الخميس، 25 أغسطس 2011

لمصر لا لعبدالناصر: في مديح آخر الفرسان!

إسم الكتاب: لمصر لا لعبد الناصر
المؤلف: محمد حسنين هيكل
الناشر: دار الشروق المصرية


منحت هذا الكتاب نجمتين من خمس في موقع Goodreads للكتب. والنجمتان لا تعنيان أن الكتاب سيء أو ضعيف المحتوى، بل العكس الكتاب ربما يكون أحد أفضل كتب هيكل من ناحية السلاسة و ترابط الأفكار و البعد عن الاستطراد. و قد كنت أنوي أن أصنفه في فئة أعلى خصوصاً و قد علمت أن الكتاب عبارة عن مقالات مجمعة نشرها هيكل في السبعينات في مطبوعة لبنانية رداً على الهجمة الشرسة التي شنها النظام المصري على العهد الناصري و قد أظهر هيكل براعة فائقة في تمرير ما يريد دون أن يفقد رزانة العبارة و بلاغة الأسلوب، كما كان منظماً و دقيقاً و هو يقسم دفاعه إلى نقاط أفرد كل واحدة منها في مقال/فصل خاص بها و استوفى نقاشها من مختلف الجوانب.
إلا أن العيب الجوهري في الكتاب هو من وجهة نظري العيب الدائم في كل ما يكتبه و يقوله هيكل، فهو على الرغم من مواهبه الضخمة و قدرته التحليلية البارعة يفتقد إلى الموضوعية تماماً عندما يتعلق الأمر بعبدالناصر. وافتقاد الموضوعية بالنسبة لهيكل لا يعني انخراطه في حملة تأليه غبية أو تدبيج عبارات عاطفية بلا معنى فهو أذكى من ذلك بكثير..لكن غياب الموضوعية عنده يتمثل في تلعثم لغته و غموض عبارته عندما تلامس الأوتار الحساسة لمرحلة حكم عبد الناصر، ولعل أبرز نقاط التلعثم تلك هي هزيمة ١٩٦٧م و ما ترتب عليها من أحداث و ما كشفته من إختلال خطير في منظومة حكم عبدالناصر، هنا يتلعثم الرجل الفصيح كثيراً و يتحدث عن عموميات لا تمس عمق الحقيقة و يقفز مباشرة إلى ما بعد الهزيمة و موقف عبدالناصر منها و تحمله للمسؤلية و تحضيره لحرب الاستنزاف لاحقاً.
النقطة الأخرى التي تلعثم فيها الرجل الفصيح في هذا الكتاب أيضاً هي موقف عبدالناصر من التعذيب و القمع الذي يجري في السجون في فترة حكمه، فكان رده و تفنيده للمسأله غير مقنعاً لي كقارئ.
لكن الكتاب يكون مقنعاً جداً في الحجة و الأسلوب عندما يتطرق لنقاط قوة عبدالناصر الحقيقية كنزاهة اليد و صدق النية في الاستقلال و الرغبة في تطوير البلاد عسكرياً و اقتصادياً هنا تتجلى مواهب هيكل الصحفية و البلاغية بلا عائق يعيقها فيسرد الوقائع و الحقائق و الأرقام بلا تحفظ فيبدع و يمتع و يكشف فصولاً صغيرة أيضاً من حياة عبدالناصر الشخصية و تعامله مع أولاده في التوظيف و خوفه عليهم من الإغراءات و المجاملات إذا اشتغلوا في وزارات حكومية بعيدة عن عينه!
كما يذكر للمؤلف إثارته لنقاط خلافية في سيرة عبدالناصر كخوضه لحرب اليمن و معاداته للأمريكان و انفتاحه على السوفيت و يسوق نقاطاً موضوعية إلى حد كبير في تبرير وجهة نظر ناصر السياسية حتى لو اختلفنا معها.
الكتاب جيد في عمومه لأهمية النقاط التي تناولها و لقرب مؤلفه من أحداثها لكن يعاب عليه غياب الموضوعية النقدية رغم تغنيه بها و تغييب الصراحة في المواضع الحساسة. كما أنه لا يخلو من مسحة المقالة الصحفية المتأثرة بالوضع الراهن(الذي أصبح تاريخاً الآن) و صرفها الكثير من السطور في مناقشة ما لم يعد موجوداً..
و يمكن تلخيص الكتاب بأنه دفاع حميم وفاءً لعبدالناصر و لعبدالناصر وحده!!