السبت، 30 أكتوبر 2010

سندريلا، قبلة و دفتر



١- سندريلا


ضربت له موعداً للقاء في حفلة رأس السنة، بعد أن أبدت إعجابها بذوقه و لطفه و حنانه. حضر مبكراً يترقب طلتها الخجوله و ملامحها الرقيقة و لهفتها .ولكن انتظاره طال دون جدوى و عندما خرج في منتصف الليل يائساَ. لمحها تغادرمع احدهم في سيارة BMW فارهة. تذكر حينها أنه حتى سندريلا لم تكن تواعد إلا الأمير...الأمير و لا أحد سواه!




٢- دفتر



عادت باكية، ارتمت في صدره ترجوه أن يفتح معها صفحة جديدة. ربت على ظهرها، شرد ببصره نحو الأفق و لم يجرؤ على إخبارها أن دفتر القلب بلغ ورقته الأخيرة!



٣- قُبلة


قبلتني، مسحت على شعري و قالت: انتظرني، سوف أعود.....
مضت ثلاثون عاماً...و لازلت بانتظارها!


الأحد، 3 أكتوبر 2010

أحزان الحذاء الأحمر


كان حذاء بالياً ملقىً بإهمال أمام عتبة دارها، حذاء أحمر بكعب عالٍ و عقدة على شكل فراشة. يذكر أنه امتدح هذا الحذاء ذات يوم عدما كانت ترتديه مع رداء ابيض ذي نقط حمراء صغيره تزين الكتفين و الصدر، بدا الحذاء وقتها متناغماً جداً مع الرداء و الورده التي استقرت في شعرها و الابتسامه المرحة في ثغرها و الجو الربيعي في الحديقة التي كانا يتنزهان فيها سوياً كلما شعرا بلهفة اللقاء. كان الحذاء يبدو مرحاً و سعيداً هو الآخر، كان جلده الأحمر مشدوداً تكسوه لمعة خفيفة واثقة من أمرها، و الفراشة الصغيرة على مقدمته تكاد تفرد جناحيها الافتراضيين لتحلق عالياً مع كل قفزة مشاغبة من قدمها، لم يكن الحذاء السعيد يعلم أي مصير ينتظره. ولم يتخيل ما سيصبح عليه الآن...

الآن و قد لوحته الشمس بشدة، و تحول الجلد اللامع المشدود إلي خريطة باهتة مليئة بالشقوق و التعرجات كبشرة عجوز. و اللون الأحمر الواثق انسحب متوارياً الى الزوايا و الأطراف الصغيرة الملاصقة للقاعدة، و ترك خلفه لونا ورديا مترددا أنهكته سياط الشمس الحارقة فعجز عن ملء الفراغ الذي تركه الأحمر له، في حين تدلت أطراف العقدة -التي كانت فراشة- بعد أن انفكت على واجهة الحذاء فبدت زائدة و بالغة القبح خصوصاً و قد انقلب جلدها على ظهره فبانت بطانته سوداء خشنة و محملة بالغبار.

تأمل الحذاء ملياً، قلبه بين قدميه ثم شعر بنوع من الشفقه نحوه، انحنى و رفعه بين يديه، تمعن عن قرب في التشققات و التعرجات التي كست بشرته الجافة، كانت قاعدة الحذاء توشك أن تنفصل هي الأخرى بعد أن ذوبت الشمس صمغها و نثرته على حواف الحذاء. مرر أنامله على مقدمة الحذاء مسح شيئاً من الغبار العالق عليها. لامست أصابعه الطرف المتدلي لعقدة الفراشة فانفصلت في يده عن مقدمة الحذاء.

(لقد عاملتك بقسوة) همس للحذاء..

حمله تحت ذراعه و استدار عائداً متجاهلاً جرس الباب الذي أتى لقرعه محملاً بعبارات استفهام كبيره عن سر تجاهلها لاتصالاته المتكررة بها!

الخميس، 12 أغسطس 2010

لقاء تلفزوني في برنامج المملكة هذا المساء

ناقش برنامج المملكة هذا المساء موضوع السياحة الداخلية و ارتفاع أسعارها مقارنة بمستوى الدخل للمواطن و دور الجمعية السعودية لحماية المستهلك في الرقابة و السيطرة على الأسعار، الطريف في الأمر أن أعضاء الجمعية امتنعوا عن الحضور أو المشاركة في الحلقة و بقيت أنا المتحدث الوحيد...أرجوا أن لا تصابوا بالملل!
تم بث الحلقة على القناة السعودية الأولى بتاريخ 25/7/2010


الجزء الأول





الجزء الثاني





الجزء الثالث

الأحد، 16 مايو 2010

درب الموتى..قصة قصيرة من الأدب الأفريقي




درب الموتى

Dead Men's Path

قصة قصيرة

بقلم: شينوا اشيبي* (1930- )

CHINUA ACHEBE

ترجمة: د. فراس عالم


لم يكن (مايكل اوبي) يتوقع أن تتحقق أمنياته بهذه السرعة ، فقد تم تعينه مديراً لمدرسة ( ندوم )المركزية في يناير 1949. كانت المدرسة من المدارس المتأخرة في المنطقة و قد قرر المسؤلون إسناد إدارتها إلى مدرس شاب و نشيط لإصلاح شأنها. قبل (اوبي) المهمة بحماسة و وجدها فرصة مناسبة لتطبيق أفكاره الخلاقة على أرض الواقع.

