السبت، 20 فبراير 2010

في يومها العالمي: أي مستقبل ينتظر القصة القصيرة؟

المقال مشاركة في استطلاع موسع أجرته جريدة الجزيرة السعودية بمناسبة يوم القصة العالمي الموافق للرابع عشر من فبراير.



تصدر دارمارينر كتاباً سنوياً في نهاية كل عام باسم «أفضل القصص الأمريكية القصيرة» ويقوم محررها الرئيسي بمتابعة النتاج القصصي الحديث في الولايات المتحدة ثم ينتخب منه قائمة طويلة يقدمها إلى المحرر الضيف الذي عادة ما يكون من كبار الكتاب العالمين والذي ينتخب المجموعة المفضلة لدية ويقوم بكتابة مقدمة الكتاب التي توضح سبب تفضيله لتلك المجموعة. وعلى الرغم من الحفاوة التي يبديها المحررون بالقصص ومؤلفيها وإشادتهم بالتجديد الحاصل في الأسلوب والفكرة واستثارة العاطفة، إلا أن «ستيفن كينج» خرج في مقدمته التي كتبها للعام2007 عن ذلك التقليد وأشار في تلميح ساخر إلى الانحسار الذي تعانيه القصة القصيرة كأدب مقروء، فعلى الرغم من إقراره بأن الكتاب لا يزالون يكتبون أدبا جيداً ومتميزاً إلا أن الإقبال على القصة القصيرة كفن له شعبية بدأ يتضاءل، واستشهد بزيارة قام بها لإحدى المكتبات الكبرى في المدينة وسأل عن المطبوعات الأدبية المتخصصة في فن القصة القصيرة، فأشار له البائع إلى رف سفلي انحشرت فيه المطبوعات بإهمال ووصف كيف انه اضطر إلى الركوع أرضا والزحف قليلاً لبلوغ مراده وأن امرأة حسناء كانت تقف بجواره لتطالع مجلات الزفاف استرابت من حركاته وقررت الابتعاد غاضبة. في الحقيقة ما ذكره «ستيفن كينج» ليس جديداً تماما فكثيراً ما يعاد طرح قضية الإقبال على القصة القصيرة، وهل هي في طريقها للانحسار؟ وهل أثرت عليها طبيعة العصر التقنية والاجتماعية؟ هل تتلاشى القصة القصيرة بشكلها الحالي لتحل محلها «القصة القصيرة جداً» كبديل أكثر رشاقة؟ أم تفسح المجال للرواية الأكثر سلاسة وقبولاً في عصر الانفتاح والميديا؟. ربما تكون القصة أكثر الفنون مراوغة، وأكثرها قدرة على البقاء والتأثير رغم كل ما يثار، القصة التي انتقلت إلينا من زمن حكايات الجدات ثم تلبست كل أنوع الفنون الأخرى، لا تبالي كثيراً بثنائية الانتشار والانحسار بقدر ما تهتم بما تحدثه من نقش في عمق الوجدان، وحدها القصة القصيرة تملك تأثير «الرصاصة» عندما تكون متقنه ومصوبة تجاه القلب، صغيرة وخفيفة لكنها نافذة ومدوية، قد يكتب كاتب عظيم مئات الكتب لكن قصة-رصاصة واحدة قد تبقى وحدها من خلفه تحدث دويها الهائل في وجدان من يقرؤها في دقائق فتلازمه جراحها لسنوات،. قد يخفت وهج القصة قليلا أمام الصخب لكنها وفي ذكرى يومها العالمي تطل بروية وهدوء على منجزها السابق والذي يكاد يشمل التراث الإنساني كله. تحضر احتفاليتها بدون تعالٍ ولا خجل. ثم تمضي واثقة لا تبالي.

الخميس، 11 فبراير 2010

أرثر كونان دويل: لعنة صاحب الغليون!

كان من الممكن أن يذكر التاريخ السير آرثر كونان دويل بصفات كثيرة من شخصيته المتعددة الإنجازات، كان من الممكن أن يوصف كطبيب، أو كسياسي مدافع عن حقوق الشعوب المحتلة، أو ككاتب مبرز في مجال التاريخ والخيال العلمي أو حتى كباحث متعمق في مجال الروحانيات. لكن شيئاً ما فعله السير آرثر جعل التاريخ يتناسى كل ذلك السجل المشرف ولا يذكر منه شيئاً. شيء جلب له الشهرة والمجد، لكنه سرق منه روحه وحياته، كما قال هو فيما بعد. كان ذلك عندما خط السطور الأولى لملامح شخصية المتحري الإنجليزي (شيرلوك هولمز)، الذي تحوَّل إلى أشهر متحر في العالم، وعلى مدار التاريخ، بشكل فاق كل توقعات الطبيب الأسكتلندي الذي بدأ كتابة مغامرته الأولى على سبيل التسلية في عيادته الخالية من المرضى، مستوحياً شخصيته من أحد أساتذته في كلية الطب، ومستحضراً بعض أجواء (إدجار ألان بو) التي أحبها كثيراً. لكن شيرلوك هولمز كان أشبه بالمارد المحبوس في عالم الخيال، الذي انتظر الكاتب الغافل ليمسح الفانوس؛ ليتحرر، وقد كان. ففي غضون أشهر قلائل أحب الناس ذلك المتحري البارد الذي لا يخفي غروره واحتقاره لمحققي اسكوتلاند يارد، والمهووس بتدخين الغليون والكيمياء، الأنيق كقطة منزلية، واللامبالي بالمال والنساء، والبارع - رغم كل شيء - في عمله، القادر على استخلاص الحقيقة الغامضة من دلائل بديهية لم يلاحظها أحد من قبله. لم يكن شيرلوك هولمز مجرد إضافة لقصص المغامرات البوليسية؛ كانت شخصيته ذات عمق أبعد بكثير مما ظنه مؤلفها، كانت عقلاً محضاً متوحشاً على المدنية الحديثة التي بدأت تفرض طابعها على مشارف القرن العشرين، عقلاً يجامل المدنية بزيه الأنيق وغليونه الفخم، لكنه يتمرد على زيفها وادعائها الكاذب باحتقاره لرموزها وفنونها المستحدثة، وكأن كشفه للجرائم الغامضة بقليل من المنطق العلمي الصارم الذي يتبعه يكرر قول عبارته الشهيرة لصديقه واطسن «يا صديقي استبعد الخرافة، استبعد المستحيل، ومهما بدا الباقي غريباً فهو الحقيقة»!