الخميس، 20 ديسمبر 2012

ما هو الحب؟


"الحب"
تلك الرجفة المزلزلة التي اجتاحت جسدك المراهق ذات يوم. ذلك الحنين الغامض تجاه شيء ما لا تعرف كنهه بالضبط، شيء أبعد من تفوقك الدراسي و اهم من حظوتك بين الرفاق. شيء أعمق و أشد إلحاحاً من كل أمنياتك السابقة و أحلامك القديمة مهما بدت جامحة أو عظيمة.
ذلك الإحساس بالتواصل مع الطبيعة، بالتوحد مع نسمة الربيع و تغريد العصافير و الحزن الغامض الذي يعتريك كلما تأملت غروب الشمس.
خربشاتك التي بدأت تخطها سراً و تسميها خواطر،قصائدك المكسورة التي تقرؤها لنفسك و يدهشك ذلك التاقض بين رقة عباراتها و خشونة صوتك الطارئة!.
التوق..القلق..الترقب.. الأرق وشرود الذهن. عاصفة من الهرمونات تجتاح جسدك الغض، تعلن الحرب على مرحلة مديدة من الطفولة البريئة، تشعل الجسد بآلاف التفاعلات، و تشغل النفس بزوابع لا تنتهي من الحيرة و التساؤلات.
ما هو الحب؟
قد تبدو إجابة السؤال سهلة و بديهية أول الأمر، لكن كن على حذر، فهذا السؤال السهل حير الجميع في إجابته، الجميع بلا استثناء. علماء اللغة و الفقه و الفلسفة و الطب و حتى علماء النفس و السلوك. لم يجمع أحد منهم على تعريف جامع لمصطلح الحب. تباينوا و تشتتوا و نأت بهم المسالك بلا جواب شاف.
وحدهم الأدباء و الشعراء الذين عقدوا صداقة متينة مع الحب، مجدوه في قصائدهم و رواياتهم، جعلوه سر الحياة و ينبوع السعادة، قدسوا الحبيبة فكانت مركز الكون و غاية المنى. بين وصلها و إعراضها جنة و جحيم و بين رضاها و إجفالها خصب وقحط.
لكن أصحاب مدرسة التحليل النفسي يسخرون بشدة من فكرة الشعراء عن الحب، فتلاميذ "فرويد" لا يرون الحب إلا من زاوية الهرمونات. و في نظرهم أن كل قصة حب ماهي إلا غريزة معطلة عجزت عن بلوغ غايتها، و أنه لو قدر لها الإشباع لخفتت و تلاشت. أي أنه لو قدر لقيس أن يتزوج ليلى لتوقف عن نظم القصائد في حبها و لربما وقف بباب الخيمة متبرماً يشكو سلاطة لسانها وكثرة طلباتها وسوء طباعها!. وبالطبع سيتهمك بالحمق و ذهاب العقل لو تلوت على مسامعه بيت الشعر القائل:
أمر على الديار ديار ليلى •••أقبل ذا الجدار وذا الجدارَ
لحسن الحظ هناك من تلاميذ فرويد من يختلف مع نظريته تلك و يعيد شيئاً من الاحترام لفكرة الحب كعامل أرقى من مجرد التوق الجنسي، فيرى "ثيودور رايك" أن الحب مركب ثقافي وجداني شديد التعقيد، يشمل رغبة المرء في أن يكون موضع حنان و تقدير الطرف الآخر و رغبته كذلك في العطاء المادي و العاطفي، رغبة في التملك و رغبة في الانتماء في ذات الوقت هذا المزيج من العطاء المتبادل و الاحساس بالانتماء لشخص ما و الرغبة في امتلاكه هو ما يسميه "رايك" سر السعادة في الحب، بالطبع قد يتوج ذلك و يعززة إشباع الغريزة لكنه لا يراه عاملاً أساسياً في الحب السعيد.
يعترف رايك أن سيكولوجية الحب لازالت شيئاً غامضاً و معقداً و أن الشعراء و الأدباء لازالوا أبرع الناس في التعبير الموارب و الرمزي عنها لأن أي محاولة لتحليلها تزيدها تعقيداً، وكأنه يستلهم قول نزار عن الحب:
كلماتنا في الحب تقتل حبنا••• إن الحروف تموت حين تقال.

دمتم بحب.

هل للشركات أخلاق (٢-٢)


لا أحد يتحدث عن الالتزام و الأخلاقيات و الشراكة مع المجتمع مثل الشركات العملاقة، دعايات باذخة في القنوات التلفزونية و ملصقات عملاقة في الشوارع،و عبارات و ألوان حالمة و جذابة عن مستقبل أفضل يجمعنا.
هذه العبارات اللطيفة كفيلة بتخديرك، بإشعارك أن أصدقاءك في الكوكب يهتمون بأمرك فعلاً و أن ما تدفعه لهم من مال يساهم في تحسين حياة الآخرين.
لكن ما هي ردة فعلك لو عرفت أن الشركة العالمية التي تصنع ملابسك المفضلة تستغل الأطفال في مصانعها في الدول الفقيرة؟ ماذا لو عرفت أن قميصك الفاخر الذي تتباهى به أنتجته طفلة عملت لأكثر من ١٢ ساعه متواصلة في مصنع سيء التهوية مرتفع الحرارة و بدون دورات مياة، و أنها تعرضت للضرب و الإهانه بشكل مستمر كي تنتج قميصك الفاخر؟
قد تستغرب هذا التناقض العجيب في تصرف شركتك المفضلة لكن جويل باكان العالم المتخصص في الاقتصاد يري ذلك تصرفا طبيعياً و يرجعه إلى طبيعة تكوين شركات المساهمة العملاقة تلك و التي تفصل بين ملاك الشركة من حملة الأسهم و المشتتين في أنحاء الأرض بلا هوية أوقدرة على اتخاذ القرار و بين إدارة صغيرة تتصرف في رأس مال خرافي بدون وازع أو دافع سوى تعظيم أرباح الشركة
هذه الشركات أصبحت في تعريف الاقتصاد الحديث كائنات ذات شخصية مستقلة، بل إن بعض علماء الاقتصاد يصفون سلوكها بأنه سلوك شخصية تعاني من خلل نفسي، شخصية سايكوباثية متمركزة حول نفسها لا تفكر في الآخرين و تصر دائماً أنها الأفضل و الأرقى، لا تتورع عن الكذب و مخالفة القانون بشتى الطرق، لا تشعر بالندم تجاه أي فعل مشين أو مضر بالآخرين و لا تعتذر إلا لحماية مصالحها الضيقة فحسب.
و لأنها شخصية بشعه مدمنه على حب المال فلابد لها من قناع يستر قبحها، هذا القناع هو كذبة (المسؤلية الاجتماعية و الالتزام الأخلاقي) كما يسميه جويل باكان في كتابه (الشركة: السعي المرضي نحو السلطة و الربح).
المسؤلية الأخلاقية التي تتشدق بها الشركات و ترددها كثيراً في حملاتها الدعائية ماهي في نظر المؤلف إلا مجموعة أكاذيب تمارسها الشركات لتحسين صورتها وزيادة أرباحها، و دليله على ذلك أن قوانين الشركات (تحظر) أن تقوم الإدارة بأي عمل يحد من أرباح المساهمين، ويضرب مثالاً بشركة فايزر العملاقة للأدوية، و التي تروج لحملة ضخمة عن توزيعها لأدوية مجانية في أفريقيا كمثال على التزامها الأخلاقي تجاه المجتمعات، في حين أنها تستفيد من تلك الحملة في الدعاية و خصم الضرائب و التخلص من المخزون الفائض. و في المقابل فإنها تمتنع عن تطوير أدوية لأمراض قاتلة كالسل و الملاريا لأنها (غير مجدية) و تفضل صرف أموال الأبحاث على أدويه أكثر ربحية كأدوية الصلع و السمنه بل و حتى أدوية علاج الاكتئاب لدى(الحيوانات المنزلية)!، فأين الالتزام الأخلاقي هنا؟
مهما بدت لك الشركة التي تتعامل معها لطيفة و ودودة فلا تدعها تخدعك تذكر أن ذلك مجرد قناع، و أنك لا تمثل لها أكثر من رقم وأن اللطف الذي تبديه نحوك سببه الوحيد تحليل التكلفة الذي يقول لها أن هذا الفعل مجدِ اقتصادياً على المدى البعيد أو أنه يجنبها عقوبة قانونية مكلفة، و تذكر أنه لو أتيحت لها الفرصة لتجني الربح بطريقة مختلفة لافترستك بلا هوادة.

هل للشركات أخلاق (١-٢)


كم مرة سمعت حواراً مثل هذا من قبل؟ أو ربما كنت طرفاً فيه، أو كنت صاحب القضية ذاته، تتربع في وسط المجلس تتنحنح قليلاً لتلفت النظر ثم تقول
-” يا أخي، الأجانب هؤلاء، في منتهى الروعة.”
تصمت قليلاً لتتلمس وقع عبارتك على السامعين، تتصيد بنظراتك التفات الغافلين و تحديق البقية و تتابع
-” تخيلوا، سيارتي الجديدة لم يمضي على شرائها إلا عام واحد و أصيبت بعطل، أخذتها إلى الوكيل فرفض إصلاحها على الضمان، و طلب مني مبلغاً فلكياً، رغم أن الخلل تقني و يغطيه الضمان. كتبت شكوى إلى الشركة الأم، و أرسلتها عبر الإيميل، و خلال يومين تواصلوا معي عبر الهاتف و أمروا الوكيل بإصلاح العطل مجاناً، بل و أرسلوا لي خطاب اعتذار شديد التهذيب"
تزم شفتيك قليلاً و تضيف "تخيلوا كيف تتعامل الشركة الأم بأخلاقيات عالية و التزام مع العملاء و كيف يكون الوكيل في غاية الرداءة و الاستغلال"
تتوالى الهمهمات من حولك مؤمنة على صحة كلامك، الشركات الأجنبية تتعامل بأخلاقيات عالية و تحترم زبائنها، و تحرص على إرضائهم دوماً، و لكن الوكيل المحلي هو الذي يمارس الجشع و الاستغلال لأنه يحتكر السلعة و لا يحاسبه أحد.
يتدخل شخص وقور يبدو عليه شيء من الثقافة و ربما أمضى شطراً من حياته في الغرب ليضيف " الغربيون عموماً أناس محترمون، لا يحتالون و لا يغشون و يقدرون العلاقات الطيبة في التعامل".
قد يضيف أحدهم قصة جديدة إلى قصتك، ربما أكثر دراماتكية و إثارة لكنها تؤكد ذات المعنى الذي افتتحت أنت به الحديث، تسترخي في جلستك، تسند رأسك إلى الخلف و تربت على كرشك في رضىى و فخر بحكمتك و سداد رأيك
لكن هل فعلاً تملك الشركات ذلك البعد الأخلاقي؟ و هل هي حريصة لهذا الحد على رضاك كعميل يسكن طرف الأرض القصي؟
دعني أرو لك قصة ربما تهز شيئاً من قناعاتك، تعرضت سيدة تدعى باتريشيا أندرسون لحادث تصادم بسيط من الخلف و هي تقود سيارتها شيفروليه ماليبو موديل ١٩٧٩. و رغم أن حادث التصادم كان بسيطاً إلا أن خزان الوقود الموضوع بالقرب من المصد الخلفي انفجر و تسبب في حريق هائل للسيارة و ركابها و أصيبت باتريشيا و أفراد أسرتها بحروق كبيرة نتيجة الحادث، فيما بعد أثبتت التحقيقات أن تصميم خزان الوقود لم يراع درجة كافية من الأمان، و لكن المفاجأة الكبرى كانت في المحكمة عندما أدلى مصمم السيارة بشهادته التي أكد فيها أنه عرض على شركة جنرال موتورز تصميمين أحدهما أكثر أماناً من الآخر لكن الشركة قررت أن تختار التصميم الخطير رغم أن الفرق في التكلفة لا يزيد عن سته دولارات بين الإثنين لكن حسابات الشركة قدرت أن التوفير الذي ستحققه أكبر من الخسائر التي قد تتحملها نتيجة التعويضات إن حدث و تعرضت لمطالبات من الزبائن. بمعنى آخر فإن الشركة (استخسرت) قيمة الستة دولارات في زبائنها لأنها قدرت أن الربح من عملية التوفير سيغطي و يزيد على أي تعويضات قد تدفعها مستقبلاً بسبب تصميمها الخطير، و ربما لهذا السبب قررت المحكمة أن تغرم الشركة مبلغاً خيالياً قارب الخمسة مليارات دولار (حسب صحيفة النيويورك تايمز) وذلك كعقوبة للشركة على استهتارها بالجانب الأخلاقي في صناعتها.
هل تعتقد أن تلك مجرد زلة و أن الشركات لا تتشابه؟
إليك قصة أخرى عن شركة عملاقة أيضاً، هي شركة فورد للسيارات، هذه الشركة خاضت محاكمة شهيرة جداً في الأوساط القانونية الأمريكية ضد مهندس شهير يدعى روبرت كيرن، قام هذا المهندس بعرض اختراعه الفريد حينها و هو ماسح زجاج السيارات الالكتروني، لم تبد الشركة حماساً لشراء الاختراع لكنها وعدته بالتفكير فيه، ثم فوجئ المهندس بالشركة و قد قامت بسرقة اختراعه و استخدامه في موديلات سياراتها الجديده دون أن تعطيه سنتاً واحداً، جن جنون الرجل و قرر أن يرفع قضية ضد الشركة، قاومت الشركة بكل الطرق و حاولت تدمير الدعوى و تكذيب كيرن و استمرت المحاكمة لأكثر من ١٢ عام حتى حكمت المحكمة في عام ١٩٩٠ بأحقية كيرن و فرضت على فورد تعويضه بمبلغ يفوق العشرة ملايين دولار. كان كيرن قد خسر خلال المحاكمة وظيفته و زوجته و أصيب بالسرطان لكنه بدا مصراً إصراراً مقدساً على الانتقام من الشركة التي سرقته و أذلته و أنكرت حقه.
ولكن لماذا تقوم الشركات بهذه الأفعال الشريرة؟ لماذا تسرق و تدمر الناس و في نفس الوقت تسترضيهم و تحرص على رضاهم؟ هل هي شهوة الربح فقط أم أن للأمر أبعاداً أعمق؟
هذا ما سنناقشة في الأسبوع القادم بإذن الله.


الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

كيف يموت الناس في مستشفى حاصل على شهادة الجودة؟


"الانبهار"..
الانبهار هو كلمة السر هنا.. عليك أن تنبهر، تنبهر بشدة بمجرد دخولك من البوابة الزجاجية الواسعة، بمجرد ملامسة قدميك للأرضية الرخامية الصقيلة، بمجرد أن تلفحك نسمة الهواء الباردة لحظة عبورك إلى الداخل. لابد أن تشعر بشيء من الرهبة، شيء من التردد. لا بد أن تهتز ثقتك في نفسك قليلاً، أن تراجع هندامك و تتأكد من أن مظهرك لا يشي بك و لا يوحي براتبك الذي بالكاد يكفيك حتى نهاية الشهر.
لابد كذلك من منضدة استقبال عالية، منضدة مصنوعة من خشب فاخر داكن اللون و مزينة بشعار المستشفى. منضدة تقف خلفها موظفة حسناء تتظاهر بالانشغال، و تتجاهل وقوفك المتردد أمامها كي تشعرك بأهميتها و بأن ثمة زحام كذلك، الزحام يعطي الانطباع بأن خدمات المستشفى مطلوبة بشدة رغم سعرها المرتفع و أنك ستكون محظوظاً إن استطعت الظفر بشيء من خدماتهم الثمينة.
تنهي إجراءت التسجيل و تدفع المبلغ الباهظ و تعود لتنتظر، نعم لا بد أن تنتظر. أنت جالس في مقعدك تتأمل السقف و الجدران و الديكورات الفاخرة، كل شيء يوحي بالفخامة والرقي، إعلانات ملونة كبيرة تحمل صوراً لأطباء مبتسمين و طبيبات مبتسمات في مودة "وصول البرفسور فلان استشاري كذا و كذا.." " عودة الدكتورة فلانة استشارية كذا و كذا.. و المتخصصة في عمليات كذا و كذا. تهز رأسك في تعجب و تقول في سرك لابد أنك الآن في قلعة الطب الحصينة، تلفت نظرك تلك الشهادة الكبيرة المطبوعة على النحاس المذهب تقول بأن المستشفى حاصل على شهادة الجودة من منظمة (...) الدولية. طبعاً لابد من اسم اجنبي مكون من جملة طويلة و معقدة. لكنه و الحق يقال يعطي رهبة و هيبة لا تنكران للشهادة و للمستشفى.
قلعة الطب الحصينة، و قبلة المرضى الباحثين عن الشفاء. لقد بذل القائمون عليها الكثير لتبلغ ما بلغت، خصوصاً في موضوع شهادات الجودة هذا. لقد كلفهم الكثير فهؤلاء الأجانب مولعون بالورق..الكثير من الورق خطط عمل، خطط تموين، خطط طوارئ ، خطط إخلاء..خطط..خطط..خطط. لا مشكلة. كما أنهم مولعون باللوحات و الأبواب و الخرائط الملونة: مدخل ،مخرج، مصعد، باب حريق، الخ..الخ..لا مشكلة كذلك.
قد يتطلب الأمر بعض النفقات أحياناً كهدم جدار أو فتح باب أو نافذة. لا مشكلة كذلك فالجودة تستحق. يتحفز الطاقم كله يوم التقييم يحفظ الجميع أدوارهم و يراجعون السيناريو للمرة العاشرة تقتنع لجنة التقييم و تمنح الشهادة الفاخرة، يتم تعليقها على الجدار و رفع الرسوم لتعويض نفقاتها ولا بأس بخطابي تهنئة وبضعة إعلانات قبل أن ينفض السامر.
ماذا؟ هل قلت لديك نقص في طاقم العمليات؟ تصرف يا أخي تصرف. لا يوجد طبيب تخدير مرخص؟ لا يهم أي طبيب لديه خبرة يفي بالغرض. تحتاج وقتاً أطول لفحص المرضى؟ لا لا هذا غير ممكن لديك قائمة بأربعين مريض يجب أن تنهيها اليوم كي تحصل على راتبك.
طبيب التخدير فشل في إدخال الأنبوب للمريض؟ توفي؟ لا بأس قضاء و قدر، خطأ بسيط يحدث في أكبر مستشفيات العالم، من لا يعمل لا يخطيء. الطبيب غير مرخص؟ ولا يحمل إقامة نظامية وليس على كفالة المستشفى؟ مجرد تعقيدات روتينية نحن مستشفى محترم و لنا سمعتنا و إنجازاتنا. لا راد لقضاء الله يا سادة. ثم إننا دفعنا الدية و الغرامة المقررة فلا تزعجونا من فضلكم.
ماذا أيضاً؟ توفي طفل في غرفة الأشعة؟ الأشعة لا تقتل أحداً يا أخي. لم يكن يجري أشعة؟ ماذا يفعل إذاً؟ يجري أخذ عينة له و توفي بسبب نقص الأكسجين؟ هذا كلام متناقض لا بد أن هناك خطأ ما. أجل فني الصيانة هو السبب، ليست مشكلتنا نحن، نحن مستشفى محترم يا سادة و لدينا شهادة الجودة. لقد رفعنا قضية على شركة الصيانة و نطالب بالحد الأعلى من التعويض.
....
.....
الممرضة تكرر اسمك في ملل، تشير لك لتتبعها إلى عيادة الطبيب، يفحصك على عجل يطلب عدداً من التحاليل و يقول لك لابد من أخذ عينة من الغدة، العملية بسيطة و سريعة و من الممكن أن تجريها تحت التخدير لو أحببت. تتوجس قليلاً و تتلعثم يقاطعك متابعاً:
-لا تقلق من شيء صدقني الموضوع بسيط و نحن مستشفى كبير و نجري عشرات العمليات كل يوم.
تهز رأسك.. أنت في قلعة الطب الحصينةلا زالت تُسكِرُك الديكورات الفاخرة و الموظفة الحسناء و المنضدة الخشبية الداكنة و وجوه الأطباء المبتسمة في الإعلانات، توافق على العملية و تخرج مع الممرضة لإنهاء الإجراءت تقول لك بصوت هامس ودود "لا تخف"
و تتظرف أنت و تجيب" لا أحد يموت قبل أجله" ..لكن هاتفاً خفياً في زوايا مخك يبدأ بالنحيب وهو يهتف..
وحدووووه!