السبت، 28 فبراير 2009

(حارس القانون)..قصة قصيرة لفرانز كافكا








أمام القانون كانت هناك بوابة يقف عليها حارس ضخم. قدم رجل من الريف وتوسل الحارس أن يسمح له بالدخول لمقابلة (القانون)، لكن الحارس أخبره أنه من غير المسموح الدخول على القانون الآن. اعتقد الرجل أن الأمر منته، لكنه عاد وسأل الحارس إن كان سيسمح له بالدخول فيما بعد؟

- (محتمل) أجابه الحارس (لكن ليس الآن).

كان الحارس يقف على طرف البوابة المفتوحة، تجرأ القروي ليمد رأسه عبر فراغ البوابة متطلعاً إلى الداخل.ضحك الحارس مما فعله الرجل وقال:

- (إذا كنت متحمساً للدخول فجرب أن تفعل ذلك بدون إذني، لكن عليك أن تعلم أنه برغم قوتي فأنا أضعف حراس (القانون)، فمن ردهة إلى ردهة ستجد حارساً خلف آخر، وكل واحد أقوى من الذي يسبقه. بل إن حارس الردهة الثالثة مرعب لدرجة أنني لا أجرؤ على مجرد النظر إليه).

لم يكن الرجل الريفي يتوقع كل هذه الصعوبات عندما قرر أن يأتي، فقد اعتقد أن القانون متاح للجميع في أي وقت. لكن منظر الحارس الضخم في معطف الفرو السميك وأنفه الحاد الطويل ولحيته النحيلة المدببة جعلته يعتقد أنه من الأفضل له أن ينتظر حتى يؤذن له بالدخول.أعطاه الحارس مقعداً وسمح له بالجلوس إلى جانب البوابة، جلس القروي لأيام وسنوات، قدم خلالها الكثير من التوسلات للحارس كي يسمح له بالدخول حتى أصابه بالإزعاج من كثرة طلباته. كان الحارس يجري معه حواراً قصيراً في كل مرة، يسأله عن قريته وأسئلة أخرى مشابهة دون أن يحدث ذلك أي نتيجة، فدائماً ما يأتيه الجواب بأنه لم يحن بعد الوقت للسماح له بالعبور.قام الرجل بالتضحية بكل زاده الذي أتى به من القرية محاولاً رشوة الحارس، كان الحارس يتقبل كل شيء مهما كانت قيمته، لكنه يعلق في كل مرة يتلقى رشوة جديدة:

- (أنا أقبلها فقط كي لا تشعر بالذنب لأنك لم تجرب كل السبل)

خلال السنوات الممتدة استحوذ الحارس على عقل الرجل القروي. نسي الحراس الآخرين خلف الأبواب الأخرى. أصبح هذا الحارس عائقه الوحيد عن مقابلة القانون. أخذ يلعن حظه السيئ، بجرأة وصوت عال في السنوات الأولى ثم بهمهمة خافتة بينه وبين نفسه في السنوات الأخيرة.أصبحت ممارساته طفولية مع الوقت، من كثرة تأمله في الحارس أصبح يعرف عدد البراغيث في معطف الفرو الذي يرتديه، بل إنه توسل إلى البراغيث أن تتوسط لدى الحارس كي يسمح له بالدخول لكن دون جدوى.أخذت عيناه تذبلان، ولم يعرف هل العالم أصبح أكثر ظلمة، أم أن عينيه تخدعانه. حتى عندما أطفئت عيناه تماماً كان يشعر بالوهج القادم عبر بوابة القانون، كان وهجاً لا يكمن أن يخبو بالنسبة له.والآن وهو يشعر أنه لم يبق له إلا لحظات قبل أن يموت، كانت هناك فكرة تدور في ذهنه على مدى سنوات و لم يجرؤ خلالها أن يصارح الحارس بها من قبل. أشار للحارس أن يقترب (حيث لم يعد جسمه المتصلب يسمح له بالحركة)، انحنى الحارس نحو الأسفل ليقترب منه:

- (ماذا تريد أيها الرجل الكثير الطلبات؟) سأله الحارس

طرح الرجل سؤاله

- (كل الناس تناضل لكي تصل إلى (القانون)، فكيف يتفق أنه خلال كل هذه السنوات الطويلة، لم يتقدم أحد سواي ليتوسل الدخول؟)

تيقن الحارس أن الرجل يحتضر، وليجعل حواسه الواهنة تلتقط الكلمات زأر في أذنه بصوت عالٍ

- لا أحد يستطيع الدخول من هذه البوابة، هذه البوابة صنعت لأجلك فقط، وسوف أغلقها الآن.

الاثنين، 23 فبراير 2009

فراس عالم في (المشبك الخشبي) سرداً: (الراوي) يوجز في سرده ويقتضب في بوحه



في العمل الأول القاص فراس عالم (المشبك الخشبي) إضاءة واضحة لعوالم الحكاية العتيقة.. تلك التي تتسم دائماً بعفوية السرد، وتزاحم الأحداث البريئة، وحضور الصور المعبّرة، فمن خلال هذه الإضاءة الوجدانية تنطق طروحات الكاتب فراس، ليؤسس لأبطاله حكاية ما ويؤسس لشخوص عمله بعداً تأثيراً مناسباً، تتضافر فيه دلالات السرد المفضي إلى حقيقة المتعة، ومكاسب الفائدة من وراء قراءة هذه النصوص التي شرع فيها الكاتب.يحشد الراوي في قصة (شارب كث) أدواته الحكائية لينمو الحدث متوازياً بين يافع يتابع الفيلم، ورجل صارم يأمره بإنهاء المشاهدة.. فالأبطال الثلاثة الآن في امتحان عسير، حيث تتصاعد حدة التحدي بين الشاب والرجل، كلما حاول الأول الوقوف بثبات أمام رغبة صارمة في إنهاء هذا التمازج، أو التفاعل بين مُشاهِد الفيلم (الشاب) وبين الممثل البطل حتى يصبح هذا التوازي في عرض الصورتين حالة مليئة بحدس مستفهم يستقصي احتمالات مآل حكاية المشَاهِد الذي يصر على ألا يغلق جهاز التلفزيون حتى يرى (شارة النهاية) في محاولة جريئة على إثبات رجولته الواعدة أمام تحديات المناوئين.في قصة (أنا وصديقي) رصد سريع لعلاقات إنسانية تجمع بين شاب، وصديقه في متاهة (الحياة الدراسية) تلك التي لا تطول عادة، فهو تلاقى لأعوامٍ فقط، ومن ثم كل يذهب إلى سبيله، لكن الكاتب (فراس) هنا يحاول تثبيت هذا المشهد على جدار الذاكرة، ليذكرنا الراوي على نحو ما بأن الحياة مجرد ومضة، أو نزوة أو حديث عابر لا يلبث إلا ويصبح من مكونات الماضي، لكن المشهد في هذه القصة عالي الحساسية، حيث استثمر القاص تجاذبات العلاقة بين الطالب وزميله لتخرج لنا هذه القصة على هيئة مشهد عابر مليء بالمفارقات العاصفة.في قصص مجموعة (المشبك الخشبي) نزعة نحو الحكاية الطريفة، والحكمة التي قد تجد لها من يقتنيها كجوهرة ثمينة على نحو ما ورد في القصة التي حملت اسم هذه المجموعة.فقد قَسَّم فراس عالم قصة (المشبك الخشبي) على هيئة مذاهب وامضة تجمع شتات الحياة العائلية.. تلك التي قد تلتقي على أنقاض تناقضات جمة، فليس بين الشخوص الذين رمز لهم بحروف تجتمع بعبارة (سهده) حيث تلتقي الأسرة على أمر هذا النبش لماضي لما رمز إليه ب(صاد) حينما صوره على نحو موارب بأنه رجل بات يعاني، لأن الأحلام باتت تحاصره، وتفتق ما قد يخبئه في لحظات اليقظة، لكن لحظة التنوير في القصة تكشف قدراً كبيراً من حقيقة لا يمكن لأي حذر أن يداريها على هذا النحو الذي بات يقلقه في صحوه ونومه معاً.يمتلك القاص ميزة السرد المقتضب، والوامض... حيث لا يطيل الراوي في ديباجة حديثه حينما يصف الأحداث ويرتب أدوار الشخوص على نحو متوازٍ، ففراس عالم يُدرك أن الاقتضاب والإيجاز من الأمور المطلوبة في بناء العمل السردي على وجه الخصوص.. ولا سيما حينما يحاول أن يدخل (حكاية مترامية) في (حَيِّز قصصي قصير) في مشروع هذا التحول من الحكاية العادية إلى فن القصة تتولد لغة جديدة، ويتجسد مشهد مدهش يحقق جدلية المتعة والفائدة.. تلك الثنائية التي تنشأ بعد الفراغ من قراءة مثل هذه النصوص التي يكتبها قاص اليوم على نحو ما صاغته تجربة فراس عالم في هذه المجموعة التي سعى فيها جاهداً إلى أن يجعل لغة السرد ومضة إبداعية تضيء الوجدان بهواجس جماليات مميزة.***
إشارة:المشبك الخشبي (قصص)فراس عالم
المؤسسة العربية - بيروت- 2008م
لوحة الغلاف: سلوى زيدان
تقع المجموعة في نحو (124 صفحة) من القطع المتوسط