صاحب صدور الجريدة
التي بين يديك عزيزي القارئ نقاش و جدل
ثري حول مستقبل الصحافة الورقية، و كان
ذات السؤال يطرح كل يوم تقريباً ليجيب
عليه كتاب مختلفون بآراء مختلفة.
ترى هل لازال هناك مستقبل للصحف
الورقية؟ أم أن الزمن تجاوزها و باتت
رهينة الماضي؟
لا أنكر هنا أن
الجدل كان مثمراً و مفيداً و استعرض كل
طرف معلوماته و رؤيته الشخصية التي لا
تخلو من وجاهة في معظم الأوقات.
لكن شيئاً ما في مجمل الموضوع كان
يبدو لي ساخراً و غير جدي.
هاجس ماكر في داخلي يخبرني أن لا أحد
ممن كتب في الموضوع يؤمن تماماً بما يقول
لا أصحاب المدرسة القديمة ولا الجديدة،
ثمة أمر تواطأ الجميع على إخفائه و الإعراض
عنه و التظاهر بأنه غير موجود، أمر يختص
جوهر الصحافة الحقيقية التي يتحدثون
عنها، و هل هي موجودة لدينا بالفعل حتى
نناقش أي قوالبها أفضل الورقي أم الإلكتروني؟
ذلك الهاجس الماكر كان يلح علي في كل مرة
ليقول لي إنهم يعرفون كل شيء و يتظاهرون
بالعكس. يعرفون
أن هناك فرق بين الصحافة القوية صاحبة
التأثير و السطوة و الرؤية الثاقبة و
الصحافة منزوعة الدسم التي نتحاور حولها.
إن المفاضلة بين
الصحافة الورقية و الإلكترونية هي
كالمفاضلة بين أي الطريقتين أفضل لطهي
الدجاج و هل الشواء يمنحه طعماً أفضل أم
القلي، في حين أننا لا نملك دجاجاً حقيقياً
و أن كل ما لدينا في أفضل الحالات هو
مكعبات مرقة الدجاج و التي لا تصلح إلا
لصنع حساء بنكهة الدجاج لا أكثر.
صحيح أن ذلك الحساء
لذيذ الطعم في معظم الأحيان و صحيح أنه
خفيف على المعدة و لا يصيب بالتلبك، أو
عسر الهضم. و ربما
تقتنع بجودته و فضله على أطعمة الدجاج
الأخرى التي تقدم في المطاعم الخارجية،
و التي لا تضمن سلامتها من الأمراض أو
تشبعها بالدهون الضارة.
و سيتحول اقتناعك إلى إيمان كامل لو
كانت (أم العيال)
المصونة هي من يقدم وجبة الحساء تلك
وهي من يحاول إقناعك على الدوام بجدواها.
لكنك لن تستطيع رغم كل الترغيب و
الترهيب الذي تمارسه أم العيال أن تقاوم
شوقك إلى وجبة دجاج حقيقية، غنية بالبروتين
و الدسم، ستهرع دوماً إلى أقرب مطعم في
كل مرة تحدثك نفسك بحاجتها إلى وجبة من
الطعام الحقيقي، خصوصاً لو كان يقدم
بطريقة جذابة و بنكهة حراقة غنية بالبهارات،
ستحتمل تأنيب أم العيال و اتهامها لك
بالخيانة، و ستحتمل مشاكل حرقة المعدة
المصاحبة للوجبة الدسمة، و ربما تشعر
بتأنيب الضمير تجاه فعلتك التي فعلت لكنك
تدرك في قرارة نفسك أنك لا بد عائد لتناول
تلك الوجبة، لن تهتم عندما يستبد بك الجوع
نحو الدجاج الحقيقي إن كان مشوياً أو
مقلياً أو حتى مطهواً على البخار، ستقبل
أن تجرب كل شيء شريطة أن يكون مُشبِعاً و
دسماً و مطهواً بطريقة جيدة تجعله لذيذ
الطعم.
و بالعودة لموضوعنا
الأساسي نجد أن ذات المواصفات الضرورية
لوجبة الدجاج تنطبق بشكل أو بآخر على
الصحافة، فالقارئ يبحث عن صحافة قوية
النكهة، مشبعة بالمعلومات، مبهرة في
الصياغة و خالية من الأكاذيب.
صحافة يعلم أنها لن تضلله عند ذكر
الحقائق، و لن تتبنى وجهة نظر (أم
العيال) على طول
الخط حتى لو كانت على خطأ.
القارئ أصبح يملك القدرة على ارتياد
المطاعم الأخرى و يستطيع كلما اشتاق
للمعلومات الدسمة أن يغير القناة و يلجأ
للمطاعم الأجنبية مهما حذرته (أم
العيال) من ضررها.
قد يصبر القارئ على حساء الدجاج منزوع
الدسم لأنه الأسهل و الأكثر توفراً ،خصوصاً
عندما يكون مريضاً و غير قادر على الأكل
الدسم، أو لأنه يوقر أم العيال و لا يرغب
في معارضتها. وذلك
القبول قد يكون خادعاً لأم العيال و الحماة
اللتان قد تقتنعان لبعض الوقت أن الرجل
قد استكان و استسلم و رضي بالمقسوم.
لكنهما في ذات الوقت تعلمان علم اليقين
أنه يجامل و أنه يغش مهما ادعى الولاء و
أن السمنة البادية عليه مصدرها وجباته
التي يتناولها في الخارج معظم الوقت.
لذلك فهما تعرفان أكثر من غيرهما أن
إقباله على الحساء بنكهة الدجاج لا علاقة
له بجودة الحساء ولا بقدرته على منافسة
المطاعم الأجنبية و أن أي خلاف يحدث مع
أم العيال مستقبلاً سيفضح المستور و يكشف
ستائر الوهم التي يفضل الجميع الحفاظ
عليها تجنباً للحرج
في الأسبوع القادم
نتحدث عن مميزات حساء أم العيال وكيف ظل
صامداً فوق المائدة حتى الآن؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق