لقد كان
أسبوعاً صاخباً و لا شك، صاخباً و عسيراً على مسؤليي الصحة في البلاد. أسبوع وجدوا
أنفسهم فيه تحت عدسة الإعلام الحارقة و بتركيز عال و في أكثر من قضية ساخنة.
و رغم أن
قضايا الخدمات الصحية كانت و ما زالت إحدى مواضيع الإعلام المفضلة على مدار العام
إلا أن قضية الأسبوع الماضي سجلت عدة سوابق لم يعتدها الناس من قبل،أهم هذه
السوابق أن الشكوى هذه المرة جاءت من أهل الدار أنفسهم، فهي المرة الأولى التي
يتحول فيها المراجع و المريض إلى متفرج يتابع بشغف سجالاً قوياً بين أبناء البيت
الواحد، و يسمع اعترافات و انتقادات صريحة لقصور الخدمات و تعطل المشاريع و
الأخطاء الطبية. إنها المرة الأولى
تقريباً التي تتلقى فيها الوزارة نقداً داخلياً قوياً على صفحات الجرائد و بشهادة
من قيادي في موقع المواجهة الساخنة مع الجمهور، و هي المرة الأولى كذلك التي يسمع
فيها المواطن البسيط صدى لشكواه يتردد داخل أروقة المستشفى بعد أن تعود دهراً على
ردود فاترة موحدة الصياغة و المضمون تقول له إن كل شيء على ما يرام و أن ما حدث
أمر عارض و يحدث في أي مكان في العالم و أن المشاريع المستقبلية التي تم اعتمادها
كفيلة بتغيير كل شيء للأفضل في القريب العاجل. لكن الشكوى هذه المرة جاءت مقرونة بإستقلات توالت بين حائل و
القنفذة و تنوعت بين مدير إدارة المستشفيات و مدير مستشفى و مدير طبي و رؤساء
أقسام و رغم تباعد المسافة إلا أن الشكوى كانت واحدة يمكن اختصارها في كلمتين هما "عدم
التجاوب". و هي العبارة التي تكررت كثيراً في حيثيات الاستقالات، و المثير
للدهشة أن عدم التجاوب هنا كان بين الطبقة العليا المسؤولة عن علاج المرضى و بين
الإدارة المحلية للمنطقة، أي أنه من المفترض أن تكون هناك آليه سلسة لتلبية تلك
الطلبات خصوصاً و هي تصدر من أطباء متخصصين في مجالهم و يتبوأون مناصب قيادية في
مستشفياتهم و في نفس الوقت لا تعاني ميزانية الوزارة أي نقص في الموارد. فأين يكمن
الخلل الذي يجعل مشروع ترميم مستشفى حائل يتأخر عامين و يجعل مدير الشؤون الصحية
في القنفذة يرفض شراء أدوات جراحية لقسم العيون بحجة أنها "غير منطقية" رغم
أن الذي تقدم بها رئيس القسم وهو طبيب إستشاري في تخصصه في حين أن سعادة المدير "طبيب عام"؟
إن مشكلة
القطاع الصحي لدينا معقدة و متداخلة و لا يمكن تحليلها في حديث عابر لكن تعقيد هذه
المشاكل لا يبدو في طريقه للحل قريباً للأسف لعدة أسباب أهمها هو طبيعة النظام
الإداري شديد المركزية و الذي تسير به الوزارة و لا يبدو أنها على استعداد
لمراجعته فضلاً عن التخلص منه. فالطبيعة الهرمية في إدارة المستشفيات لا تكاد تمنح
شيئاً من الصلاحيات للمسؤول المباشر بل تربطها كلها تقريباً بمدير الشؤون الصحية و
تخضع كل الإجراءت الخاصة بالمستشفيات مهما كانت متخصصة لرأيه هو إن شاء أمضاها و
إن شاء تجاهلها. و تلك الهرمية لا تخصص كذلك أي قناة رسمية لإبداء الرأي أو الشكوى
فضلاً عن مناقشة القرار قبل أو بعد صدوره، فرئيس القسم مهما رفع من مرئيات و
تصورات و مهما طلب من تحسينات و إمكانيات تظل كل طلباته غير ملزمة و حبراً على ورق
حتى يمضيها صاحب الرتبة الأعلى في الهرم ثم الذي يليه و الذي يليه و هكذا دون أن
يكون لأي من الذين يلونه ذات الكفاءة أو التخصص. و لكن الحال ينعكس تماماً عند
ورود شكوى من مريض تجاه الإهمال أو التقصير فتجدها تتدحرج من قمة الهرم حتى قاعه
لتقع على رأس ذات الطبيب الذي لم يستجب أحد لطلباته من قبل و يقف وحيداً لمواجهتها
و الرد عليها. و هكذا تستمر الساقية في الدوران بين الأعلى و الأسفل بلا نهاية و
دون القدرة على إمساك الخيط الذي يقود لحل المشكلة من جذورها.
فقط فكر
معي عزيزي القارئ أيهما أكثر أهمية و
تأثيراً على حياة الناس، شركة الاتصالات أم وزارة الصحة؟ لاشك أن الثانية أكثر
أهمية و خطورة. لكن الأولى حظيت بنقلة إدارية جبارة حولتها من "وزارة البرق و
البريد و الهاتف" بكل عثراتها و نتوءاتها إلى الكيان الحيوي عالي الربحية و
الإنتاجية الذي أصبحت عليه اليوم؟ أليست الصحة أولى نقلة مشابهة؟ فالمشكلة في
القطاع الصحي لم تكن في يوم من الأيام مشكلة موارد بقدر ما هي مشكلة إدارة؟ و لن
تحل تلك المشكلة بدعوة الأطباء لترك الإدارة و التفرغ لعياداتهم فقط . لكن تلك قصة
أخرى!
العبارات باللون الأحمر لم تنشر في الصحيفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق