أجربه من قبل. تستطيع تسميته منظف أرواح، الأرواح تحتاج للتنظيف بعض الأحيان.."

- "أنا لا أريد شيئاً من هذا القبيل" قال (الان)..

-" ربما تريد شيئاً مماثلاً". أجابه العجوز، ثم تابع "هل تعلم كم يكلف هذا الشراب؟ إن ثمن ملعقة شاي واحدة منه - وهي كافية - تساوي خمسة آلاف دولار، غير قابلة للتفاوض، لا تنقص سنتاً واحداً.."

- "أتمنى أن لا تكون خلطاتك الأخرى بنفس السعر المرتفع". قال (الان) مجادلاً..

- "أوه..كلا يا عزيزي، لن يكون جيداً أن أبيع جرعات الحب - على سبيل المثال - بنفس السعر، فمن النادر أن تجد شاباً يفتقد الحب يمتلك خمسة آلاف دولار، وإلا لما احتاج لشراء العقار.."

- "أنا سعيد لسماع ذلك" أجابه (الان)..تابع الرجل العجوز

- "أنا أنظر إليها من هذا النحو، أرض الزبون في البداية، وسوف يعود لك عندما يحتاج طلبية أخرى، حتى لو كانت أغلى ثمناً فسوف يدخر للحصول عليها لو اضطره الأمر لذلك.."

- "حسناً، هل تبيع بالفعل عقار الحب؟". سأله الشاب..مد الرجل يده إلى قارورة أخرى على الرف قبل أن يجيبه..

- "إذا لم أكن أبيع العقار فما الداعي للحديث عن الأشياء الأخرى؟ فقط عندما يلتزم المرء بوعوده يستطيع توفير الأشياء السرية..".

عاد (الان) ليتساءل..

- "وهذا العقار هل له مفعول ممتد أم أنه..". قاطعه الرجل العجوز..

- "أوه، كلا.. إن له مفعولاً دائماً. أطول بكثير من المشاعر العابرة وإن كان يشملها بالطبع، إنه شعور ممتد وافر وعميق."

- "يا الهي!!". هتف الشاب وفي عينيه نظرة ذهول محلقة قبل أن يتابع" يا له من أمر مثير".

-" لكن خذ بالاعتبار الجانب الروحي". قال الرجل العجوز..

- "بالتأكيد" أجابه (الان).

-" عند الأشخاص اللامبالين، فإن الخلاص والافتتان يحل في أرواحهم مكان الازدراء السابق، أعط جرعة صغيرة من العقار للفتاة الشابة - بالمناسبة هو بلا طعم تقريباً إذا أضيف لعصير البرتقال، الحساء، أو الكوكتيلات - ومهما كانت الفتاة مستهترة أو حتى مثلية فإنها سوف تتحول تماما. لن ترغب في أي شيء سوى العزلة وصحبتك."

-" لا أكاد أصدق ذلك، إنها مغرمة بالحفلات". أجابه الشاب.

- "لن تحبها بعد اليوم، بل إنها ستخاف عليك من فتيات الحفلات الحسناوات". قال الرجل العجوز

صرخ (الان) في دهشة:

- "هل فعلاً ستشعر بالغيرة؟؟ بالغيرة علي؟؟"

- "نعم، سوف تود أن تصبح كل شيء بالنسبة لك."

-" إنها كذلك بالفعل، لكنها لا تبالي."

- "سوف تفعل عندما تأخذ العقار، سوف تهتم بك بعناية فائقة، سوف تكون موضع اهتمامها الوحيد"

- "مذهل "هتف (الان).تابع الرجل العجوز كلامه..

- "سوف ترغب في معرفة كل ما تفعله، كل ما حصل لك خلال اليوم. كل شاردة وواردة، سوف ترغب في معرفة ما الذي تفكر فيه، لماذا تبتسم فجأة، ولماذا تبدو حزيناً.."

- "هذا هو الحب". صرخ (الان) منفعلاً..

-" نعم". أجابه العجوز ثم أضاف "كم ستكون حريصة عليك! لن تسمح للتعب بأن ينال منك، لن ترضى بأن تكون نهباً للهموم أو حتى أن تهمل طعامك. ولو تأخرت لمدة ساعة واحدة فسوف تصاب بالذعرعليك، ستعتقد أنك قتلت أو أن امرأة أخرى نجحت في إغوائك"

-" لا أكاد أتخيل (ديانا) تتصرف بهذا النحو". قالها (الان) بسعادة طاغية.

- "لن تحتاج لاستخدام خيالك، ولأن الحياة مليئة بالفاتنات فربما يصادف لأي سبب من الأسباب أن تنزلق قليلاً مع إحداهن. لا ينبغي عليك أن تقلق سوف تسامحك في النهاية ستكون مجروحة بعمق بالطبع لكنها ستسامحك في النهاية.."

- "هذا لن يحدث". قالها (الان) بحزم..

-" بالطبع لا". أجابه العجوز قبل أن يضيف "لكن إن حدث فلا تقلق فهي لن تطلب الطلاق أبداً، بالتأكيد لن تفعل وبالطبع هي لن تعطيك سبب، أدنى سبب للشعور بعدم الارتياح"

- "وكم يبلغ ثمن هذا العقار العجيب؟" تساءل (الان).

غمغم العجوز:

-" إنه ليس ثميناً كمنظف القفازات أو منظف الأرواح كما أسميه في بعض الأحيان فذلك ثمنه خمسة آلاف دولار لا تنقص سنتاً واحداً، على المرء أن يكون أكبر سناً منك لينغمس في هذه المسائل، على المرء أن يدخر المال ليحصل عليه.. "

- "لكن عقار الحب" قاطعه (الان).

- "أوه..هذا". قالها الرجل وهو يفتح درجا ًفي طاولة المطبخ التي أمامه ويتناول منه قنينة صغيرة متسخة

- "إنه لا يساوي أكثر من دولار واحد". شرع الرجل في ملء القنينة من القارورة و(الان) يراقبه ويتمتم:

- "لا أستطيع أن أعبر لك عن مدى امتناني"

أجابه الرجل:

- "أنا أحب مجاملة الزبائن، لأن الزبون سيعود في فترة لاحقة من حياته، وتكون أموره المادية قد تحسنت، عندها سيطلب أشياء أغلى ثمناً. تفضل العقار، ستجده فعالاً جداً"

- "أشكرك مجددا، إلى اللقاء" ودعه( الان)

-" إلى اللقاء". رد الرجل العجوز.

السبت، 28 فبراير 2009

(حارس القانون)..قصة قصيرة لفرانز كافكا








أمام القانون كانت هناك بوابة يقف عليها حارس ضخم. قدم رجل من الريف وتوسل الحارس أن يسمح له بالدخول لمقابلة (القانون)، لكن الحارس أخبره أنه من غير المسموح الدخول على القانون الآن. اعتقد الرجل أن الأمر منته، لكنه عاد وسأل الحارس إن كان سيسمح له بالدخول فيما بعد؟

- (محتمل) أجابه الحارس (لكن ليس الآن).

كان الحارس يقف على طرف البوابة المفتوحة، تجرأ القروي ليمد رأسه عبر فراغ البوابة متطلعاً إلى الداخل.ضحك الحارس مما فعله الرجل وقال:

- (إذا كنت متحمساً للدخول فجرب أن تفعل ذلك بدون إذني، لكن عليك أن تعلم أنه برغم قوتي فأنا أضعف حراس (القانون)، فمن ردهة إلى ردهة ستجد حارساً خلف آخر، وكل واحد أقوى من الذي يسبقه. بل إن حارس الردهة الثالثة مرعب لدرجة أنني لا أجرؤ على مجرد النظر إليه).

لم يكن الرجل الريفي يتوقع كل هذه الصعوبات عندما قرر أن يأتي، فقد اعتقد أن القانون متاح للجميع في أي وقت. لكن منظر الحارس الضخم في معطف الفرو السميك وأنفه الحاد الطويل ولحيته النحيلة المدببة جعلته يعتقد أنه من الأفضل له أن ينتظر حتى يؤذن له بالدخول.أعطاه الحارس مقعداً وسمح له بالجلوس إلى جانب البوابة، جلس القروي لأيام وسنوات، قدم خلالها الكثير من التوسلات للحارس كي يسمح له بالدخول حتى أصابه بالإزعاج من كثرة طلباته. كان الحارس يجري معه حواراً قصيراً في كل مرة، يسأله عن قريته وأسئلة أخرى مشابهة دون أن يحدث ذلك أي نتيجة، فدائماً ما يأتيه الجواب بأنه لم يحن بعد الوقت للسماح له بالعبور.قام الرجل بالتضحية بكل زاده الذي أتى به من القرية محاولاً رشوة الحارس، كان الحارس يتقبل كل شيء مهما كانت قيمته، لكنه يعلق في كل مرة يتلقى رشوة جديدة:

- (أنا أقبلها فقط كي لا تشعر بالذنب لأنك لم تجرب كل السبل)

خلال السنوات الممتدة استحوذ الحارس على عقل الرجل القروي. نسي الحراس الآخرين خلف الأبواب الأخرى. أصبح هذا الحارس عائقه الوحيد عن مقابلة القانون. أخذ يلعن حظه السيئ، بجرأة وصوت عال في السنوات الأولى ثم بهمهمة خافتة بينه وبين نفسه في السنوات الأخيرة.أصبحت ممارساته طفولية مع الوقت، من كثرة تأمله في الحارس أصبح يعرف عدد البراغيث في معطف الفرو الذي يرتديه، بل إنه توسل إلى البراغيث أن تتوسط لدى الحارس كي يسمح له بالدخول لكن دون جدوى.أخذت عيناه تذبلان، ولم يعرف هل العالم أصبح أكثر ظلمة، أم أن عينيه تخدعانه. حتى عندما أطفئت عيناه تماماً كان يشعر بالوهج القادم عبر بوابة القانون، كان وهجاً لا يكمن أن يخبو بالنسبة له.والآن وهو يشعر أنه لم يبق له إلا لحظات قبل أن يموت، كانت هناك فكرة تدور في ذهنه على مدى سنوات و لم يجرؤ خلالها أن يصارح الحارس بها من قبل. أشار للحارس أن يقترب (حيث لم يعد جسمه المتصلب يسمح له بالحركة)، انحنى الحارس نحو الأسفل ليقترب منه:

- (ماذا تريد أيها الرجل الكثير الطلبات؟) سأله الحارس

طرح الرجل سؤاله

- (كل الناس تناضل لكي تصل إلى (القانون)، فكيف يتفق أنه خلال كل هذه السنوات الطويلة، لم يتقدم أحد سواي ليتوسل الدخول؟)

تيقن الحارس أن الرجل يحتضر، وليجعل حواسه الواهنة تلتقط الكلمات زأر في أذنه بصوت عالٍ

- لا أحد يستطيع الدخول من هذه البوابة، هذه البوابة صنعت لأجلك فقط، وسوف أغلقها الآن.

الاثنين، 23 فبراير 2009

فراس عالم في (المشبك الخشبي) سرداً: (الراوي) يوجز في سرده ويقتضب في بوحه



في العمل الأول القاص فراس عالم (المشبك الخشبي) إضاءة واضحة لعوالم الحكاية العتيقة.. تلك التي تتسم دائماً بعفوية السرد، وتزاحم الأحداث البريئة، وحضور الصور المعبّرة، فمن خلال هذه الإضاءة الوجدانية تنطق طروحات الكاتب فراس، ليؤسس لأبطاله حكاية ما ويؤسس لشخوص عمله بعداً تأثيراً مناسباً، تتضافر فيه دلالات السرد المفضي إلى حقيقة المتعة، ومكاسب الفائدة من وراء قراءة هذه النصوص التي شرع فيها الكاتب.يحشد الراوي في قصة (شارب كث) أدواته الحكائية لينمو الحدث متوازياً بين يافع يتابع الفيلم، ورجل صارم يأمره بإنهاء المشاهدة.. فالأبطال الثلاثة الآن في امتحان عسير، حيث تتصاعد حدة التحدي بين الشاب والرجل، كلما حاول الأول الوقوف بثبات أمام رغبة صارمة في إنهاء هذا التمازج، أو التفاعل بين مُشاهِد الفيلم (الشاب) وبين الممثل البطل حتى يصبح هذا التوازي في عرض الصورتين حالة مليئة بحدس مستفهم يستقصي احتمالات مآل حكاية المشَاهِد الذي يصر على ألا يغلق جهاز التلفزيون حتى يرى (شارة النهاية) في محاولة جريئة على إثبات رجولته الواعدة أمام تحديات المناوئين.في قصة (أنا وصديقي) رصد سريع لعلاقات إنسانية تجمع بين شاب، وصديقه في متاهة (الحياة الدراسية) تلك التي لا تطول عادة، فهو تلاقى لأعوامٍ فقط، ومن ثم كل يذهب إلى سبيله، لكن الكاتب (فراس) هنا يحاول تثبيت هذا المشهد على جدار الذاكرة، ليذكرنا الراوي على نحو ما بأن الحياة مجرد ومضة، أو نزوة أو حديث عابر لا يلبث إلا ويصبح من مكونات الماضي، لكن المشهد في هذه القصة عالي الحساسية، حيث استثمر القاص تجاذبات العلاقة بين الطالب وزميله لتخرج لنا هذه القصة على هيئة مشهد عابر مليء بالمفارقات العاصفة.في قصص مجموعة (المشبك الخشبي) نزعة نحو الحكاية الطريفة، والحكمة التي قد تجد لها من يقتنيها كجوهرة ثمينة على نحو ما ورد في القصة التي حملت اسم هذه المجموعة.فقد قَسَّم فراس عالم قصة (المشبك الخشبي) على هيئة مذاهب وامضة تجمع شتات الحياة العائلية.. تلك التي قد تلتقي على أنقاض تناقضات جمة، فليس بين الشخوص الذين رمز لهم بحروف تجتمع بعبارة (سهده) حيث تلتقي الأسرة على أمر هذا النبش لماضي لما رمز إليه ب(صاد) حينما صوره على نحو موارب بأنه رجل بات يعاني، لأن الأحلام باتت تحاصره، وتفتق ما قد يخبئه في لحظات اليقظة، لكن لحظة التنوير في القصة تكشف قدراً كبيراً من حقيقة لا يمكن لأي حذر أن يداريها على هذا النحو الذي بات يقلقه في صحوه ونومه معاً.يمتلك القاص ميزة السرد المقتضب، والوامض... حيث لا يطيل الراوي في ديباجة حديثه حينما يصف الأحداث ويرتب أدوار الشخوص على نحو متوازٍ، ففراس عالم يُدرك أن الاقتضاب والإيجاز من الأمور المطلوبة في بناء العمل السردي على وجه الخصوص.. ولا سيما حينما يحاول أن يدخل (حكاية مترامية) في (حَيِّز قصصي قصير) في مشروع هذا التحول من الحكاية العادية إلى فن القصة تتولد لغة جديدة، ويتجسد مشهد مدهش يحقق جدلية المتعة والفائدة.. تلك الثنائية التي تنشأ بعد الفراغ من قراءة مثل هذه النصوص التي يكتبها قاص اليوم على نحو ما صاغته تجربة فراس عالم في هذه المجموعة التي سعى فيها جاهداً إلى أن يجعل لغة السرد ومضة إبداعية تضيء الوجدان بهواجس جماليات مميزة.***
إشارة:المشبك الخشبي (قصص)فراس عالم
المؤسسة العربية - بيروت- 2008م
لوحة الغلاف: سلوى زيدان
تقع المجموعة في نحو (124 صفحة) من القطع المتوسط