الأحد، 24 يناير 2010

مايكل كرايتون: مربي الديناصورات وصديق ابن فضلان!







كان الديناصور العملاق يحطم أسوار "الحديقة الجوارسية"، و يتوجه نحو المدينة ساحقاً كل شيء تحت خطوات قدميه العملاقتين وحركات ذيله الهائل، في نفس الوقت كان ابن فضلان يعلم الأوروبين الهمجيين فنون الفروسية و صناعة السيوف، في حين يركض الطبيب الوسيم جورج كلوني في غرفة الطوارئ خلف عربة المريض محاولاً وقف النزيف بيديه الملوثتين بالدم. و تعلن حالة الترقب في البلاد نتيجة هروب روبوتات مصنعة بتقنية النانو من مركز الأبحاث في صحراء نيفادا تملك خاصية الذكاء الصناعي و التكاثر و إعادة شحن طاقتها بافتراس البروتينات البشرية. لكن "داستن هوفمان" الخبير النفسي يتوجه إلى قلب المحيط ليسبر أغوار سفينة فضاء غارقة هناك منذ أكثر من ثلاثمائة عام.. أي قبل اختراع محركات الطيران البدائية!و يرفع "شون كونري" حاجبيه في حيرة و هو يحدق في جثة الفتاة القتيلة و التي قد تثير قضيتها أزمة دبلوماسية بين بلاده و بلاد الشمس المشرقة .


هل تشعر بالدهشة؟


تلك كانت لمحة بسيطة من عوالم الكاتب الأمركي مايكل كرايتون و الذي يعد شبه مجهول لدى معظم قراء العربية ككاتب على الرغم من ذيوع صيت أعماله عندما تحولت إلى أفلام و مسلسلات كاسحة الشعبية. فمن منا لم يعرف و لو عرضاً سلسلة أفلام "الحديقة الجوراسية" بأجزائها الثلاثة و التي قدمها المخرج المثير للجدل "ستيفن سبيلبيرج" بتمكن و إعجاب تام . الجزء الأول من أفلام تلك السلسلة بني على رواية لمايكل كرايتون بذات الاسم و اشترت حقوقها شركة يونيفيرسال استوديوز بمبلغ تجاوز المليون و نصف المليون دولار ثم عهدت إلى ذات الكاتب ليصنع سناريو الفيلم مقابل نصف مليون دولار إضافية، و اتضح فيما بعد من الأرباح الخيالية التي جناها الفيلم أن صنّاعة لم يكونوا يضيعون نقودهم عبثاً.رغم أن كرايتون صرح بأن نص السيناريو اعتمد على عشرة في المئة فقط من الرواية الأصلية. حيث كان النص الأصلي مليئاً بالتفاصيل العلمية الدقيقة و التي تشرح طريقة استزراع الحمض النووي للديناصور في بويضة حيوان حي ثم إعادة إنتاج السلالة من جديد و التي لا تلبث أن تتمرد و تتحول إلى كابوس مرعب كما ظهر في الفيلم.


لم يكن مايكل كرايتون المولود في عام 1942 يتوقع و هو يعاني من العزلة على مقاعد الدراسة بسبب طوله الفارع أنه سيتحول في يوم من الأيام إلى علامة فارقة في تاريخ الأدب/ العلم الأمركي، و لا أن كتبه و أفلامه ستكتسح قوائم أفضل المبيعات، و لم يكن يعلم أن دخوله كلية الطب و تفوقه فيها بالإضافة إلى تعلقه بالكتابة و الإطلاع سيقوده إلى ابتكار نوع جديد من الأدب يلغي فيه الحواجز الوهمية بين ما هو علمي و ما هو أدبي. فعلى الرغم من أن كتابات كرايتون لا تحتوي أي من الجماليات اللغوية التي تؤهلها لجوائز على غرار جائزة بوكر و نوبل و على الرغم من احتوائها على كمية كبيرة من المعلومات الدقيقة و كأن كل فصل من الفصول بحث مصغر يمهد للحدث الذي يليه،و على الرغم من أن رواياته تحتوي ملحقا للمراجع العلمية التي استندت عليها الأحداث كأي بحث أكاديمي رصين، لكنه رغم كل ذلك ناجح جداً في انتزاع الدهشة و الانبهار من داخل القارئ و قادر بامتياز على دفع القارئ إلى إعادة النظر في كثير من قناعاته المسلم بها من قبل. و هذا هو لب الإبداع الحقيقي و جوهرة العميق مهما اختلفنا حول الأسلوب و التوصيف. لقد وصفت جريدة "النيويورك تايمز" كتابات كرايتون بأنها ذات نفس طفولي أشبه بقصص "أرثر كونان دويل" و "إدجار رايس بوروز" و رعب "إدجار آلا ن بو" لكن بجرعة قوية و مطورة من الخيال العلمي الممتع. و إن كنت أجزم أن في كثير من رواياته نفس فلسفي مبثوث بذكاء بين سطور الرواية المشوقة و المعقدة في آن. فرواية "الجسم الكروي" و التي تحولت لفيلم ناجح قام ببطولته داستن هوفمان و صامويل جاكسون" تبدأ بداية مشوقة و مثيرة للفضول فهناك سفينة فضاء اكتشفت بالصدفة في قاع المحيط و التحاليل لتراكم التربة و النباتات التي فوقها تثبت أنها ترقد هناك منذ أكثر من ثلاثمائة سنة و ينتدب فريق علمي لسبر غور السفينة الغامضة. و سرعان ما يكتشف الفريق أن السفينة تحتوي على جسم كروي عملاق أشبه ب "روبوت" مفكر يبدأ في الحديث إليهم و سرعان ما تتحول الرواية إلى الخط الفلسفي عندما يكتشف العالم النفسي أن الجسم الكروي له القدرة على تجسيد الخيالات الشريرة التي يملكها زملاؤه و تحويلها إلى واقع و أن كل الكوارث التي ألمت بهم خلال الرحلة ليست إلا نواياهم السيئة تجاه بعضهم البعض و أن السفينة ليست من كوكب آخر و لكنها تنتمي إلى المستقبل و قد قرر أهل المستقبل إرسال الجسم الشرير إلى الماضي حتى يتخلصوا من أثره المدمر.


و تكاد تكرر ثيمة الخطر الذي يصنعة الإنسان بغروره في معظم رواياته، لكنه على الرغم من نزعة التوثيق العالية لديه لم يضع لخيالاته حدودا و لم يقصرها على الأجواء العلمية و المستقبلية، فكتب روايته التاريخية الشهيرة "أكلة الموتى" و التي تحولت بعد ذلك إلى فيلم سينمائي أخرجه بنفسه تحت اسم " المحارب الثالث عشر" و قام ببطولته أنطونيو بانديراس و عمر الشريف. و عد الفيلم/ الرواية من العلامات الفنية النادرة التي أنصفت صورة العربي المسلم رغم كونها صنعت بيد أمركية بالكامل.


خاض كرايتون بالإضافة إلى الكتابة في مجالات عدة كتصميم برامج الكمبيوتر و الأبحاث العلمية و التدريس الأكاديمي البحت، لكن تفوقه كان لافتاً بالفعل في مجال الإخراج فقد قام بكتابة و إخراج العديد من الأفلام لعل أشهرها "المحارب الثالث عشر" و فيلم "الغيبوبة" الذي كتبه صديقة روبن كوك. كما كان منتج و صاحب فكرة و كاتب الحلقات الأولى للمسلسل الشهير "ER " الذي تدور أحداثه بالكامل تقريباً داخل المستشفى و تتابع على بطولته العديد من النجوم و افتتح الطريق لخط جديد في الدراما يمكن تسميته دراما المستشفيات أو المسلسلات الطبية. و في عام 1994 حصد كرايتون ثلاثه جوائز دفعة واحدة، جائزة تصدر فيلمة الحديقة الجوراسية قائمة الأيرادات و تصدر مسلسل ER نسب المشاهدة العليا و تصدر روايته الجديدة حين ذاك "الفضيحة" قائمة أكثر الكتب مبيعاً.


في الرابع من نوفمبر من العام الماضي 2008 توفي كرايتون اثر مضاعفات علاجه الكيماوي من سرطان الحنجرة و قد كان يعد لصدور روايته الجديدة،و التي لم تصدر حتى الآن. و على الرغم من تداول خبر وفاته من قبل وكالات الأنباء العالمية إلا أنه مر مروراً عابراً بمعظم مثقفي العربية و ربما نشرته بعض صحفها في ركن ضيق واصفه إياه بكاتب سيناريو فيلم الديناصورات!.


لو كنت تعتقد انك تتعرف على مايكل كرايتون للمرة الأولى اليوم و أنه لم يسبق لك أن تأثرت بشيء من إبداعاته من قبل ...راجع القائمة الطويلة لنتاجه ثم فكر ثانية!

هناك تعليقان (2):

  1. مقال ممتع عن مؤلف رائع شكرا للمعلومات القيمه

    ردحذف
  2. بسم الله الرحمن الرحيم
    "اكله الموتى" : هي روايه رائعة تجمع بين الرعب...الإثاره...الغموض و حقّقت شهره كبيرة في اوروپا والولايات المتحده
    فهي اعاده صياغة مخطوطة الرحّاله العربي "أحمد ابن فضلان"
    باسلوب روائي عصري يحافظ على الوقائع والاحداث التي سجّلها في رسالته
    التي تصف بلاد الروس ...البلغار والاتراك وأصقاع الشمال النائيه
    وهي المصدر الرئيسي لتاريخ الشمال المسجّل في وقت لم تكن تعرف فيه هذه الدول القراءة والكتابه

    ردحذف