حصل (اوبي) على تعليم ثانوي متميز نال بفضله لقب "مدرس أول" في التقارير المهنية مما جعله متفوقا على زملائه من مدراء المدارس الآخرين. كما كان صريحا في انتقاده لضيق الأفق الذي يلازم زملائه الأكبر سناً و الأقل تعليماً.

-"سنقوم بعمل رائع في تلك المدرسة" كانت تلك هي العبارة التي قالها لزوجته الشابة عند سماعه خبر ترقيته المبهج

-"سنقدم أفضل ما عندنا" أجابته زوجته ، ثم تابعت " سيكون لمنزلنا هناك حديقة جميلة و سأجعل كل شيء فيه حديثاً و عصرياً"

خلال فترة زواجهما البالغة عامين تمكن مايكل أن ينقل لها عدوى حماسته للحداثة و نفوره من "المدرسين القدامى و التقليدين الذين يراهم أقرب إلى الباعة في سوق شعبي منهم إلى التدريس".

أخذت تتخيل نفسها وهي محط الإعجاب كزوجة للمدير الشاب و ملكة للمدرسة، وبالطبع ستحسدها زوجات المدرسين على مكانتها، ستعتني بكافة التفاصيل في المدرسة ...و فجأة خطرت ببالها فكرة ألا يكون هناك زوجات أخريات معها، متأرجحة بين الخوف والرجاء سألت زوجها عن وضع زملائه المدرسين و هي تترقب إجابته بقلق.

-"كل زملائنا هناك من الشباب و غير متزوجين" أجابها بحماسة لم تشعر في هذه المرة أنها تشاركه فيها، لكنه تابع

_" وهذا أمر جيد!"

-" لماذا؟"

-" لماذا؟ لأنهم سيكرسون كامل وقتهم و جهدهم للمدرسة"

شعرت (نانسي) بالاكتئاب، ولدقائق قليلة أصبحت تشكك في جدوى الانتقال للمدرسة الجديدة، لكن امتعاضها سرعان ما تلاشى أمام سعادة زوجها وآماله الكبيرة. أخذت تتأمله وهو جالس بوضع منحني على المقعد، كان أحدب الكتفين ويبدو لمن يراه هشاً و سهل الكسر لكنه في بعض الأحيان يفاجئ الآخرين بموجة من الطاقة البدنية الهائلة. بدا لها في مجلسه في تلك اللحظة أن مصدر كل تلك الطاقة يكمن في نظرة عينيه الغائرتين والتي تمنحه قدرة عاتية على الاختراق. كان في السادسة و العشرين من العمر لكن يبدو و كأنه في الثلاثين أو أكبر و في العموم لم يكن يخلو من وسامة ظاهرة.

-" بنس مقابل ما تفكر فيه يا مايك" قالتها (نانسي) بعد برهة صمت مقلدة المجلات النسائية التي تقرأها

-" كنت أفكر في الفرصة العظيمة التي حصلنا عليها لنري الناس كيف تدار المدرسة كما ينبغي"

كانت مدرسة (ندوم) متخلفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى و قد كرس لها الأستاذ (اوبي) و زوجته كامل وقتهما وقد جعل نصب عينية هدفين رئيسيين ، تقديم مستوى عال من التعليم و تحويل مبنى المدرسة إلى مكان يشع بالجمال، وقد تحقق حلم زوجته بالحديقة المزهرة عندما هطلت الأمطار و تفتحت الورد الحمراء و الصفراء على شجيرات (الهيبيكوس) و (الالماندا) المكونة لسياج الحديقة المحيط بفناء المدرسة من الخارج في منظر بديع.

ذات يوم و بينما كان أوبي يتأمل نتاج عمله بإعجاب رأى منظراً أشعره بالخزي، فقد رأى امرأه قروية عجوز تعرج عابرة فناء المدرسة و قد داست حوض أزهار (الماري جولد) و سياج الشجيرات القصير. و بتفحصه للمكان أبصر أثراً باهتاً لطريق مهجور يمر عبر فناء المدرسة رابطاً بين القرية و بين الدغل في الجهة الأخرى.

-" أنا مندهش" قالها اوبي لأحد المدرسين -و الذي قضى ثلاث سنوات في المدرسة- ثم هز رأسه منفعلا و تابع

-" كيف تسمحون للقروين باستخدام طريق يمر عبر المدرسة؟ هذا ببساطة لا يعقل"

أجابه المدرس معتذراً

-" ذلك الطريق مقدس جداً عند القروين، فهو يربط بين المقام المقدس في القرية و بين المدافن، كما أنه نادراً ما يستخدم"

-" و ما علاقة المدرسة بكل هذا؟" تساءل المدير

هز المدرس كتفه قبل أن يجيب

-" لا أدري، لكنني أتذكر أن شجاراً كبيراً حصل منذ زمن عندما حاولنا إغلاق الطريق"

-" كان هذا في ما مضى. لكنه لن يستخدم بعد اليوم" قال له المدير و هو يبتعد بخطوات حازمة و يضيف

" ما الذي سيقوله عنا مدير التعليم عندما يأتي في جولته التفتيشية الأسبوع القادم؟ ربما سيجد القروين و قد احتلوا غرفة في المدرسة لممارسة طقوسهم الوثنية فيها وقت زيارته".

تم غرس قضبان ثقيلة على مسافات متقاربة لتسد الطريق من مدخله و مخرجه في طرفي فناء المدرسة، كما تمت تقويتها بأسلاك شائكة لفت من حولها.

بعد ثلاثة أيام قدم كاهن القرية للمدرسة طالباً مقابلة المدير، كان رجلا متقدما في السن محدودب الظهر يستعين بعصا غليظة لمساعدته في المشي و كان يطرق بها الأرض بقوة عندما يشدد على نقاط مهمة في حديثه. و بعد تبادل الأحاديث الودية شرع الكاهن في الكلام

-" لقد نما إلى علمي أن درب الأسلاف قد تم إغلاقه"

-" أجل" أجابه السيد (أوبي)، ثم تابع" لا نستطيع أن ان نجعل الناس تتخذ من فناء المدرسة طريقاً عاماً"

طرق الكاهن العجوز على الارض بعصاه ثم قال

-" أنظر يا بني، هذا الطريق موجود قبل أن تولد أنت، و قبل أن يولد أبوك، حياة القرية بالكامل تعتمد على هذا الطريق. أقاربنا الموتى يغادرون عبره، و أسلافنا يزروننا عبره، لكن الأهم من ذلك إنه الطريق الذي يأتي من خلاله الأطفال الذين سيولدون"

استمع السيد أوبي لحديث الرجل و على وجهه ابتسامة رضى ثم أجابه

-" الهدف الاساسي لوجود مدرستنا هو اقتلاع هذه المعتقدات من العقول، الموتى لا يحتاجون ممشى على الأرض، الفكرة بكاملها خرافة. مهمتنا هنا هي تعليم الأطفال أن يسخروا من مثل هذه الأفكار"

-" قد يكون ما تقوله صحيحاً" أجابه الكاهن العجوز ثم أضاف " لكننا نتبع ما كان يفعله أباؤنا، و إذا فتحت الطريق لن يكون لدينا ما نتشاجر بشأنه. ما أردده دائماً: دع الصقر يحط رحالة و دع النسر يفعل ذلك أيضاً". و هم الرجل بالنهوض

رد عليه المدير الشاب

-" أنا آسف. لا يمكن أن نجعل فناء المدرسة طريقاً عاماً. إن ذلك مخالف للأنظمة، ما رايك في أن تقيموا طريقاً آخر يلتف حول المبنى، و سوف نجعل الأولاد يساعدونكم في إنشائه، لا أعتقد أن الأسلاف سيجدون الانعطاف البسيط أمراً مرهقاً لهم"

-" لا يوجد لدي شيء لأضيفه" قال الرجل العجوز و هو يغادر المكان.

بعد ذلك الحديث بيومين توفيت امراة قروية خلال ولادة متعسرة، تمت استشارة عراف القرية فأمر بتقديم تضحيات عظيمة لاسترضاء الأسلاف الذين تمت إهانتهم بالسياج الذي سد الدرب المقدس.

استيقظ الأستاذ (أوبي) في صباح اليوم التالي على الخراب الذي حل بمدرسته، حيث تم تدمير الأسيجة النباتية الجميلة ليس فقط من ناحية الدرب المسدود بل من جميع الجهات المحيطة بالفناء، كما تم دهس الأزهار الجميلة بلا شفقة، بل إن أحد مباني المدرسة تم هدمه...

صادف ذلك اليوم يوم زيارة مشرف التعليم ذي الأصول البيضاء للتفتيش على المدرسة، والذي كتب تقريراً سيئاً عن حالة المبنى لكن الاسوأ كان ما كتبه عن " حالة الحرب و العداء بين المدرسة و القرية و التي سببها الحماسة الغير رشيدة لمدير المدرسة الجديد"

* شينوا أشيبي: كاتب نيجيري يكتب بالانجليزية.

السبت، 8 مايو 2010

سينما ... قصة قصيرة


كان فيلماً رديئاً سيء الإخراج و التصوير، كل من دخلوا الفيلم عرفو ذلك مبكراً. أخذت المقاعد القليلة تفرغ بالتدريج حتى أصبح وحيداً في الصالة الخالية بعد ربع ساعة من بداية الفيلم، لكنة كان مصرا على المتابعة معتقداً أن شيئاً مهماً سيحدث قبل نهاية الفيلم. لا يمكن أن يكون الفيلم تافهاً و بطلته نجمته المفضلة التي يعشقها، لا يمكن لهاتين العينين الساحرتين المشعتين براءة و دهشة دائمتين من كل ما يحدث في العالم إلا أن تحملاه على النشوة، أن تحملاه إلى المجهول، إلى كنوز قادمة لا محالة من بعيد، إلى ينابيع الحلم الصافي الأولى حيث يغرف المبدعون بلا وجل. إنها تنتمي إلى هناك. تلك الرهافة و الرقة لابد أن تملك رسالة لماحة و ذكية تريد تمريرها إلى العالم عبر فنها....و لكن مشاهدالفيلم اتهت سريعاً دون أن يلحظ جوانب الإبداع التي انتظرها. فرك يديه المعروقتين بتوتر تلفت في المقاعد الخالية بعد إضاءه الأنوار حشر كفيه في جيبه و هو يهم بالقيام. لم يعره عامل الصاله أي التفات و هو يعبر من جواره و كأنه طيف غير محسوس. آلم أذنية الصخب في الخارج و شعر بقليل من الدوار و هو ينضم إلى نهر العابرين في ممرات الصالة..مشى خطوات قليله إلى الأمام فاقداً الهدف شاعراً بهزيمة لا يدري لها سبباً. لمح شابين صغيرين يمسكان بيد بعضهما و يغادران المبنى نحو موقف السيارات و بائعة صغيرة تركض وراءهما تحاول أن تبيعهما عقدا ذابلا من الفل الذي تحمله لكنهما يسرعان المشي و يتجاهلان نداءاتها عادت الصبية منكسرة تنتظر بجوار الباب الزجاجي التقت عيناها بعينيه لثوان قليلة ثم أشاحت عنه كأنها خمنت أنه لا يصلح أن يكون من زبائنها. اندهش من فعل الصبيه، ترى لماذا تجاهلته؟ مالذي رأته أو لم تره فيه حتى توجه له هذه الإهانة غير المباشرة؟ أخرج إحدى يديه من جيبه و تعمد رفع بعض النقود في كفه كي تراها..لكنها لم تلتفت قدر أنه حتى لو ذهب ليشتري منها عقد الفل الذابل فربما تأبى أن تبيعه. تلقى دفعة في كتفه من موجه جديدة من المتفرجين الذين فرغوا للتو من مشاهدة فيلم كوميدي جديد . تكاثف المزيد من العرق على جبهته و أحرجه عدم حمله للمناديل الورقية التفت إلى الخلف ليلمح شباك التذاكر و إعلان ملون كبير للفيلم الكوميدي يعتلي فتحة الشباك و قد بدأ الزحام من جديد للدخول للعرض التالي وجد نفسه منجذباً مرة أخرى نحو الشباك أخرج النقود المعروقة من جيبه، عدها بحرص ثم تقدم نحو بائعة التذاكر.
.........
.........
بدأ بث الحفلة التالية للفيلم
هذه المرة كانت القاعة خالية تماما لكن عامل الصاله بدا ساخطا على المتفرج الوحيد الذي أجبره على البقاء لمراقبته حتى ينتهي الفيلم
كان سخطه يتصاعد مع المشاهد الأولى للفيلم الذي يراه فاشلا و سخيفاً على الرغم من أن المتفرج الوحيد يتابعة بشغف غير مفهوم!!

الخميس، 29 أبريل 2010

إطلالة إذاعية في برنامج همسات قصصية

همسات قصصية برنامج يسلط الضوء على التجارب القصصية في الجزيرة العربية و العالم العربي و يقدم قراءة نقدية و نماذج من الإبداع القصصي للكاتب الضيف. البرنامج يذاع على إذاعة البرنامج الثاني السعودية، و هو من أعداد الكاتبة تركية العمري و تقديم د. تهاني سندي

الجزء الأول




الجزء الثاني





الجزء الثالث

الجمعة، 23 أبريل 2010

ساحر الفطيرة التعيس





بدات شركة بيتزا أمركية عملاقة حملة إعلانية جديدة بطابع محلي، هذه الحملة الفريدة من نوعها لم تتطرق للمنتج الذي تقدمه الشركة لا من حيث الجودة و لا من حيث السعر أو الطعم أو أي شيء آخر. بل عمدت الحملة و بذكاء غير بريء إلى تصوير مقاطع تمثيلية عالية الجودة و الإتقان تتناول حياة الحاج (نادي) صاحب محلات فطيرة السندباد و الذي ابتلاه الله بافتتاح فرع جديد لـ لمحل البتزا الأمركي أمام محلة . و تصور المقاطع مدى الذعر الذي لحق بالحاج(نادي) و موظفيه و الحيرة التي أصابتهم و محاولاتهم المستميته في إيجاد حل للورطة التي وجدوا أنفسهم فيها، و على الرغم من أن كل ما يظهر في المقاطع التمثيلية عن الجار الأمركي هو الواجهه البراقة و النظيفة للمحل و عدد من الدراجات النارية المصفوفة بنظام و أناقة أمام الدخل فقط إلا أنها تعطي تأثيرا طاغياً بالقوة و المهابة و الاحتراف وسط الحي الشعبي العشوائي. و يدور الحوار الذي تنوع بين الحاج نادي و ابنه و اثنين من عماله عن افضل طريقة للتخلص من الكارثة التي حاقت بهم. و لا يخلو الإعلان من طرافة و فكاهة و هو يصور (حوسة) الأبطال محدودي الذكاء و الأقرب إلى البلاهة و التخلف العقلي في محاولاتهم المضحكة و اليائسة للتفوق على العملاق الأمريكي مرة عبر اللجوء إلى فطيرة جديدة يقترحها العامل في تذاكٍ مضحك و هو يقول إن إضافة صفار بيض النعام إليها كفيل بالقضاء على أي منافسة من الجيران الدخلاء. و بالطبع لا تملك إلا أن تضحك حتى تستلقي على ظهرك من فكرته التي تبدو شديدة الغباء و هو يشرحها بحركات يديه و حملقة عينينيه التي اصابهما الحول. و حتى عندما ينتهي المشهد بدخول الحاج نادي إلى المستشفى نتيجة خيبة أمله و الكساد الذي حل به لا يجد ابنه حلاً إلا في أن يقترح علية اللجوء إلى فكره "الفرانشايز" كمخرج من الخسارة المهلكة و بالطبع لا يفهم الأب و العمال محدودو الذكاء معنى الكلمة و تبقى معلقة في الفضاء بعد أن أدت الغرض منها.

القناعة التي تخرج بها من هذا الإعلان أن الإسم الأمركي و الماركة الأمركية في البيتزا هي عملاق هائل متطور و مبدع و لا يمكن منافسته او حتى الإقتراب منه و أن البديل المحلي رديء الصنع و يقوم عليه مجموعة من الأغبياء الذين لا يعرفون معنى الطهي أو التسويق و لا يستحقون سوى الشفقة و لا يمكن بأي حال الثقة فيهم أو اللجوء إليهم. و لو رجعت إلى نفسك بتجرد و حللت الأفكار التي تحملها في عقلك و التي تؤثر على قراراتك في كل مرة تنزل إلى السوق لتشتري أي سلعة مهما كانت فستجد أنك لا تبتعد كثيراً عن مضمون الإعلان فأنت لا شعورياً تتجه إلى (الماركه) و ( الأجنبي) بغض النظر عن كون هذا الأجنبي أفضل بالفعل أو أنك اشتريته لمجرد أنه اسم عملاق سيطر على تفكيرك بالآله الإعلامية الهائله التي تلمعه طوال الوقت.
لقد نجحت تلك الآله الإعلامية للأسف في تحويلنا إلى كائنات استهلاكية مسلوبة الإرادة لا تفكر و لاتقرر بناء على مصلحتها و تنحاز للأفضل سعرا و جودة بقدر الانحياز للاسم الأكثر بريقاً و تأثيراً. بل حتى اختياراتك بين الصناعات الأجنبية نفسها يحكمها ميلك إلى الماركة الأكثر صخباً و دعايةً من الأخرى التي لا تسمع عنها كثيراً حتى لو كانت الأخرى أفضل و أقل سعراً لكنك تفضل الولاء للأخرى دون سبب عقلاني ظاهر.
فعلى سبيل المثال أنت لن تصدق أبداً أن فطيرة السندباد الشعبية قد تكون أفضل بمراحل من البيتزا الأمركية لأن الصورة الذهنية التي طبعت في ذهنك خلقت قناعات يصعب مقاومتها حتى لو عرفت مثلا أن اللحوم و الأجبان التي تستخدم في الصناعات الغذائية الأمركية مفسدة بالهرمونات و النكهات الصناعية و المواد الحافظة و أن شركات الوجبات السريعة تخوض معارك قضائية طاحنة في أوروبا و الولايات المتحدة للهروب من تعويضات تطالب بها هيئات الغذاء و الصحة و حماية المستهلك في تلك الدول لضررها الصحي تماماً كما تفعل شركات التبغ.
و أنت لن تقتنع بسهولة أن الطعم و الرائحة المميزين لتلك البيتزا أو البرجر لا علاقة لها من قريب أو بعيد بجودة المنتج أو طزاجته بل هي نكهات صناعية تم إضافتها باحترافيه لخداعك، و أن كل ما تأكله هو طعام مصنع مر بتعديلات كيميائة عديدة و معالجات بالإشعاع يعلم الله وحدة مدى سلامتها فضلا عن فائدتها الغذائية
أنت لن تصدق بالطبع فمنظر العينين الغبيتين لعامل فطيرة السندباد أكثر ايحاءً بالخطورة من الواجهة البراقة الجميلة لمطعم البيتزا الأمريكي
و للأمانة لا أستطيع أن ألومك...فقط أدعوك أن تفكر في الإقلاع عن الإثنين كي تحافظ على رشاقتك على الأقل

الخميس، 15 أبريل 2010

لقاء تلفزوني قصير عن الأخطاء الطبية

ناقش برنامج صباح السعودية على التلفزون السعودي - القناة الأولى قضية الأخطاء الطبية، بمناسبة انعقاد ندوة التعامل مع الأخطاء الطبية و تمت استضافتي للحديث في البرنامج عبر استديوهات التلفزون من جدة، و المحامي محمد الضبعان عبر الهاتف. اللقاء كان قصيراً جداً ولم يتطرق إلى معظم النقاط التي تم الاتفاق عليها مع فريق الإعداد.

تمت إذاعة اللقاء بتاريخ(3/4/2010)



السبت، 20 فبراير 2010

في يومها العالمي: أي مستقبل ينتظر القصة القصيرة؟

المقال مشاركة في استطلاع موسع أجرته جريدة الجزيرة السعودية بمناسبة يوم القصة العالمي الموافق للرابع عشر من فبراير.



تصدر دارمارينر كتاباً سنوياً في نهاية كل عام باسم «أفضل القصص الأمريكية القصيرة» ويقوم محررها الرئيسي بمتابعة النتاج القصصي الحديث في الولايات المتحدة ثم ينتخب منه قائمة طويلة يقدمها إلى المحرر الضيف الذي عادة ما يكون من كبار الكتاب العالمين والذي ينتخب المجموعة المفضلة لدية ويقوم بكتابة مقدمة الكتاب التي توضح سبب تفضيله لتلك المجموعة. وعلى الرغم من الحفاوة التي يبديها المحررون بالقصص ومؤلفيها وإشادتهم بالتجديد الحاصل في الأسلوب والفكرة واستثارة العاطفة، إلا أن «ستيفن كينج» خرج في مقدمته التي كتبها للعام2007 عن ذلك التقليد وأشار في تلميح ساخر إلى الانحسار الذي تعانيه القصة القصيرة كأدب مقروء، فعلى الرغم من إقراره بأن الكتاب لا يزالون يكتبون أدبا جيداً ومتميزاً إلا أن الإقبال على القصة القصيرة كفن له شعبية بدأ يتضاءل، واستشهد بزيارة قام بها لإحدى المكتبات الكبرى في المدينة وسأل عن المطبوعات الأدبية المتخصصة في فن القصة القصيرة، فأشار له البائع إلى رف سفلي انحشرت فيه المطبوعات بإهمال ووصف كيف انه اضطر إلى الركوع أرضا والزحف قليلاً لبلوغ مراده وأن امرأة حسناء كانت تقف بجواره لتطالع مجلات الزفاف استرابت من حركاته وقررت الابتعاد غاضبة. في الحقيقة ما ذكره «ستيفن كينج» ليس جديداً تماما فكثيراً ما يعاد طرح قضية الإقبال على القصة القصيرة، وهل هي في طريقها للانحسار؟ وهل أثرت عليها طبيعة العصر التقنية والاجتماعية؟ هل تتلاشى القصة القصيرة بشكلها الحالي لتحل محلها «القصة القصيرة جداً» كبديل أكثر رشاقة؟ أم تفسح المجال للرواية الأكثر سلاسة وقبولاً في عصر الانفتاح والميديا؟. ربما تكون القصة أكثر الفنون مراوغة، وأكثرها قدرة على البقاء والتأثير رغم كل ما يثار، القصة التي انتقلت إلينا من زمن حكايات الجدات ثم تلبست كل أنوع الفنون الأخرى، لا تبالي كثيراً بثنائية الانتشار والانحسار بقدر ما تهتم بما تحدثه من نقش في عمق الوجدان، وحدها القصة القصيرة تملك تأثير «الرصاصة» عندما تكون متقنه ومصوبة تجاه القلب، صغيرة وخفيفة لكنها نافذة ومدوية، قد يكتب كاتب عظيم مئات الكتب لكن قصة-رصاصة واحدة قد تبقى وحدها من خلفه تحدث دويها الهائل في وجدان من يقرؤها في دقائق فتلازمه جراحها لسنوات،. قد يخفت وهج القصة قليلا أمام الصخب لكنها وفي ذكرى يومها العالمي تطل بروية وهدوء على منجزها السابق والذي يكاد يشمل التراث الإنساني كله. تحضر احتفاليتها بدون تعالٍ ولا خجل. ثم تمضي واثقة لا تبالي.

الخميس، 11 فبراير 2010

أرثر كونان دويل: لعنة صاحب الغليون!

كان من الممكن أن يذكر التاريخ السير آرثر كونان دويل بصفات كثيرة من شخصيته المتعددة الإنجازات، كان من الممكن أن يوصف كطبيب، أو كسياسي مدافع عن حقوق الشعوب المحتلة، أو ككاتب مبرز في مجال التاريخ والخيال العلمي أو حتى كباحث متعمق في مجال الروحانيات. لكن شيئاً ما فعله السير آرثر جعل التاريخ يتناسى كل ذلك السجل المشرف ولا يذكر منه شيئاً. شيء جلب له الشهرة والمجد، لكنه سرق منه روحه وحياته، كما قال هو فيما بعد. كان ذلك عندما خط السطور الأولى لملامح شخصية المتحري الإنجليزي (شيرلوك هولمز)، الذي تحوَّل إلى أشهر متحر في العالم، وعلى مدار التاريخ، بشكل فاق كل توقعات الطبيب الأسكتلندي الذي بدأ كتابة مغامرته الأولى على سبيل التسلية في عيادته الخالية من المرضى، مستوحياً شخصيته من أحد أساتذته في كلية الطب، ومستحضراً بعض أجواء (إدجار ألان بو) التي أحبها كثيراً. لكن شيرلوك هولمز كان أشبه بالمارد المحبوس في عالم الخيال، الذي انتظر الكاتب الغافل ليمسح الفانوس؛ ليتحرر، وقد كان. ففي غضون أشهر قلائل أحب الناس ذلك المتحري البارد الذي لا يخفي غروره واحتقاره لمحققي اسكوتلاند يارد، والمهووس بتدخين الغليون والكيمياء، الأنيق كقطة منزلية، واللامبالي بالمال والنساء، والبارع - رغم كل شيء - في عمله، القادر على استخلاص الحقيقة الغامضة من دلائل بديهية لم يلاحظها أحد من قبله. لم يكن شيرلوك هولمز مجرد إضافة لقصص المغامرات البوليسية؛ كانت شخصيته ذات عمق أبعد بكثير مما ظنه مؤلفها، كانت عقلاً محضاً متوحشاً على المدنية الحديثة التي بدأت تفرض طابعها على مشارف القرن العشرين، عقلاً يجامل المدنية بزيه الأنيق وغليونه الفخم، لكنه يتمرد على زيفها وادعائها الكاذب باحتقاره لرموزها وفنونها المستحدثة، وكأن كشفه للجرائم الغامضة بقليل من المنطق العلمي الصارم الذي يتبعه يكرر قول عبارته الشهيرة لصديقه واطسن «يا صديقي استبعد الخرافة، استبعد المستحيل، ومهما بدا الباقي غريباً فهو الحقيقة»!





الأحد، 24 يناير 2010

مايكل كرايتون: مربي الديناصورات وصديق ابن فضلان!







كان الديناصور العملاق يحطم أسوار "الحديقة الجوارسية"، و يتوجه نحو المدينة ساحقاً كل شيء تحت خطوات قدميه العملاقتين وحركات ذيله الهائل، في نفس الوقت كان ابن فضلان يعلم الأوروبين الهمجيين فنون الفروسية و صناعة السيوف، في حين يركض الطبيب الوسيم جورج كلوني في غرفة الطوارئ خلف عربة المريض محاولاً وقف النزيف بيديه الملوثتين بالدم. و تعلن حالة الترقب في البلاد نتيجة هروب روبوتات مصنعة بتقنية النانو من مركز الأبحاث في صحراء نيفادا تملك خاصية الذكاء الصناعي و التكاثر و إعادة شحن طاقتها بافتراس البروتينات البشرية. لكن "داستن هوفمان" الخبير النفسي يتوجه إلى قلب المحيط ليسبر أغوار سفينة فضاء غارقة هناك منذ أكثر من ثلاثمائة عام.. أي قبل اختراع محركات الطيران البدائية!و يرفع "شون كونري" حاجبيه في حيرة و هو يحدق في جثة الفتاة القتيلة و التي قد تثير قضيتها أزمة دبلوماسية بين بلاده و بلاد الشمس المشرقة .


هل تشعر بالدهشة؟


تلك كانت لمحة بسيطة من عوالم الكاتب الأمركي مايكل كرايتون و الذي يعد شبه مجهول لدى معظم قراء العربية ككاتب على الرغم من ذيوع صيت أعماله عندما تحولت إلى أفلام و مسلسلات كاسحة الشعبية. فمن منا لم يعرف و لو عرضاً سلسلة أفلام "الحديقة الجوراسية" بأجزائها الثلاثة و التي قدمها المخرج المثير للجدل "ستيفن سبيلبيرج" بتمكن و إعجاب تام . الجزء الأول من أفلام تلك السلسلة بني على رواية لمايكل كرايتون بذات الاسم و اشترت حقوقها شركة يونيفيرسال استوديوز بمبلغ تجاوز المليون و نصف المليون دولار ثم عهدت إلى ذات الكاتب ليصنع سناريو الفيلم مقابل نصف مليون دولار إضافية، و اتضح فيما بعد من الأرباح الخيالية التي جناها الفيلم أن صنّاعة لم يكونوا يضيعون نقودهم عبثاً.رغم أن كرايتون صرح بأن نص السيناريو اعتمد على عشرة في المئة فقط من الرواية الأصلية. حيث كان النص الأصلي مليئاً بالتفاصيل العلمية الدقيقة و التي تشرح طريقة استزراع الحمض النووي للديناصور في بويضة حيوان حي ثم إعادة إنتاج السلالة من جديد و التي لا تلبث أن تتمرد و تتحول إلى كابوس مرعب كما ظهر في الفيلم.


لم يكن مايكل كرايتون المولود في عام 1942 يتوقع و هو يعاني من العزلة على مقاعد الدراسة بسبب طوله الفارع أنه سيتحول في يوم من الأيام إلى علامة فارقة في تاريخ الأدب/ العلم الأمركي، و لا أن كتبه و أفلامه ستكتسح قوائم أفضل المبيعات، و لم يكن يعلم أن دخوله كلية الطب و تفوقه فيها بالإضافة إلى تعلقه بالكتابة و الإطلاع سيقوده إلى ابتكار نوع جديد من الأدب يلغي فيه الحواجز الوهمية بين ما هو علمي و ما هو أدبي. فعلى الرغم من أن كتابات كرايتون لا تحتوي أي من الجماليات اللغوية التي تؤهلها لجوائز على غرار جائزة بوكر و نوبل و على الرغم من احتوائها على كمية كبيرة من المعلومات الدقيقة و كأن كل فصل من الفصول بحث مصغر يمهد للحدث الذي يليه،و على الرغم من أن رواياته تحتوي ملحقا للمراجع العلمية التي استندت عليها الأحداث كأي بحث أكاديمي رصين، لكنه رغم كل ذلك ناجح جداً في انتزاع الدهشة و الانبهار من داخل القارئ و قادر بامتياز على دفع القارئ إلى إعادة النظر في كثير من قناعاته المسلم بها من قبل. و هذا هو لب الإبداع الحقيقي و جوهرة العميق مهما اختلفنا حول الأسلوب و التوصيف. لقد وصفت جريدة "النيويورك تايمز" كتابات كرايتون بأنها ذات نفس طفولي أشبه بقصص "أرثر كونان دويل" و "إدجار رايس بوروز" و رعب "إدجار آلا ن بو" لكن بجرعة قوية و مطورة من الخيال العلمي الممتع. و إن كنت أجزم أن في كثير من رواياته نفس فلسفي مبثوث بذكاء بين سطور الرواية المشوقة و المعقدة في آن. فرواية "الجسم الكروي" و التي تحولت لفيلم ناجح قام ببطولته داستن هوفمان و صامويل جاكسون" تبدأ بداية مشوقة و مثيرة للفضول فهناك سفينة فضاء اكتشفت بالصدفة في قاع المحيط و التحاليل لتراكم التربة و النباتات التي فوقها تثبت أنها ترقد هناك منذ أكثر من ثلاثمائة سنة و ينتدب فريق علمي لسبر غور السفينة الغامضة. و سرعان ما يكتشف الفريق أن السفينة تحتوي على جسم كروي عملاق أشبه ب "روبوت" مفكر يبدأ في الحديث إليهم و سرعان ما تتحول الرواية إلى الخط الفلسفي عندما يكتشف العالم النفسي أن الجسم الكروي له القدرة على تجسيد الخيالات الشريرة التي يملكها زملاؤه و تحويلها إلى واقع و أن كل الكوارث التي ألمت بهم خلال الرحلة ليست إلا نواياهم السيئة تجاه بعضهم البعض و أن السفينة ليست من كوكب آخر و لكنها تنتمي إلى المستقبل و قد قرر أهل المستقبل إرسال الجسم الشرير إلى الماضي حتى يتخلصوا من أثره المدمر.


و تكاد تكرر ثيمة الخطر الذي يصنعة الإنسان بغروره في معظم رواياته، لكنه على الرغم من نزعة التوثيق العالية لديه لم يضع لخيالاته حدودا و لم يقصرها على الأجواء العلمية و المستقبلية، فكتب روايته التاريخية الشهيرة "أكلة الموتى" و التي تحولت بعد ذلك إلى فيلم سينمائي أخرجه بنفسه تحت اسم " المحارب الثالث عشر" و قام ببطولته أنطونيو بانديراس و عمر الشريف. و عد الفيلم/ الرواية من العلامات الفنية النادرة التي أنصفت صورة العربي المسلم رغم كونها صنعت بيد أمركية بالكامل.


خاض كرايتون بالإضافة إلى الكتابة في مجالات عدة كتصميم برامج الكمبيوتر و الأبحاث العلمية و التدريس الأكاديمي البحت، لكن تفوقه كان لافتاً بالفعل في مجال الإخراج فقد قام بكتابة و إخراج العديد من الأفلام لعل أشهرها "المحارب الثالث عشر" و فيلم "الغيبوبة" الذي كتبه صديقة روبن كوك. كما كان منتج و صاحب فكرة و كاتب الحلقات الأولى للمسلسل الشهير "ER " الذي تدور أحداثه بالكامل تقريباً داخل المستشفى و تتابع على بطولته العديد من النجوم و افتتح الطريق لخط جديد في الدراما يمكن تسميته دراما المستشفيات أو المسلسلات الطبية. و في عام 1994 حصد كرايتون ثلاثه جوائز دفعة واحدة، جائزة تصدر فيلمة الحديقة الجوراسية قائمة الأيرادات و تصدر مسلسل ER نسب المشاهدة العليا و تصدر روايته الجديدة حين ذاك "الفضيحة" قائمة أكثر الكتب مبيعاً.


في الرابع من نوفمبر من العام الماضي 2008 توفي كرايتون اثر مضاعفات علاجه الكيماوي من سرطان الحنجرة و قد كان يعد لصدور روايته الجديدة،و التي لم تصدر حتى الآن. و على الرغم من تداول خبر وفاته من قبل وكالات الأنباء العالمية إلا أنه مر مروراً عابراً بمعظم مثقفي العربية و ربما نشرته بعض صحفها في ركن ضيق واصفه إياه بكاتب سيناريو فيلم الديناصورات!.


لو كنت تعتقد انك تتعرف على مايكل كرايتون للمرة الأولى اليوم و أنه لم يسبق لك أن تأثرت بشيء من إبداعاته من قبل ...راجع القائمة الطويلة لنتاجه ثم فكر ثانية!

الخميس، 7 يناير 2010

راي برادبري: بائع الصحف الذي سكن المريخ


النجاح الكبير الذي حققه المخرج الأمركي "مايكل مور" في فيلمة "فهرنهايت 9/11" و الذي اتقد بشدة حرب بوش على الإرهاب و استغلاله أحداث سبتمبر لإرعاب الناس و تخويفهم و من ثم السيطرة على إرادتهم. ذلك النجاح الكبير يعزى في جزء منه لعنوان الفيلم و الذي اقتبسه مايكل مور بذكاء من رواية الكاتب الأمركي الشهير راي برادبري و المعنونة ب" فهرنهايت 451" تلك الرواية التي صدرت في عام1953 و لم تزل تتداول حتى اليوم كواحدة من كلاسيكيات الأدب الأمركي. تدور الرواية في أجواء كابوسية في زمن ما من المستقبل حيث تتحول إداره الإطفاء إلى إدارة للحرائق، لكن لتلك الإدارة مهمة خاصة وهي إرسال فرق جوالة إلى كل منازل البلاد و التنقيب عن الكتب و إحراقها، لأن الكتب مدمرة للعقل و تدعو إلى الفساد حسب رأي حكام المستقبل، ولإتمام تلك المهمة تم تزويد فرق الإطفاء/ الحريق بمضخات للهب تم ضبط درجة حرارتها على درجة 451 فهرنهايت و هي درجة الحرارة اللازمة لإحراق الورق!.
و على الرغم من أن تلك الرواية ليست الرواية الوحيدة لراي برادبري و الذي كتب قرابة ال60 كتاب و أكثر من 600 قصة قصيرة و مقالة إلا أنها بالإضافة إلى روايته الأخرى "تاريخ المريخ" تعدان أكثر كتبه ذيوعاً و الأعمق دلالة على أسلوبه المتميز في الكتابة و الذي يغور بعمق في أبعد مخاوف الإنسان الغامضة و يبرزها جلية بدون زخرفة أو مجاملة كما أنه لا يخفي تشاؤمة من مستقبل البشرية المظلم إذا استمرت تسير على النهج اللاأخلاقي الذي تتخذه الآن
ولد برادبري في عام1920 ولم يكن يتوقع وهو يعمل كبائع صحف بعد أن أوقف تعليمه عند المرحله الثانوية لضيق ذات اليد ولاحتى بعد أن تلقى أول 15 دولاراً كمكافأة على قصته الأولى، لم يدر بخلده يوما أنه سيتحول إلى ملهم و علامة فارقة لجيل بأكملة من الأمركيين . توج بنيله العديد من الجوائز أبرزها ميدالية الاستحقاق الوطنية للفنون2004 و التي تسلمها من رئيس الجمهورية المثير للجدلً وهو على مقعد متحرك!.