ثمة
اعتقاد سائد في الأوساط العليا في وزارة الصحة أن هناك حملة مركزة من قبل الإعلام
ضد وزارة الصحة و وزيرها الدكتور عبدالله الربيعة تحديداً. و يرى أصحاب هذا
الاعتقاد أن الإعلام أصبح منحازاً و لا عقلانياً في نقده لكل ما يخص أداء الوزارة
و الوزير، و أنه يتصيد الأخطاء و يضخمها و يرفض الانصياع للمنطق.
و جاءت
الحادثة المؤلمة للطفلة البريئة رهام لتصب الزيت على النار، و وسط حمى الغضب
الثائرة في الصحافة و مواقع التواصل الاجتماعي، عادت نظرية المؤامرة و اللاعقلانية
لتطل من جديد، و ليتناولها عدد من الكتاب في الصحف أيضاً و الذين يرون أنه رغم
فداحة الخطأ الذي ارتكب في حق رهام فإن الحملة التي شُنت على الوزير غير مبررة، و
أن التهكم و السخرية من هدية الآيباد الشهيرة قد تجاوزت حدود المعقول و المنطق.
و لكن،
هل هناك بالفعل حملة موجهة ضد معالي الوزير؟ و هل اللغة الحادة التي استخدمتها
الصحافة ضده و المطالبات العلنية المتكرره له بالاستقالة عفوية أم منظمة؟ و لماذا
وزير الصحة وحده الذي يطالبه الكتاب بالاستقالة بهذه الحدة دون غيره من الوزراء
الذين ترتكب وزاراتهم أخطاء أكثر فداحة؟
الذي
أعتقده أن الحملة ضد د. عبدالله الربيعة، عفوية و مبررة جداً، و بغض النظر عن
إنجازاته و أخطائه فإن ما يحصده اليوم من حنق إعلامي و شعبي متصاعد لا علاقه
مباشره له بتلك الإنجازات أو الأخطاء بل هو بالدرجة الأولى نتاج غرس سياسة وزارته الإعلامية، و التي بسبب
أخطائها المتكرره على مدى السنوات الماضية في التعاطي مع الإعلام و الناس راكمت
رصيد السخط المتعاظم يوماً بعد يوم، فقط ليتذكر معالي الوزير ردة فعله على الأحداث
الكبرى شغلت الناس و الإعلام و كانت وزارته طرفاً فيها:الأخطاء الطبية(طارق الجهني
مثالاً)، تجمهر خريجي المعاهد الصحية أمام وزارته لأيام، فضائح الفساد و تقارير "نزاهة"(كراسي
غسيل الكلى الصينية مثالاً). في كل قضية من هذه القضايا و غيرها كانت ردة الفعل
الإعلامية من الوزير بطيئة جداً و قليلة جداً. و في كل مرة يظهر الوزير فيها
للإعلام يردد كلاماً فاتراً عن أن كل شيء على ما يرام و يعود ليتوارى خلف ستار الصمت. و لعل حلقة
برنامج الثامنة مع داود و التي استضاف فيها د. الربيعة خير مثال على تلك السلبية،
فالحلقة جاءت (معقمة) تماماً بلا مداخلات و لا ضيوف و انفرد د. الربيعة ليصول و
يجول وحده في لقاء أثار سخط الناس بدلاً من أن يشفي غليلهم.
ما ينبغي
أن يتذكره معالي الوزير أن الزمن يتغير سريعاً و أن سياسة دع إنجازاتك تتحدث عنك
لم تعد مقبولة في هذا الزمن، و أن الناس من حقها أن تعرف و تحقق و تناقش و من واجب
الوزير و مساعديه أن يردوا و أن يواجهوا أسئلة الناس الحادة و الملحة، و قبل ذلك
أن يحترموا ذكاءهم و يصارحوهم بالحقائق، و بأن الوزير له صلاحيات محدودة تتداخل مع
جهات أخرى ربما تعيق عملية الإصلاح، فلا شيء يشعر الناس بالإهانة أكثر من عبارة"كل
شيء على مايرام" وهم يكابدون الأمرين في علاج أبائهم و آبائهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق