كان مغامراً
جسوراً يقوم برحلة لتسلق جبال الأنديز
العالية، زلت به القدم و هوى في واد سحيق.
لكنه لم يمت،سقط فوق تلة ثلجية حمته
كأنها سحابة، و قام سليم الجسد لكن كان
في انتظاره مفاجأة عجيبة، كانت قدمه تطأ
أرضاً معزولة منذ مئات السنين، و لدهشته
وجد قرية غائره في عمق الوادي تحجبها
الأشجار الكثيفة، كانت منازلها بلا نوافذ،
و جدرانها مطلية بخلط عجيب من الألوان
يوحي بفساد الذوق، بعد قليل و عند مقابلته
لأهالي القرية اكتشف أن جميعهم "عميان"
و أنهم لا يعرفون معنى كلمة "بصر"
كانت محاجرهم ضامرة و بلا أهداب،
لذلك ظلوا يتحسسون عينيه بتعجب و دهشة،
حدث نفسه بأنه سيصبح زعيمهم بلا شك، ففي
بلاد العميان يصبح الأعور ملكاً كما يقول
المثل. لكنه واجه
صعوبة و هو يشرح لهم معنى البصر، معنى
شروق الشمس و تجلي القمر اعتبروه مجنوناً
يهذي، أخذوه إلى هيئه حكمائهم، أخبره
الحكماء أن ما يقوله مس من الشيطان و أنه
سيتعلم الحياة الجديدة معهم، أخبروه أن
اليوم ينقسم إلى دافئ و بارد و أنهم يعملون
في البارد و ينامون في الدافئ، فهم أنهم
يعنون الليل و النهار، أخبروه كذلك أن
هناك ملائكة تحوطهم يسمعون أصواتها و لكن
لا يستطعيون لمسها، عرف فيما بعد أنهم
يعنون الطيور. أخبروه
كذلك أن سقف العالم محاط بالصخور، و عندما
اعترض و قال إن العالم لا سقف له و أن هناك
سماء مفتوحة اتهموه بترديد أفكار شيطانية
و كادوا يفتكون به لولا أن منحه الحكماء
فرصه للتوبة.
حاول في الأيام
التالية أن يثبت لهم أهمية البصر، أخبرهم
أنه يستطيع أن يعرف ما يجري أمام منازلهم
سخروا منه و طالبوه بأن يخبرهم بما يجري
داخل منازلهم إن كان ذا موهبة حقيقية.
حاول أن يتمرد
عليهم، لكن محاولاته باءت بالفشل، و عندما
يئس أعلن توبته. قبل
"يعقوب"
أن يجعله خادما في حقله، بعد أشهر و
قع في حب ابنه يعقوب، كانت تستمع لكلامه
عن البصر بدون أن تتهمه بالجنون، تقدم
لخطبتها، عارض اخوتها تزويجها لهذا الأحمق
الذي يهذي، استشار يعقوب الحكماء، فكر
أحدهم و كان أيضاً طبيب القرية، ثم قال
هذا الرجل مريض، لكن من الممكن أن يشفى.
تصاعدت آمال يعقوب
قبل أن يضيف الحكيم:
هذا الرجل لديه انتفاخان في محجريه
يسميهما عينين تتحركان كثيراً و لهما تلك
الأهداب، هذان الانتفاخان سبب مرضه و لو
أزيلتا فإنه سيشفى و سنسمح له بالزواج من
ابنتك!
........
هذا ملمح من قصه
بلاد العميان للكاتب هـ.
ج. ويلز.
، وهي عبقرية في رمزيتها، فالعميان
قد يكونوا أفراد أي مجتمع انغلقوا على
ذاتهم، و رضوا بظلام جهلهم و عاداتهم فلم
يعودوا يرون النور في أي مكان آخر، العميان
هم المتعصبون الذين لا يقبلون الآخر مالم
يؤمن بأفكارهم و يصبح أعمى مثلهم
ترى كم هي درجة
صحة نظر مجتمعنا؟ و كم من مبدع و ناصح
فقأنا عينيه لأننا نعتقد أنه جاهل أو
مجنون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق