ثمة حديث يدور في
الوسط الطبي بشكل متكرر عن عمل الأطباء
الحكوميين في القطاع الخاص خارج أوقات
الدوام الرسمي. و
هل ذلك العمل مقبول و مبرر أخلاقياً أم
أنه يعد تجاوزاً على الأعراف المهنية و
الالتزام الوظيفي؟ ذلك الحوار يزداد
سخونة هذه الأيام خصوصاً عندما يكون أحد
أطرافه عضو هيئة تدريس بإحدى الكليات
الصحية حيث أنه الطبيب الحكومي الوحيد
الذي يكفل له النظام حق العمل في القطاع
الخاص بشكل رسمي خلاف باقي الأطباء في
القطاعات الأخرى عسكرية كانت أو مدنية.
وسبب سخونة الحوار في هذه الفترة
بالذات هو الإجراءات المشددة التي اخذت
وزارة الصحة في تطبيقها تجاه منع الأطباء
الحكوميين بمن فيهم الأكادميين من العمل
في القطاع الخاص.
ترى هل المنع
الصارم الذي تطبقه الوزارة هدفه مصلحة
المرضى أم أنه تطبيق محايد للنظام بغض
النظر عن تداعياته؟
المؤيدون للمنع
يرونه ضرورة لوقف التسيب و الفوضى الحاصلة
نتيجة خلط الطبيب بين العمل في القطاعين
و يرون أن عمله في القطاع الخاص يؤثر على
إنتاجيته و إخلاصه في العمل الحكومي و
يسمح لضعاف النفوس بتحويل المرضى من
العيادة المجانية إلى العيادة الخاصة
طمعاً في مزيد من الكسب و هو ما يجب أن
يحارب بحزم حرصاً على مصلحة المرضى.
من جهة أخرى يرى معارضو قرار المنع
أن الوزارة تحرمهم من حقهم الطبيعي في
ممارسة المهنة خارج أوقات الدوام و أنهم
يقدمون خدمة ضرورية للمجتمع هو في أشد
الحاجة لها و أن علاجهم للمرضى يتم بأمانة
و إتقان و خبرة عالية يفتقر إليها الأطباء
الآخرون القادمون من خارج البلاد و الذين
تظل شهاداتهم موضع شك في كثير من الأحيان،
و يستشهدون بإحصائيات الهيئة السعودية
للتخصصات الصحية عن عدد الشهادات المزورة
التي يتم اكتشافها كل عام في القطاع
الخاص. و يرون
كذلك أن تعميم الاتهام لكل الأطباء بعدم
النزاهة أمر فيه كثير من التجني و لا ينطبق
إلا على فئة محدودة من الناس تستطيع أن
تتفنن في إختراق أي نظام مهما كانت صلابته.
ترى أين يكمن
الخلل؟ و أي القرارين أفضل لمصلحتي كمريض
و كمواطن بعيداً عن نظرة الأطباء الخاصة
بمهنتهم؟ هل من الأفضل لي أن يسمح للأطباء
الحكوميين بالعمل في القطاع الخاص؟ أم
أنه من مصلحتي حصرهم للعمل في القطاع
الحكومي وحده؟ أي القرارين يسهل حصولي
على الرعاية الطبية بجوده أعلى و تكلفة
أقل؟ أيهما يمنحني حرية أكبر في تقرير من
أستشير و من أمنحه الثقة في علاجي؟.
لكن قبل الخوض في تلك الأسئلة علينا
أن نطرح أسئلة أخرى أكثر حيادية.
ترى ماهو مستوى الرعاية الصحية لدينا
بشكل عام مقارنة بدول الجوار (الغنية
و الفقيرة)؟ و هل
لدينا العدد الكافي من الأطباء في القطاعين
الخاص و العام الذي يتناسب و عدد السكان؟
و أي القرارين في المستقبل القريب سيكون
أكثر نفعاً لخدمتي في القطاعين؟
دعونا نعود
للإحصائيات، يقول دليل منظمة الصحة
العالمية الأخير و المستقى من بيانات
وزارات الصحة للدول الأعضاء أن عدد الأطباء
في السعودية في القطاعين الخاص و العام
هو ١٦ طبيباً لكل عشرة آلاف نسمة في حين
يبلغ العدد في الأردن ٢٦ طبيباً لكل عشرة
آلاف نسمة و ٢٤ طبيباً في مصر و ٣٣ طبيباً
في لبنان و ٢٨ طبيباً في قطر، أي أن السعودية
بكل ميزانياتها الخرافية و كل برامجها
تظل في مرتبة متأخرة بقطاعيها الخاص و
العام عن تغطية الاحتياج من عدد الأطباء
عن دول أقل بكثير في إمكانياتها المادية.
بمعنى آخر فإن كل ما لدينا من كفاءات
طبية لا يكفي الاحتياج الفعلي و أن ما
نراه من معاناة و نقص في الأسرة و نقص في
إمكانيات العلاج المتخصص ما هو إلا مقدمة
لمستقبل أكثر قتامة إذا بقينا نتعاطى معه
بذات الأساليب التي استخدمناها في الماضي
خصوصاً مع معدل الزيادة السكانية الاستثنائي
في البلاد. إن ما
ستواجهه البلاد من نقص في الخدمات لن يفرق
بين القطاع الخاص و العام و المعاناة التي
سيعانيها أبناؤنا لن تختلف بين بوابات
المستشفيات الحكومية أو الخاصة، و حتى
لو منحتك ريالاتك امتيازاً نسبياً في
القطاع الخاص فإنها لن تستطيع أن تمنحك
خدمة متميزة في ظل طلب متزايد و عرض محدود.
لكن ما علاقة ذلك بعمل الأطباء
الحكوميين في القطاع الخاص؟ لقد تمددت
مساحة المقال قبل أن نلامس طرف الإجابة..
وللحديث بقية في الأسبوع القادم بإذن
الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق