الخميس، 22 نوفمبر 2012

رسالة إلى صديقي الذي لا أعرفه!


صديقي القارئ..

أنت بالكاد تعرفني.. ربما هذه المرة الأولى التي تقرأ فيها اسمي و تغامر بمطالعه  هذه السطور،
ربما أنت تعرفني من قبل و قرأت شيئاً من السطور السابقة التي تحتل هذه الزاوية، ربما اتفقت مع بعضها أو اختلفت أو ربما لم تشكل لك أهمية لتتذكرها. لكنك في كل الأحوال في وضع أفضل مني!. أنت على الأقل تعرفني، تعرف اسمي و شكلي و شيئاً من أفكاري و تملك الخيار لتطالع أفكاري كل أسبوع فترتضيها أو تعرض عنها. لكنني بكل أسف لا أعرفك!
أنا أحتل هذه المساحة منذ قرابة العام، و رغم رحابتها الظاهرة إلا أنها ليست كذلك، صدقني هي أشبه بغرفة ضيقة ذات سقف منخفض و كي تعيش فيها عليك أن تكون صاحب لياقة عالية كي تتحرك دون أن تتلقى إصابات موجعة!.
في هذه الغرفة أثرثر  معك في مواضيع لا أعرف إن كانت تهمك فعلاً أو لا، لا أعرف كيف تنظر إليها و إلى أي حد تراها ممتعة؟
أنا لا أعرف إن كنت تقرأ مقالي هذا و أنت مسترخ في سريرك الوثير في قصرك العامر تفكر في تجاهل الذهاب إلى مؤسستك/شركتك/ إدارتك. و إكمال بقية النهار في فراشك. أو أنك في طريقك إلى عملك و عينك على ساعة سيارتك المحشورة في الزحام و تدعو الله أن تصل بمعجزة قبل أن يغلق دفتر التوقيع.
أو ربما أنت طالب مجتهد، تستعد لبدء يومك الدراسي الطويل و تحسب الأيام الباقية لتخرجك في لهفة ممزوجة بالقلق من أن لا تجد وظيفة تناسبك.
أنا يا صديقي لا أعرفك..
لا أعرف إن كنت بلحية طويلة و ثوب يعلو الكعبين تتأمل صورتي و سطوري و تحاول أن تعرف إن كنت تغريبياً من الذين تعتقد أنهم سبب فساد هذه الأمة أو لا. أو ربما تكون حليق اللحية و الشارب تتأمل السطور بشك و تحاول معرفة إن كنت (إخونجيا) متستراً أو (قومجيا) حنجوريا أحاول تعطيل التنمية في البلاد!.
صدقني أنا لا أعرف عنك الكثير رغم أنني أخاطبك كل أسبوع، افتتح المواضيع تلو المواضيع و الحكايا تلو الحكايا دون أن أراك أو أقابلك. قد تتلطف علي بتعليق قصير هنا أو هناك في مواقع التواصل الاجتماعي، تؤيد باقتضاب أو تعارض بتحفظ ثم تعود لتتوارى حتى الأسبوع القادم. و تتركني كي أقرر وحدي ما هو موضوع حديثنا التالي.
دعني أخبرك شيئاً يا صديقي، رغم أننا لا نعرف بعضنا بشكل جيد لكنني أومن بأن بيننا الكثير من الأشياء المشتركة، نحن نتقاسم هموم بيت واحد نسكنه سوياً، نواجه تساؤلات و تطلعات الغد بذات الترقب و القلق، نتشارك في تربية الجيل الجديد من العائلة دون أن نعرف إن كنا نوفر له ما يستحق فعلاً أو لا. و هل نحن قادرون على تأمين ذات المستوى من رغد العيش له في القادم من الأيام؟
قد يبدو ما أكتبه لك يا صديقي مملاً، غامضاً أو ثقيل الدم. و قد يكون كذلك بالفعل فأنا لازلت أتحسس طريقي في عالم الكتابة، و لا أضمن أنني بلغت المرتبه التي تجعلك راضيا و منتشيا بكل ما أكتب، لكن الشيء الذي أضمنه لك أنني لم و لن أكذب عليك في أي يوم من الأيام، لن أجاملك أو أجامل أحداً على حسابك .قد تتعرض سطوري لعمليات بتر و تهذيب إجبارية تستبعد كلمه هنا و جملة هناك، و ربما مقالاً كاملاً في بعض الأحيان، لكن ثق تماما أنها لن تحمل سطرا واحداً لا أعتقد أنه حق خالص.
كما أنني يا صديقي لا أكتب هنا كي أضيف إلى معلوماتك شيئاً لا تعرفه أو لكي أقنعك برأي لا تؤمن به، بل على العكس، إنني أحاول أن أتشارك معك في الأسئلة الكبرى التي تحيرني، أشير بسبابة مندهشة إلى ما أراه غريباً أو مثيراً للتأمل. أحاول أن نفتح سوياً باباً أوسع للحوار و النقاش، أن نجعل مساحة الضوء أكبر من زوايا الظلام في منزلنا المشترك، أن نعرض لهواء النقد و التفكير أثاثنا الخاص و مراتب غرفنا الداخلية.
أن نطل بثقة أكبر و حب أكبر و ألفة أكبر على جيراننا في الغرف المقابلة و المباني المجاورة. أن نعمل سويا على ردم الحفر و تسوية الطرق بدلاً من حفر الخنادق و رفع الأسوار..
كل ما أرجوه منك يا صديقي و قد مر عام على صداقتنا هنا أن تعرفني بنفسك أكثر، أن تدلني على الطريق الذي تراه صحيحاً،و إن كنت لا تعرفه فيسرني أن تنضم إلي كي نتقاسم سوياً متعةالسؤال
فقط تكلم...كي أراك!

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

متى تكون المرأة (بنت ناس)؟


لا بد أنك مررت بهذا الموقف من قبل، أو أنك ستمر به عما قريب. تأتي أمك لتحدثك حديثاً جاداً على انفراد ثم تهمس لك بعد أن تتأكد من أن أحداً من أخواتك لا يسمعها
-”لقد وجدت لك اليوم عروساً..أصل و فصل و أخلاق عالية و (بنت ناس)”.
تأخذك الدهشة الممزوجة بالحماسة تستنطق أمك مزيداً من المعلومات و تبدأ في التفكير في مشروع العمر و الإرتباط بفتاة الأحلام.
تذهب أمك و أختك في زيارة لعائلتها، تنفرد باختك بعد عودتها، تسألها عن رأيها في الفتاة، تراوغك بخبث قليلاً ثم تقول لك و هي تبتسم
-” هي ليست بارعة الجمال لكن واضح جداً أنها (بنت نااااس)”
يتطور الأمر و يشترك والدك في الموضوع تحدثه والدتك عن رغبتها في خطبة الفتاة لك، يؤمن برأسه موافقاً بمجرد سماعه لإسم العائلة
-” و النعم..(بنت ناس) و أبوها رجل معروف"
أنت مأخوذ بالتجربة المثيرة و مشروع العمر الذي تقدم عليه، لا تدقق كثيراً في المصطلحات التي استخدمتها أمك و أختك و والدك. لم تلاحظ أنهم جميعاً استخدموا مصطلح "بنت ناس" و لم تحاول أن تستنبط مالذي يعنيه كل واحد منهم تحديداً بهذه العبارة؟ هل كانت والدتك تعني بها التربية الحميدة و احترام الكبير؟ و ماذا كانت تقصد أختك وهي تقولها بصيغة التفخيم؟ هل كانت تعني أنها من عائلة ثرية و تعبر عن ابهارها بمظاهر الأبهه في دارهم بتلك العبارة؟
و ماذا عن والدك؟ هو لا يعرف أخلاق الفتاة و لم يشاهد دارها لكنه استخدم ذات العبارة. ترى هل كان يعني أصالة نسبها؟ و أنها من عائلة أو قبيلة عريقة؟
ترى ماذا تعني هذه العبارة لك أنت؟ و لكِ أنتِ؟ نحن نستخدم هذه العبارة بكثرة كل يوم فهل هناك اتفاق واضح على معناها لدينا؟ وهل مميزات (بنت الناس) في مجتمع القرية تنطبق على  (بنت الناس) في مجتمع المدينة؟ و هل هي ذاتها في دول و مجتمعات أخرى؟ العبارة كما ترى رغم بساطتها إلا أنها مراوغة و تحتوي على مضامين معقدة يصعب تفكيكها.
كانت الباحثة (غادة برسوم) تجري دراسة عن(أزمة عمالة الخريجات في مصر)، و أجرت مقابلات مع أصحاب الأعمال و شركات التوظيف لدراسة شروط القبول لتلك الوظائف، و فوجئت بأنها اصطدمت بشرط غير مكتوب يكرره كل أصحاب الأعمال تقريباً و هو أن تكون المتقدمة (بنت ناس)!
و عند سؤالهم عن المعنى المقصود ببنت ناس كانت الإجابات متباينة إلى حد كبير
فبعض أصحاب الأعمال وصفها بأنها من تمتلك لغة إنجليزية ممتازة و يفضل أن تكون بلكنه أجنبية.
البعض الآخر ركز على الخلفية الاجتماعية "بأن تكون من طبقة راقية و تحسن التصرف مع الآخرين"
و تمييز الطبقة الراقية غالباً ما يعتمد على المظهر كما تقول الباحثة(قد تستطيع المرشحة الحصول علي ملابس غالية الثمن عن طريق ادخار أو اقتراض المال، ولكنها لا تستطيع خداع أصحاب الأعمال ووكلاء التوظيف فيما يخص خلفيتها الاجتماعية إذا كانت من خلفية متواضعة. لذا فهم يشيرون إلي هؤلاء المرشحات اللاتي يأتين مرتديات «أحذية سوداء وحقائب بيضاء» ويضعن «طلاء أظافر ممحوا أو غير متناسق»، ويلبسن جوارب مقطوعة أو سائبة و تكون شعورهن «مصبوغة باللون الأصفر ولكن مهملة لينمو اللون الأسود الأصلي في الجذور» مما يتناقض مع لون الأطراف المصبوغة أصفر سابقا. وكل هذه الأشياء هي دقيقة للغاية وقد تمر دون أن تلاحظ من قبل شخص غير قادم من نفس الخلفية الاجتماعية)
و رغم أهمية المظهر كميزه من مميزات (بنات الناس) عند التوظيف فإن البعض ذكر تعريفات أخرى للمصطلح كالتركيز على البعد الأخلاقي بأن بنت الناس هي من "تعرف الحلال من الحرام" أو التي "لا تفشي أسرار العمل للمنافسين" أو التي تكون (عينها مليانه) فلا تحسد غيرها، في إشارة إلى خلفيتها الإجتماعية كذلك.
أما منشأ الكلمة ذاتها فترجعه الباحثة إلى عصر المماليك عندما استقدمهم الأيوبيون كجنود ثم حكموا مصر بعد ذلك لثلاثة قرون و تميزوا هم و ذريتهم بالبشرة البيضاء و الوضع الاجتماعي المميز للحكام فأطلق عليهم مصطلح (أولاد ناس) ثم عمم بعد ذلك على كل من تميز شكله و وضعه الإجتماعي.
و تخلص الباحثة أن المصطلح له خلفية متباينة  لكنها لا تخلو من نفس طبقي أو عنصري يشكل عائقاً أمام فئة كبيرة من المجتمع للحصول على فرصة متساوية مع الآخرين
هل لازلت تبحث عن شريكة العمر؟ ابحث عن حسنة التربية أو عريقة النسب أو جميلة القوام لكن لمصلحتك كن أكثر تحديداً و تجنب المصطلح الفضفاض (بنت ناس)!

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

ماذا حدث للسعوديين؟

 في آخر التسعينات من القرن الماضي عكف الدكتور جلال أمين على كتابة مقال شهري في مجلة الهلال تحت عنوان ثابت هو (ماذا حدث للمصريين) تناول فيه التغييرات الاجتماعية التي حدثت في المجتمع المصري خلال نصف قرن في مجالات عدة، كان يخضعها للتحليل و يتناول أسبابها و خلفياتها بأسلوب سلس أقرب إلى القصص، لكنه لا يخلو من عمق و براعة في التقاط الجوانب الخفية في مظاهر ذلك التغيير.
تحدث جلال أمين عن قضايا مألوفة مثل مركز المرأة و التغرييب و التعليم و البطالة و كيف تأثرت تلك القضايا بالتغييرات السريعة التي مر بها المجتمع المصري خلال نصف قرن بين ثورة و انفتاح و ثلاث حروب. لكن أجمل تلك المقالات هي التي تناولت ظواهر اجتماعية تبدو شديدة البعد عن المجال السياسي لكنها تأثرت به بشكل أو بآخر و عكست بطريقة  خاصة نمطاً واضحاً من التغير الاجتماعي مثل عادات المصريين في (التصييف) و (حفلات الأفراح) و (اقنتاء السيارة الخاصة) و (السينما). و كيف تغيرت على مدى ثلاثة أجيال عاصرها من جيل والديه و جيله هو و إخوته و جيل أبنائه و أقرانهم، و كيف ازدهرت عادت و انقرضت أخرى و تبدلت قناعات و تعززت غيرها بين تلك الأجيال.
أعتقد أن ذات الفكرة تصلح مشروعاً لدراسة مماثلة شديدة الثراء و بالغة الإغراء في مجتمعنا السعودي. فعواصف التغيير العاتية التي مر بها المجتمع بين الطفرة النفطية و حرب الخليج و أحداث سبتمبر  و ما تخلل ذلك من تحولات و طفرات تقنية في التواصل كدخول القنوات الفضائية و الهواتف الجوالة و الانترنت. كلها تستحق وقفة من عالم اجتماع أو مفكر متأمل يلتقط أثر تلك التغييرات على سلوكنا و طريقة تفكيرنا و تعاطينا مع الحياة والأحداث. بعض الجوانب تم الحديث عنها في مؤلفات عدة كتعليم البنات و المعارضة الشديدة التي لاحقته في بداياته هو و البث التلفزوني و البرقيات و الهواتف و هي معارضة يمكن تفهمها في مجتمع محافظ يتعرض لتحديث سريع يرى فيه تهديداً لهويته، لكن ثمة ظواهر أخرى جديرة بالتأمل و جديرة بالنقاش و التحليل و تسليط الضوء عليها من باب التساؤل الخالد لماذا و كيف حدث ما حدث. فعلى سبيل المثال لماذا صمد الزي السعودي التقليدي المتمثل في الثوب و الشماغ و العقال لعقود طويلة ضد أي تغيير جوهري يمس شكله و لونه الموحد ثم انهار فجأة أمام سطوة تصاميم و ألون و تقليعات و زخارف لا تنتهي؟ هل للبعد الثقافي دخل هنا؟ هل لذلك دلالة أعمق على انفتاح فكري تجاه الاخر و بداية القبول بتداخل الثقافات؟ أم أنه علامة أولية على انقراض الثوب السعودي ذاته؟
نقطة أخرى تستحق التأمل هي نظرة السعوديين للعبتهم الشعبية الأولى (كرة القدم) كيف تطورت نظرة المجتمع لها؟ هل استخدمت أي جهه تلك الشعبية للتأثير أو لقيادة المجتمع في اتجاه معين؟
كيف كان الناس ينظرون للاعب الكرة في الماضي؟ و كيف تغيرت نظرتهم له في الوقت الحاضر؟ لقد تغيرت بدون شك الطبقة الاجتماعية التي كان يشغلها لاعب كرة القدم من المتوسطة أو مادونها لتصبح الطبقة العليا التي يشغلها االنخبة من الأثرياء و وجهاء المجتمع.فهل تغيرت نظرة المجتمع للاعب؟ و كيف يتفق ذلك البذخ و الإنفاق المبالغ فيه على لعبة كرة القدم و الذي تضاعف عشرات المرات خلال العقود الأخيرة مع ذلك التراجع الكبير في مستوى اللعبة ككل و في مستوى الدخل العام للمجتمع خلال نصف قرن؟
كيف تغيرت نظرة السعوديين للفن؟ هل السعوديين يعتقدون بحرمة الموسيقى؟ ماهي طبيعة تلك العلاقة بين مجتمع يقدر الفن الغنائي و يشتري أكبر عدد من اسطوانات الغناء العربي و العالمي و في نفس الوقت يقدر و يعلي من شأن المشايخ و العلماء الذين يقطعون بحرمة تلك الموسيقى بلا خلاف و يتوعدون سامعها بالعذاب؟
و هل حفاظ المجتمع على هذه الثنائية (تقدير الفن و الدين) علامة صحية في عمومها أو أنها مرحلة لها ما بعدها؟
 ما أثر التحولات الاقتصادية السابقة و القادمة على حياتنا العامة؟ على علاقتنا بالآخر؟ هل ستصمد (خصوصيتنا السعودية) مع أي هزة اقتصادية قادمة؟
ثمة الكثير من الأسئلة المثيرة التي لا تنتهي و التي تحتاج إلى قلب جريء و فكر منفتح و عقل متيقظ للخوض فيها و البحث عن إجاباتها، ليخبرنا ليس بالذي حدث للسعودين فقط بل بالجواب على السؤال الأهم (مالذي سيحدث لهم عما قريب؟).

الجمعة، 2 نوفمبر 2012

هل حان الوقت لإنشاء مطار مكة؟



و هل مكة بحاجة فعلية لمطار؟ مالذي يضيفه مطار جديد و هناك مطار دولي موجود بالفعل  لا يبعد أكثر من ٨٠ كم عن مكة؟ ألا ينبغي لهذا المطار أن يكون خارج حدود الحرم؟ ألن تكون المسافة التي تفصله عن مكة مقاربة بالفعل للمسافة التي تفصلها عن مطار جدة؟
ثم أليست تضاريس مكة الواقعة في واد بين جبال عائقاً طبيعياً ضد فكرة المطار؟
ولكن على الحهة الأخرى، لماذا لا تكف المطالبات المستمرة بإنشاء مطار في مكة المكرمة؟ لماذا تعود الفكرة لتطرح عاماً بعد عام و من فئات شعبية و رسمية مختلفة؟ آخر تلك المطالبات كانت  توصية لمجلس الشورى عام ٢٠١٠ تطالب  بإنشاء المطار. ولماذ يطالب به الكثير من مسؤليي و أعيان مكة المكرمة ليس آخرهم أمين العاصمة المقدسة د. أسامة البار و الذي صرح بأن إنشاء المطار"سيكون خدمة جليلة لأهالي مكة المكرمة”(جريدة المدينة ٢٦-٤-٢٠١٠).
هيئة الطيران المدني من جهتها كانت الطرف الرافض على الدوام لمشروع المطار و رغم صدور توصية مجلس الشورى قبل عامين إلا أن الهيئة اكتفت بالتجاهل أو بتصاريح صحفية مقتضبة على لسان مصادرها برفض الفكرة.
التصريح الوحيد الذي تناول الموضوع بشيء من الوضوح كان للدكتور علي الزهراني مدير التخطيط للشركات في هيئة الطيران المدني و الذي صرح ضمن لقاء علمي  عقد العام الماضي في جدة بأن "فكرة مطار مكة مرفوضة لثلاثة أسباب تشمل مواقع المطارات والتي يجب أن تكون بعيدة عن المدن بمسافة كبيرة، إضافة إلى جغرافية مدينة مكة الجبلية والتي تصعب من المهمة، واقترابها من مدينة جدة" (جريدة الوطن ٢١-٦-٢٠١١)
السؤال هنا، هل هذه معوقات حقيقية و قاهرة لا يمكن التغلب عليها؟ و لكن قبل مناقشة المعوقات، هل هناك جدوى حقيقية من إنشاء ذلك المطار؟
و لأن الموضوع أشبع نقاشاً و مناظرة بين كتاب الصحف على مدى سنوات فلن أضيف رأياً شخصياً جديداً في الموضوع بل سأستعرض دراسة علمية محكمة كتبها الباحثان طارق فدعق و حاتم مرداد  نشرت  في مجله جامعة الملك عبدالعزيز للعلوم الهندسية عام ٢٠٠٢.
