كم مرة سمعت حواراً
مثل هذا من قبل؟ أو ربما كنت طرفاً فيه،
أو كنت صاحب القضية ذاته، تتربع في وسط
المجلس تتنحنح قليلاً لتلفت النظر ثم
تقول
-”
يا أخي، الأجانب هؤلاء، في منتهى
الروعة.”
تصمت قليلاً
لتتلمس وقع عبارتك على السامعين، تتصيد
بنظراتك التفات الغافلين و تحديق البقية
و تتابع
-”
تخيلوا، سيارتي الجديدة لم يمضي على
شرائها إلا عام واحد و أصيبت بعطل، أخذتها
إلى الوكيل فرفض إصلاحها على الضمان، و
طلب مني مبلغاً فلكياً، رغم أن الخلل تقني
و يغطيه الضمان. كتبت
شكوى إلى الشركة الأم، و أرسلتها عبر
الإيميل، و خلال يومين تواصلوا معي عبر
الهاتف و أمروا الوكيل بإصلاح العطل
مجاناً، بل و أرسلوا لي خطاب اعتذار شديد
التهذيب"
تزم شفتيك قليلاً
و تضيف "تخيلوا
كيف تتعامل الشركة الأم بأخلاقيات عالية
و التزام مع العملاء و كيف يكون الوكيل
في غاية الرداءة و الاستغلال"
تتوالى الهمهمات
من حولك مؤمنة على صحة كلامك، الشركات
الأجنبية تتعامل بأخلاقيات عالية و تحترم
زبائنها، و تحرص على إرضائهم دوماً، و
لكن الوكيل المحلي هو الذي يمارس الجشع
و الاستغلال لأنه يحتكر السلعة و لا يحاسبه
أحد.
يتدخل شخص وقور
يبدو عليه شيء من الثقافة و ربما أمضى
شطراً من حياته في الغرب ليضيف "
الغربيون عموماً أناس محترمون، لا
يحتالون و لا يغشون و يقدرون العلاقات
الطيبة في التعامل".
قد يضيف أحدهم
قصة جديدة إلى قصتك، ربما أكثر دراماتكية
و إثارة لكنها تؤكد ذات المعنى الذي افتتحت
أنت به الحديث، تسترخي في جلستك، تسند
رأسك إلى الخلف و تربت على كرشك في رضىى
و فخر بحكمتك و سداد رأيك
لكن هل فعلاً تملك
الشركات ذلك البعد الأخلاقي؟ و هل هي
حريصة لهذا الحد على رضاك كعميل يسكن طرف
الأرض القصي؟
دعني أرو لك قصة
ربما تهز شيئاً من قناعاتك، تعرضت سيدة
تدعى باتريشيا أندرسون لحادث تصادم بسيط
من الخلف و هي تقود سيارتها شيفروليه
ماليبو موديل ١٩٧٩.
و رغم أن حادث التصادم كان بسيطاً إلا
أن خزان الوقود الموضوع بالقرب من المصد
الخلفي انفجر و تسبب في حريق هائل للسيارة
و ركابها و أصيبت باتريشيا و أفراد أسرتها
بحروق كبيرة نتيجة الحادث، فيما بعد أثبتت
التحقيقات أن تصميم خزان الوقود لم يراع
درجة كافية من الأمان، و لكن المفاجأة
الكبرى كانت في المحكمة عندما أدلى مصمم
السيارة بشهادته التي أكد فيها أنه عرض
على شركة جنرال موتورز تصميمين أحدهما
أكثر أماناً من الآخر لكن الشركة قررت أن
تختار التصميم الخطير رغم أن الفرق في
التكلفة لا يزيد عن سته دولارات بين
الإثنين لكن حسابات الشركة قدرت أن التوفير
الذي ستحققه أكبر من الخسائر التي قد
تتحملها نتيجة التعويضات إن حدث و تعرضت
لمطالبات من الزبائن.
بمعنى آخر فإن الشركة (استخسرت)
قيمة الستة دولارات في زبائنها لأنها
قدرت أن الربح من عملية التوفير سيغطي و
يزيد على أي تعويضات قد تدفعها مستقبلاً
بسبب تصميمها الخطير، و ربما لهذا السبب
قررت المحكمة أن تغرم الشركة مبلغاً
خيالياً قارب الخمسة مليارات دولار (حسب
صحيفة النيويورك تايمز)
وذلك كعقوبة للشركة على استهتارها
بالجانب الأخلاقي في صناعتها.
هل تعتقد أن تلك
مجرد زلة و أن الشركات لا تتشابه؟
إليك قصة أخرى عن
شركة عملاقة أيضاً، هي شركة فورد للسيارات،
هذه الشركة خاضت محاكمة شهيرة جداً في
الأوساط القانونية الأمريكية ضد مهندس
شهير يدعى روبرت كيرن، قام هذا المهندس
بعرض اختراعه الفريد حينها و هو ماسح زجاج
السيارات الالكتروني، لم تبد الشركة
حماساً لشراء الاختراع لكنها وعدته
بالتفكير فيه، ثم فوجئ المهندس بالشركة
و قد قامت بسرقة اختراعه و استخدامه في
موديلات سياراتها الجديده دون أن تعطيه
سنتاً واحداً، جن جنون الرجل و قرر أن
يرفع قضية ضد الشركة، قاومت الشركة بكل
الطرق و حاولت تدمير الدعوى و تكذيب كيرن
و استمرت المحاكمة لأكثر من ١٢ عام حتى
حكمت المحكمة في عام ١٩٩٠ بأحقية كيرن و
فرضت على فورد تعويضه بمبلغ يفوق العشرة
ملايين دولار. كان
كيرن قد خسر خلال المحاكمة وظيفته و زوجته
و أصيب بالسرطان لكنه بدا مصراً إصراراً
مقدساً على الانتقام من الشركة التي سرقته
و أذلته و أنكرت حقه.
ولكن لماذا تقوم
الشركات بهذه الأفعال الشريرة؟ لماذا
تسرق و تدمر الناس و في نفس الوقت تسترضيهم
و تحرص على رضاهم؟ هل هي شهوة الربح فقط
أم أن للأمر أبعاداً أعمق؟
هذا ما سنناقشة
في الأسبوع القادم بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق