
كان حذاء بالياً ملقىً بإهمال أمام عتبة دارها، حذاء أحمر بكعب عالٍ و عقدة على شكل فراشة. يذكر أنه امتدح هذا الحذاء ذات يوم عدما كانت ترتديه مع رداء ابيض ذي نقط حمراء صغيره تزين الكتفين و الصدر، بدا الحذاء وقتها متناغماً جداً مع الرداء و الورده التي استقرت في شعرها و الابتسامه المرحة في ثغرها و الجو الربيعي في الحديقة التي كانا يتنزهان فيها سوياً كلما شعرا بلهفة اللقاء. كان الحذاء يبدو مرحاً و سعيداً هو الآخر، كان جلده الأحمر مشدوداً تكسوه لمعة خفيفة واثقة من أمرها، و الفراشة الصغيرة على مقدمته تكاد تفرد جناحيها الافتراضيين لتحلق عالياً مع كل قفزة مشاغبة من قدمها، لم يكن الحذاء السعيد يعلم أي مصير ينتظره. ولم يتخيل ما سيصبح عليه الآن...
الآن و قد لوحته الشمس بشدة، و تحول الجلد اللامع المشدود إلي خريطة باهتة مليئة بالشقوق و التعرجات كبشرة عجوز. و اللون الأحمر الواثق انسحب متوارياً الى الزوايا و الأطراف الصغيرة الملاصقة للقاعدة، و ترك خلفه لونا ورديا مترددا أنهكته سياط الشمس الحارقة فعجز عن ملء الفراغ الذي تركه الأحمر له، في حين تدلت أطراف العقدة -التي كانت فراشة- بعد أن انفكت على واجهة الحذاء فبدت زائدة و بالغة القبح خصوصاً و قد انقلب جلدها على ظهره فبانت بطانته سوداء خشنة و محملة بالغبار.
تأمل الحذاء ملياً، قلبه بين قدميه ثم شعر بنوع من الشفقه نحوه، انحنى و رفعه بين يديه، تمعن عن قرب في التشققات و التعرجات التي كست بشرته الجافة، كانت قاعدة الحذاء توشك أن تنفصل هي الأخرى بعد أن ذوبت الشمس صمغها و نثرته على حواف الحذاء. مرر أنامله على مقدمة الحذاء مسح شيئاً من الغبار العالق عليها. لامست أصابعه الطرف المتدلي لعقدة الفراشة فانفصلت في يده عن مقدمة الحذاء.
(لقد عاملتك بقسوة) همس للحذاء..
حمله تحت ذراعه و استدار عائداً متجاهلاً جرس الباب الذي أتى لقرعه محملاً بعبارات استفهام كبيره عن سر تجاهلها لاتصالاته المتكررة بها!