تناقش الدراسة بأسلوب علمي حاجة مكة الفعلية إلى مطار، و تفند الأثر الاقتصادي و الحيوي الذي يلعبه إنشاء المطار و الحاجة إلى فصل مطار جدة عن خدمات الحج و العمرة، حيث وجدت الدراسة أن ٤٠٪ تقريباً من قاصدي مطار جدة يقصدونه للذهاب إلى مكة مما يجعله مزدحماً طوال العام و يؤثر على توفر الرحلات للأغراض الأخرى كما أن النمو السكاني و زيادة الازدحام جعل الوصول من و إلى مطار جدة عبر الخط السريع أكثر صعوبة فبعد أن كانت الكثافة المرورية للطريق تقدر ٣٨  آلف رحلة في اليوم عام ١٤٠٣ هـ ، ارتفعت لتبلغ ٢٠٠ ألف رحلة في اليوم عام ١٤٢٥ و بالتأكيد تضاعف هذا الرقم في هذه الأيام. (طبعاً الدراسة أجريت قبل فتح العمرة على مدار السنة، حيث تجاوزت تأشيرات العمرة لهذا العام وحده خمسه ملايين تأشيرة)
و تضيف الدراسة إن تخصيص المطار سيسهل نقل الحجاج بين مكة و المدينة و يقلل تكلفة النقل و استهلاك الطرق والزحام و ينعش الاقتصاد المحلي و يخلق المزيد من فرص العمل.
لكن أهم ما في الدراسة هو المسح الميداني الذي قامت به لجغرافية و مناخ مكة و خلصت إلى اقتراح موقعين مناسبين لإنشاء المطار، كلا الموقعين تنطبق علية شروط المنظمة الفيدرالية للطيران المدني لإنشاء المطارات و فصلت الدراسة بتوسع مميزات كل موقع و احتياجاته للتأهيل كمطار و حتى حجم الممرات و نوع الطائرات التي يمكن أن يتم استيعابها في المطار.
الموقع الأول يقع بالقرب من الجموم شمال مكة المكرمة و هو الذي فضلته الدراسة كخيار أول مقابل الخيار الثاني في منطقة الشميسي و الذي ترى الدراسة أنه مناسب جداً كذلك لكن تكلفة تأهيله قد تكون أعلى من الموقع الأول.
ولا ترى الدراسة تعارضاً في تقارب المسافة بين مطار مكة و مطار جدة لأن كليهما يؤدي وظيفة حيوية تكاملية مع الآخر كما هو معمول به في مدن كثيرة حول العالم يخدمها أكثر من مطار  في ذات الوقت
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل قبولنا أو رفضنا للمشاريع الاستراتيجية الكبيرة مبني على دراسات علمية أم على انطباعات عاطفية؟ و كم دراسة مماثلة أجرتها أو رعتها هيئة الطيران المدني قبل أن تصدر قرارها؟
ألا تستطيع هيئة الطيران المدني أن تجري دارسات مماثلة لتأكيد أو نفي الحاجة للمطار؟
و إن لم تفعل فهل يتفضل مسؤولوها بالاضطلاع على هذه الدراسة على الأقل و مناقشتها بدلاً من تكرار الحديث عن الجغرافيا و التضاريس دون بينه؟