الخميس، 16 أبريل 2015

أحزان الشيطان!

جدلية العلاقة بين الإنسان والشيطان واضحة ومحسومة بنص القرآن الكريم، فإبليس عدو لآدم وذريته، احتقره وأبى أن يسجد له وجعل مهمته التي قبل أن يدخل النار بسببها هي إغواء بني آدم ودفعهم إلى سبيل الهلاك. وللأدباء على مختلف مشاربهم التقاطات بارعة في تناول شخصية الشيطان الذهنية وتطويعها لتكون نصاً أدبياً مدهشاً ولافتاً، تحضرني هنا روايتان تناولتا شخصية الشيطان بطريقتين مختلفتين جداً لكنهما تتفقان في ذات المغزى، الرواية الأولى للكاتبة البريطانية ماري كورللي، التي تتحدث عن أديب بالغ الفقر ولم يكن يجد قوت يومه، فتهبط عليه فجأة ثروة من السماء، وفي ذات الوقت يظهر شخص غامض في حياته ويصبح مرافقاً شخصياً له، ذلك الشخص الغامض بالغ الثراء والوسامة، ويقدم له نصائح مالية مربحة جداً، لكنه في ذات الوقت يزين له فعل أمور مشينة بطريقة غير مباشرة، وشيئاً فشيئاً يتدخل في كل تفاصيل حياته حتى يصبح شخصاً آخر مختلفاً تماماً عن الفقير الحالم الذي كان، ورغم الثراء والجاه الذي حازه إلا أنه يكتشف أنه تعيس جداً وأنه فقد موهبته الأدبية وأن زوجته تكرهه بعنف، وعندما يبدأ بلوم صديقه الغامض يصارحه الأخير بالحقيقة، فيقول له أنا لا سلطان لي عليك، أنت الذي تختار وأنت الذي تقرر، كل رذائلك هذه كانت مخبوءة داخلك وقد أظهرها المال فقط للعيان كي تعرف حقيقة نفسك، لكنني أمنحك فرصة أخيرة للتراجع. هل تنوي التراجع لتعود كما كنت قبل أن تعرفني؟ ورغم حيرة البطل لكنه يختار الإيمان، فيختفي صديقه الغامض وتتبخر الثروة معه فيعود فقيراً مُعدماً، لكنه سعيد باسترجاعه إنسانيته. في الرواية الأخرى (الجسم الكروي) الأكثر عصرية التي كتبها المؤلف الشهير مايكل كرايتون صاحب رواية «الحديقة الجوراسية» يكتشف سلاح البحرية الأمريكي سفينة فضاء غارقة في قلب المحيط، وتدل طبقات النباتات والتربة التي نمت فوقها أنها ترقد هناك منذ أكثر من 300 عام، أي قبل أن يخترع البشر أول طائرة بمحرك، فضلاً عن أن يفكروا في غزو الفضاء، يقوم فريق علمي بالغوص داخل الأعماق والتجول داخل السفينة، هنا يجدون حاسوباً كبيراً متطوراً على شكل كرة عملاقة، ويتفاجأون بقدرة الحاسوب على التجاوب معهم ومحاورتهم، وفي ذات الوقت تتكرر معهم حوادث مريبة داخل السفينة، وبتطور الأحداث يكتشفون أن ذلك الجسم الكروي يستطيع قراءة أفكارهم والتلاعب بهم، بل ولديه القدرة على تجسيد خيالاتهم الشريرة على أرض الواقع، فإذا تمنى أحدهم في خياله أن يحدث مكروه لزميله داخل السفينة فسرعان ما ينفذ الحاسوب ذلك، أي أن الحاسوب عاد هنا ليجسد فكرة الشيطان الذي يحمِّله البشر وزر خطاياهم، في حين أنه لا يفعل شيئاً سوى مساعدتهم على الغواية الموجودة في داخلهم منذ البداية. وتنتهي الرواية بنجاة الفريق بصعوبة بعد أن اكتشفوا مدى خطورة ذلك الشيء الشيطاني الذي على الأغلب تخلص منه أهل المستقبل بإرساله إلى الماضي اكتفاءً لشره.
في الروايتين نجد أن الشيطان يتجسد كصديق لطيف وجذاب، وأنه يستدرج البطل نحو كوارث لم يكن يتوقعها، وعندما تحين لحظة الحقيقة يتملص الشيطان من مسؤليته تجاه تلك الكوارث ويحمِّل إثمها لمرتكبها الحقيقي وهو الإنسان الذي سرعان ما يتوب ويتراجع.
نفس القصة القديمة منذ بدء الخليقة تعاد مراراً، لكن وحده الأدب الحقيقي هو ما يجعلنا نتناول الوجبة ذاتها باستمتاع تام في كل مرة كأنها وجبة جديدة وطازجة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق