الثلاثاء، 26 فبراير 2013

و أُغلقت "الندوة" بالسلاسل..!



للمدن كما للناس، شخصية و روح و ذاكرة و ذكريات، و لها كما للناس أيام إقبال و بهجة، و كذلك أيام حزن و أسى و انكسار. المدن كما الأمهات تفخر بأولادها و برهم، و تغضب و تتألم لعقوقهم و جحودهم. لكنها لا تتكلم، تبتلع أساها في صمت و تبات و في حلقها غصة، غصة مرة عميقة لا تتزحزح!
ثمة أمر غير مريح من البداية، أمر غامض يدعو للريبة في ما جرى و يجري لصحيفة الندوة، منذ رمضان الماضي و تلك الأخبار الغامضة عن تطوير الجريدة و الوعود الباذخة بـ"انتشال الصحيفة من كبوتها..و دفعها إلى الأمام لتنافس كما كان عهدها منذ أوائل صدورها"
و رغم الوعود و رغم  زيادة رأس مال المؤسسة من عشرين إلى مئة و خمسين مليون ريال فإنني لم أشعر بالارتياح
لم أشعر بالارتياح و الشائعات تتوالى عن تغيير اسم الجريدة حيناً و تصفية طاقمها  و نقل مقرها إلى خارج مكة حيناً آخر، لكنني كنت أفزع بآمالي إلى الكذب، فلا يعقل أن يقر أبناء مكة المكرمة بذبح و تصفية رئة مكة و تراثها الثقافي بهذه السهولة. و لا يعقل أن يطغى الحس التجاري للحظة الراهنة على الأفق الواسع و الإرث الضخم الذي تحمله الندوة الكيان و التاريخ و الهوية. فالصحف و المجلات ليست مشاريع تجارية بحتة، و لا تقاس أهميتها بعدد الريالات التي تدرها على مالكيها، و أسوأ ما يمكن أن يحدث لصحيفة ما أن يديرها تاجر يطغى حسه التجاري على الفكر و الرسالة الإنسانية التي تحملها الصحيفة.
كنت أتسأل مستنكراً لماذا التنكر لاسم (الندوة) و الإصرار العجيب على تغيير الإسم و البدء باسم جديد و عدد رقم صفر؟ لكنني فوجئت أن الأمر تعدى ذلك إلى التملص من كل ما يخص الصحيفة الأم و موظفيها، فالمؤسسة التي رفعت رأس مالها  إلى ١٥٠ مليون ريال سرحت طاقم التحرير في الجريدة بالكامل دون أن توف بحقوقهم المادية و  ألجأتهم إلى ساحات المحاكم ليصدر أمر قضائي بإغلاق مقر  الجريدة حتى توفي إلتزاماتها تجاههم، و قامت الشرطة بالفعل بإغلاق بوابةالجريدة بالسلاسل!.
هل تتخيلون مدى رمزية هذه الصورة،  الجريدة القديمة و العريقة و الوحيدة التي تصدر من مكة المكرمة و التي شهدت صولات و جولات و أيام سعد و نحس و حياة و أخبار و مداولات لأكثر من خمسين عاماً، تبات حزينة خاوية و شرطي يغلق بابها بالسلاسل بعد أن ضاق بأبنائها الحال و تشردوا بلا عمل و لا حقوق.
من العبث أن نسأل أين ذهبت المئة وخمسون مليوناً؟ و كيف ظل مجلس الإدارة متفرجاً على هذه المهزلة؟ و هل هذا هو التطوير الذي سينتشل الجريدة من كبوتها؟ و أين هي وزارة الإعلام عن ما يجري؟
لقد صرح معالي وزير الإعلام وقت زيارته للندوة قبل سنوات "انه لو غادر الوزارة ولم يكن له انجاز غير تطوير (الندوة) لكفاه ذلك.”
يا معالي الوزير .. لقد تم وأد الندوة و إغلاقها بالسلاسل..و أنت لم تغادر الوزارة بعد فماذا أنت فاعل؟!

الأربعاء، 13 فبراير 2013

الزائر المهذب!



ذلك الألم..ليس قوياً نابضاً و ليس سطحياً عابراً.
هو خفيف لدرجة أن لا يقطع عليك استغراقك في عملك، لكنه عميق و ثابت كأنه يحذرك أن تستخف به، كأنه يحمل لك رسالة بأن شيئاً ما على وشك الحدوث...
ألم متقطع يغيب كثيراً و يعود حين يعود في نوبات متتابعة كأنه وميض محطة القطار ينبئ أن القطار قادم و أن الرحيل قريب.

يخبرك مع ذلك أن لا تفزع الآن لأنه آت للتحذير فحسب، و أنه سيعود قريباً لإنهاء إجراءات الرحيل..

 عندها..لا تقبض على صدرك بقوة..لن يجدي ذلك نفعاً..ساعة الرحيل عليك أن تكون أكثر تركيزاً.
 تناس الألم القادم ..الألم لم يعد يخصك..
اللهاث و الجوع للهواء و الخدر في الكتف و الساعد ..لا شيء ينتمي لك..فقط لملم أذيال روحك و هذبها بلطف و أنت ترحل..اجمع ذكرياتك الحميمة..لحظات السعادة النادرة..و وجوه أحبابك الباسمة ...ولا تنس أن تشكر زائرك المهذب فلولاه لكنت أقل استعداداً لهذه اللحظة الآن!


الثلاثاء، 12 فبراير 2013

المكتئبون قادمون!



كان لشخيره صوت عالٍ، يبدأ مكتوماً و متقطعاً في البداية ثم يرتفع فجأة كأنه شهقة توحي  بأنه على وشك الاختناق و بأنه سينهض من نومه مذعوراً، لكن لا شيء من ذلك يحدث، ثوان قليله من السكون ثم تعود نغمة الشخير المرتفع لتعزف مجدداً.
كان ينام كثيراً كذلك، ينام ما يزيد عن أربع عشرة ساعة في اليوم، و يغيب بانتظام عن المحاضرات و الدروس العملية.
كل ذلك كان طبيعياً ولا يلفت النظر، بل و يكاد يكون معتاداً في فئة عريضة من رفقائه في السكن الجامعي، حيث يتقاسم الجميع شعور الغربة و الإحباط بدرجات متفاوتة تجعلهم يتعاطفون مع بعضهم بعضاً و يلتمسون لأنفسهم الأعذار مهما بدا الخلل كبيراً.
لكن ذلك التعاطف لم يدم طويلاً، قضت عليه زجاجة دواء وجدوها في غرفته و هو نائم، و بقليل من الجهد عرفوا أنها دواء لمرض نفسي، للاكتئاب تحديداً. و رغم أنهم كلهم طلاب في كلية الطب إلا أن ردة فعلهم كانت بدائية جداً، تعكس عمق التربية السلبية التي نحملها عن المرضى النفسيين.
لم يجرؤ أحد على مصارحته، لكنه عرف بالتأكيد، عرف من حذرهم الزائد في التعامل معه، من ضحكهم و مزاحهم الذي اختفى، من نظراتهم المختلسة التي يطالعونه بها عندما يوليهم ظهره، ربما لأجل ذلك رحل، فضل أن يترك الكلية و السكن و المدينة، و لم يعرفوا عنه شيئاً بعدها.
كم واحد أصيب بالاكتئاب من بعده؟ كم واحد منهم كان مصاباً به بالفعل دون أن يعرف؟ كم واحد تغير مجرى حياته و مستقبله و ربما نحى نحو التطرف أو الانحراف لأنه لم يجد من يشخص حالته و يدله على الطريق؟
حسب الإحصاءات فربما تكون قد أصبت بنوبة كآبة من قبل دون أن تشعر أو أنك تمر بها الآن أو في المستقبل، تلك النوبات قد تكون خفيفة تقتصر على شعور بالحزن و الرغبة في العزلة و عدم الابتهاج بالمناسبات السعيدة و ربما اضطرابات في الأكل و النوم، و في غالب الأحيان تمر بدون اضرار كبيرة لكنها إن استمرت فترة طويله فإنها تتفاقم و تتحول إلى اكتئاب مزمن أو اكتئاب حاد وقد تنتهي بآثار مدمرة مثل الانفصال عن الشريك أو ترك العمل أو الانتحار لا قدر الله.
تخيل مقدار الخسائر الكارثية في المجتمع التي تنتج عن قرارات اتخذها مصابون بالاكتئاب، و ربما ارتكبوها دون أن يعلموا أنهم كذلك، تخيل عدد المشاحنات المنزلية، القرارات الخاطئة في العمل، حالات الطلاق، الإدمان، الحكم المتطرف على الناس،الميل للإيذاء و الانتحار؟
الاكتئاب يا صديقي مرض عضال يحتاج تشخيصاً مبكراً و علاجاً مبكراً و الكثير من التوعية و الدعم للمريض و المجتمع. كما أنه ليس له علاقة بصلاح الإنسان و درجة تدينه، و ليس بالضرورة أن يكون سببه نفسياً من الأساس فقد يأتي مصاحباً لكثير من الأمراض العضوية الأخرى
لقد حان الوقت لنفتح الصندوق، لنتحدث بصراحة و دون خجل عنه و عن طرق الوقاية و العلاج فثمن الاعتراف بالمرض أفضل بكثير من المكابرة و مواصلة تحمل خسائرة الباهظة إلى الأبد!


ثمان نصائح للكُتَّاب من باولو!


هل يحتاج الكاتب إلى نصائح كي يكتب؟ ألا ينبغي للكاتب أن يبتكر أسلوبه و نمطه الخاص في الكتابة؟
أليست الكتابة عملاً إبداعياً متفرداً يحمل روح و خصائص كاتبه؟ لماذا إذن يحرص الكتاب على تقديم النصائح لبعضهم البعض؟ و لماذا تلاقي بعض تلك النصائح رواجاً كبيراً بين القراء؟ هل هو نوع من الفضول الذي يدفع القراء لاستكشاف العوالم الداخلية للكاتب و الطقوس التي يمارسها لاستحضار النص و الفكرة؟ أم أن الكتاب و القراء يتصرفون كأصحاب (الصنعة) الذين يتبادلون الأفكار و الخبرات حول صنعتهم و ما الذي يجدونه مبهراً و مثيراً للاهتمام أكثر من سواه؟.
الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو صاحب الروايات الأكثر مبيعاً و مؤلف الرواية الشهيرة (الخميائي) نشر مؤخراً تدوينة تحتوي لمحات عن وجهة نظرة في الكتابة الابداعية بشكل عام و رأيه في الأساليب الحديثة التي يستخدمها الكتاب هذه الأيام، و عنون لكل نصيحة بعنوان صغير جعله محورا لها، نوردها بتصرف بسيط لتقريب المعنى :

١- الفخر: عندما تنشر كتاباً عليك أن تكون فخوراً و واثقاً في ما كتبت، إن لم تقدر ما تكتب و تفخر به فلن يحظى كتابك التالي بتقدير من أحد.

٢- الثقة: كن واثقاً في قرائك، لا تحاول أن تشرح و توضح كل شيء بالتفصيل، اكتف بتقديم تلميحات و سيقوم القراء بملء الفراغ مستخدمين خيالهم. فقط امنحهم ثقتك.

٣- الخبرة: لا تستطيع أن تستخرج شيئاً من العدم، عندما تقرر أن تكتب أكتب عن شيء تعرفه جيداً. استخدم خبراتك الماضية و استخلص منها ابداعك.

٤- النقاد: الكتاب يحاولون دائماً إرضاء النقاد، يحاولون أن يكونوا موضع احترامهم و تقديرهم، انس ذلك الأمر تماماً و اخرجه من ذهنك. لا تهتم برأي النقاد لأن رأيهم لا يهم أحداً!. كن أكثر حرصاً على بث روح إبداعك عبر النص و مشاركة الآخرين تلك الروح بدلاً من حرصك على إرضاء زملائك من الكتاب.

٥- تدوين الملاحظات: إذا أردت أن تصطاد الأفكار فسوف تفقدها، سوف تفقد الإحساس باللحظة و ستنسى أن تعيش حياتك. ستتحول إلى مراقب للحياة بدلا من أن تعيشها. انس تدوين الملاحظات، ما هو مهم سيبقى في الذاكرة و ما هو دون ذلك سيمضي في طريقه.

٦- الأبحاث: إذا أثقلت كتابك بالكثير من المعلومات سيصبح مملاً لك و مملاً لقرائك. أنت لا تكتب لكي تظهر للقراء مدى ذكائك و غزارة معلوماتك بل تكتب لتشاركهم روحك!

٧- الدافع للكتابة: أنا أكتب الكتاب الذي يناديني لكتابته، خلف الجملة الأولى هناك خيط خفي يقودك إلى الجملة الأخيرة.

٨- الأسلوب: لا تحاول أن تبتكر أسلوباً جديداً كي تقول القصة، فقط أرو قصة جيدة و سيكون لها مفعول السحر، الكثير من الكتاب يبذلون جهداً كبيراً بحثا عن اسلوب جديد ليقولوا نفس الشيء ليصبح الأمر أشبه بعرض الأزياء، أسلوب الكتابه هو الرداء لكن الرداء لا يغير طبيعة من يرتديه.

كانت تلك هي نصائح باولو، فهل تراها منطقية؟ و هل لديك نصائح أخرى؟ فضلا لا تبخل بها علينا.


الجمعة، 1 فبراير 2013

في بلاد العميان!


كان مغامراً جسوراً يقوم برحلة لتسلق جبال الأنديز العالية، زلت به القدم و هوى في واد سحيق. لكنه لم يمت،سقط فوق تلة ثلجية حمته كأنها سحابة، و قام سليم الجسد لكن كان في انتظاره مفاجأة عجيبة، كانت قدمه تطأ أرضاً معزولة منذ مئات السنين، و لدهشته وجد قرية غائره في عمق الوادي تحجبها الأشجار الكثيفة، كانت منازلها بلا نوافذ، و جدرانها مطلية بخلط عجيب من الألوان يوحي بفساد الذوق، بعد قليل و عند مقابلته لأهالي القرية اكتشف أن جميعهم "عميان" و أنهم لا يعرفون معنى كلمة "بصر" كانت محاجرهم ضامرة و بلا أهداب، لذلك ظلوا يتحسسون عينيه بتعجب و دهشة، حدث نفسه بأنه سيصبح زعيمهم بلا شك، ففي بلاد العميان يصبح الأعور ملكاً كما يقول المثل. لكنه واجه صعوبة و هو يشرح لهم معنى البصر، معنى شروق الشمس و تجلي القمر اعتبروه مجنوناً يهذي، أخذوه إلى هيئه حكمائهم، أخبره الحكماء أن ما يقوله مس من الشيطان و أنه سيتعلم الحياة الجديدة معهم، أخبروه أن اليوم ينقسم إلى دافئ و بارد و أنهم يعملون في البارد و ينامون في الدافئ، فهم أنهم يعنون الليل و النهار، أخبروه كذلك أن هناك ملائكة تحوطهم يسمعون أصواتها و لكن لا يستطعيون لمسها، عرف فيما بعد أنهم يعنون الطيور. أخبروه كذلك أن سقف العالم محاط بالصخور، و عندما اعترض و قال إن العالم لا سقف له و أن هناك سماء مفتوحة اتهموه بترديد أفكار شيطانية و كادوا يفتكون به لولا أن منحه الحكماء فرصه للتوبة.
حاول في الأيام التالية أن يثبت لهم أهمية البصر، أخبرهم أنه يستطيع أن يعرف ما يجري أمام منازلهم سخروا منه و طالبوه بأن يخبرهم بما يجري داخل منازلهم إن كان ذا موهبة حقيقية.
حاول أن يتمرد عليهم، لكن محاولاته باءت بالفشل، و عندما يئس أعلن توبته. قبل "يعقوب" أن يجعله خادما في حقله، بعد أشهر و قع في حب ابنه يعقوب، كانت تستمع لكلامه عن البصر بدون أن تتهمه بالجنون، تقدم لخطبتها، عارض اخوتها تزويجها لهذا الأحمق الذي يهذي، استشار يعقوب الحكماء، فكر أحدهم و كان أيضاً طبيب القرية، ثم قال هذا الرجل مريض، لكن من الممكن أن يشفى.
تصاعدت آمال يعقوب قبل أن يضيف الحكيم: هذا الرجل لديه انتفاخان في محجريه يسميهما عينين تتحركان كثيراً و لهما تلك الأهداب، هذان الانتفاخان سبب مرضه و لو أزيلتا فإنه سيشفى و سنسمح له بالزواج من ابنتك!
........

هذا ملمح من قصه بلاد العميان للكاتب هـ. ج. ويلز. ، وهي عبقرية في رمزيتها، فالعميان قد يكونوا أفراد أي مجتمع انغلقوا على ذاتهم، و رضوا بظلام جهلهم و عاداتهم فلم يعودوا يرون النور في أي مكان آخر، العميان هم المتعصبون الذين لا يقبلون الآخر مالم يؤمن بأفكارهم و يصبح أعمى مثلهم
ترى كم هي درجة صحة نظر مجتمعنا؟ و كم من مبدع و ناصح فقأنا عينيه لأننا نعتقد أنه جاهل أو مجنون؟



قبل أن ترجموا الموظف!


ما هو شعورك عندما تعرف أن عليك أن تراجع دائرة حكومية ما لإنجاز معاملة؟ لا شك ستتوتر و تصاب بالضيق، ستبحث في قائمة معارفك و أصدقائك عن شخص يعمل هناك، حتى يقيك أو يهون عليك مشقة ذلك المشوار الكئيب.

كل خطوة تمشيها في أروقة الإدارة الحكومية تلك تثير في ذهنك الكثير من الأسئلة، لماذا يعاملني الموظف بهذا الشكل؟ لماذا لا يكون أكثر نشاطاً و إخلاصاً في عمله؟ لماذا علي أن أترك عملي ومصالحي لأتابع عملاً روتينياً كئيباً ينجزه الآخرون بضغطة زر ؟
ستظل مغموراً في دوامة أسئلتك الساخطة لساعات أو لأيام، ثم تعود بعدها لعملك، عملك الذي هو في الغالب وظيفة حكومية مشابهة، لكنك بالطبع لن تلاحظ التكشيرة التي على حاجبيك، و لا نبرة الضجر في صوتك و لا ساعات التأخير و الغياب التي قضيتها مؤخراً بعيداً عن وظيفتك، لن تلاحظ كل ذلك و أنت تؤدي مهام عملك و تقابل مراجعيك أو طلابك أو مرضاك(حسب ما تكون وظيفتك).

أنت و أنا ياصديقي و ربما كلنا نمارس دور الضحية و الجلاد في ذات الوقت، نتبادل الأدوار و نكرس دائرة الضيق و السخط من بعضنا البعض دون أن نشعر. رغم أن ما يسبب سخطك و ضيقك هو ذاته ما سبب سخط الجميع لكن لا أحد يضع يده على السبب الحقيقي و نظل جميعاً نتهم بعضنا البعض بقلة الإخلاص و ضعف الإيمان.
الموظف مهما كانت صفاته الشخصية يظل إبن بيئته،إبن الأنظمة و القوانين التي تحكم هذه البيئة، ترتفع إنتاجيته و رضاه عن عمله بقدر شعوره بالإنتماء له و التقدير لمجهوداته، بقدر إحساسه بأنه شريك في نجاح المنشأة التي يعمل بها لا مجرد عالة عليها.
أنا و أنت و كثيرون غيرنا، ضحية أنظمه عمل جامدة و قديمة، ضحية وزارة خدمة مدنية تعاملنا كأتباع لا كشركاء، و رغم أننا أول المتأثرين بسياساتها فهي لم تكلف نفسها في أي يوم من الأيام كي تستشيرنا في قرار أو تختبر رضانا عن لوائحها، فضلاً عن أن تشركنا في ورشة عمل لتطويرها أو تغييرها. سواء كنت موظفاً إدارياً، أو معلماً أو مهندساً أو طبيباً. فأنت تعرف أن درجتك و راتبك لن يتأثرا بمجهودك الذي تبذله، و أن ترقيتك ليست مرهونة بمؤهلاتك بقدر ارتهانها لتوفر رقم وظيفي لا تعرف آلية توفيره و لكنك تعرف أن الحصول عليه شاق و يتطلب أشياء كثيرة خلاف تلك الموهلات.
حتى التغيرات الموعودة في كادرك الوظيفي أنت لا تعلم عنها شيئاً و لا تدري في أي سرداب دخلت و لا متى ستخرج لأن أحداً لا يستشيرك و لا يهتم برأيك فضلاً عن أن يجعلك شريكاً في التعديل أو التطوير فكل ما عليك هو أن تقبل و تنفذ في صمت.
أيها السادة.. اجعلوا الموظف شريكاً في تقرير مصيره..ثم ارجموه بما شئتم من التهم!