"الحب"
تلك
الرجفة المزلزلة التي اجتاحت جسدك المراهق
ذات يوم.
ذلك
الحنين الغامض تجاه شيء ما لا تعرف كنهه
بالضبط، شيء أبعد من تفوقك الدراسي و اهم
من حظوتك بين الرفاق.
شيء
أعمق و أشد إلحاحاً من كل أمنياتك السابقة
و أحلامك القديمة مهما بدت جامحة أو عظيمة.
ذلك
الإحساس بالتواصل مع الطبيعة، بالتوحد
مع نسمة الربيع و تغريد العصافير و الحزن
الغامض الذي يعتريك كلما تأملت غروب
الشمس.
خربشاتك
التي بدأت تخطها سراً و تسميها خواطر،قصائدك
المكسورة التي تقرؤها لنفسك و يدهشك ذلك
التاقض بين رقة عباراتها و خشونة صوتك
الطارئة!.
التوق..القلق..الترقب..
الأرق
وشرود الذهن.
عاصفة
من الهرمونات تجتاح جسدك الغض، تعلن الحرب
على مرحلة مديدة من الطفولة البريئة،
تشعل الجسد بآلاف التفاعلات، و تشغل النفس
بزوابع لا تنتهي من الحيرة و التساؤلات.
ما
هو الحب؟
قد
تبدو إجابة السؤال سهلة و بديهية أول
الأمر، لكن كن على حذر، فهذا السؤال السهل
حير الجميع في إجابته، الجميع بلا استثناء.
علماء
اللغة و الفقه و الفلسفة و الطب و حتى
علماء النفس و السلوك.
لم
يجمع أحد منهم على تعريف جامع لمصطلح
الحب.
تباينوا
و تشتتوا و نأت بهم المسالك بلا جواب شاف.
وحدهم
الأدباء و الشعراء الذين عقدوا صداقة
متينة مع الحب، مجدوه في قصائدهم و
رواياتهم، جعلوه سر الحياة و ينبوع
السعادة، قدسوا الحبيبة فكانت مركز الكون
و غاية المنى.
بين
وصلها و إعراضها جنة و جحيم و بين رضاها
و إجفالها خصب وقحط.
لكن
أصحاب مدرسة التحليل النفسي يسخرون بشدة
من فكرة الشعراء عن الحب، فتلاميذ "فرويد"
لا
يرون الحب إلا من زاوية الهرمونات.
و
في نظرهم أن كل قصة حب ماهي إلا غريزة
معطلة عجزت عن بلوغ غايتها، و أنه لو قدر
لها الإشباع لخفتت و تلاشت.
أي
أنه لو قدر لقيس أن يتزوج ليلى لتوقف عن
نظم القصائد في حبها و لربما وقف بباب
الخيمة متبرماً يشكو سلاطة لسانها وكثرة
طلباتها وسوء طباعها!.
وبالطبع
سيتهمك بالحمق و ذهاب العقل لو تلوت على
مسامعه بيت الشعر القائل:
أمر
على الديار ديار ليلى •••أقبل ذا الجدار
وذا الجدارَ
لحسن
الحظ هناك من تلاميذ فرويد من يختلف مع
نظريته تلك و يعيد شيئاً من الاحترام
لفكرة الحب كعامل أرقى من مجرد التوق
الجنسي، فيرى "ثيودور
رايك"
أن
الحب مركب ثقافي وجداني شديد التعقيد،
يشمل رغبة المرء في أن يكون موضع حنان و
تقدير الطرف الآخر و رغبته كذلك في العطاء
المادي و العاطفي، رغبة في التملك و رغبة
في الانتماء في ذات الوقت هذا المزيج من
العطاء المتبادل و الاحساس بالانتماء
لشخص ما و الرغبة في امتلاكه هو ما يسميه
"رايك"
سر
السعادة في الحب، بالطبع قد يتوج ذلك و
يعززة إشباع الغريزة لكنه لا يراه عاملاً
أساسياً في الحب السعيد.
يعترف
رايك أن سيكولوجية الحب لازالت شيئاً
غامضاً و معقداً و أن الشعراء و الأدباء
لازالوا أبرع الناس في التعبير الموارب
و الرمزي عنها لأن أي محاولة لتحليلها
تزيدها تعقيداً، وكأنه يستلهم قول نزار
عن الحب:
كلماتنا
في الحب تقتل حبنا••• إن الحروف تموت
حين تقال.
دمتم
بحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق