الثلاثاء، 12 فبراير 2013

المكتئبون قادمون!



كان لشخيره صوت عالٍ، يبدأ مكتوماً و متقطعاً في البداية ثم يرتفع فجأة كأنه شهقة توحي  بأنه على وشك الاختناق و بأنه سينهض من نومه مذعوراً، لكن لا شيء من ذلك يحدث، ثوان قليله من السكون ثم تعود نغمة الشخير المرتفع لتعزف مجدداً.
كان ينام كثيراً كذلك، ينام ما يزيد عن أربع عشرة ساعة في اليوم، و يغيب بانتظام عن المحاضرات و الدروس العملية.
كل ذلك كان طبيعياً ولا يلفت النظر، بل و يكاد يكون معتاداً في فئة عريضة من رفقائه في السكن الجامعي، حيث يتقاسم الجميع شعور الغربة و الإحباط بدرجات متفاوتة تجعلهم يتعاطفون مع بعضهم بعضاً و يلتمسون لأنفسهم الأعذار مهما بدا الخلل كبيراً.
لكن ذلك التعاطف لم يدم طويلاً، قضت عليه زجاجة دواء وجدوها في غرفته و هو نائم، و بقليل من الجهد عرفوا أنها دواء لمرض نفسي، للاكتئاب تحديداً. و رغم أنهم كلهم طلاب في كلية الطب إلا أن ردة فعلهم كانت بدائية جداً، تعكس عمق التربية السلبية التي نحملها عن المرضى النفسيين.
لم يجرؤ أحد على مصارحته، لكنه عرف بالتأكيد، عرف من حذرهم الزائد في التعامل معه، من ضحكهم و مزاحهم الذي اختفى، من نظراتهم المختلسة التي يطالعونه بها عندما يوليهم ظهره، ربما لأجل ذلك رحل، فضل أن يترك الكلية و السكن و المدينة، و لم يعرفوا عنه شيئاً بعدها.
كم واحد أصيب بالاكتئاب من بعده؟ كم واحد منهم كان مصاباً به بالفعل دون أن يعرف؟ كم واحد تغير مجرى حياته و مستقبله و ربما نحى نحو التطرف أو الانحراف لأنه لم يجد من يشخص حالته و يدله على الطريق؟
حسب الإحصاءات فربما تكون قد أصبت بنوبة كآبة من قبل دون أن تشعر أو أنك تمر بها الآن أو في المستقبل، تلك النوبات قد تكون خفيفة تقتصر على شعور بالحزن و الرغبة في العزلة و عدم الابتهاج بالمناسبات السعيدة و ربما اضطرابات في الأكل و النوم، و في غالب الأحيان تمر بدون اضرار كبيرة لكنها إن استمرت فترة طويله فإنها تتفاقم و تتحول إلى اكتئاب مزمن أو اكتئاب حاد وقد تنتهي بآثار مدمرة مثل الانفصال عن الشريك أو ترك العمل أو الانتحار لا قدر الله.
تخيل مقدار الخسائر الكارثية في المجتمع التي تنتج عن قرارات اتخذها مصابون بالاكتئاب، و ربما ارتكبوها دون أن يعلموا أنهم كذلك، تخيل عدد المشاحنات المنزلية، القرارات الخاطئة في العمل، حالات الطلاق، الإدمان، الحكم المتطرف على الناس،الميل للإيذاء و الانتحار؟
الاكتئاب يا صديقي مرض عضال يحتاج تشخيصاً مبكراً و علاجاً مبكراً و الكثير من التوعية و الدعم للمريض و المجتمع. كما أنه ليس له علاقة بصلاح الإنسان و درجة تدينه، و ليس بالضرورة أن يكون سببه نفسياً من الأساس فقد يأتي مصاحباً لكثير من الأمراض العضوية الأخرى
لقد حان الوقت لنفتح الصندوق، لنتحدث بصراحة و دون خجل عنه و عن طرق الوقاية و العلاج فثمن الاعتراف بالمرض أفضل بكثير من المكابرة و مواصلة تحمل خسائرة الباهظة إلى الأبد!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق