السبت، 4 فبراير 2012

هنيئاً لسعادة الوكيل الحصري!


ثمة حادثتان شهيرتان اعتبرهما من أكبر حوادث الخداع الجماعي التي مررت بها، حادثتان تلاشت أمامها الحاسة النقدية المتشككة لدي و انخرطتُ في تماهٍٍ كاملٍ مع قطيع المخدوعين العريض حتى تكشفت اللعبة في النهاية و قد ربح من ربح فيها من الأذكياء و بقي المخدوعون من أمثالي يحكون رؤوسهم في حيرة حتى الآن.
الحادثة الأولى كانت حالة خداع عالمي و لم ينج من قبضتها أحد فيما أظن، و من تجرأ و شكك فيها لابد أنه غرق تحت أمواج الذعر و لم يُسمع له صوت، كانت تلك الحادثة هي (حمى سنة ٢٠٠٠ ) و ما رافقها من التهويل و التخويف بأن كل أجهزة الحاسب سوف تتعطل مع مطلع العام المهيب، الكثير من المقالات، و الكثير من التحليلات و التوقعات و التفسيرات للكارثة التي ستحل بالعالم نتيجة تحول التاريخ من خانتين إلى أربع خانات. و بالطبع لا يمكنك أن تنسى وجه المسؤول المهيب و هو يرتدي (البشت) الفاخر و يتحدث في جدية بأن وزارته قد استعدت لمواجهة مشكلة العام ٢٠٠٠ و أنهم اتخذوا كافة الاحتياطات اللازمة لذلك و أنه يحب طمأنة المواطنين بأن العمل في وزارته لن يتأثر إطلاقاً
بالطبع لم يتأثر العمل، الجهة الوحيدة التي تأثرت هي خزانة الدولة التي تحملت أعباء البرامج و العقود التي أبرمت مع تجار المرحلة و الذين لا زالوا يعتقدون أن عام ٢٠٠٠ هو أفضل عام مر على تاريخ البشرية!

الحادثة الثانية كانت قصة طويلة ممتدة لسنوات، كانت أحداثها أشبه بالمسلسلات التركية تتصاعد الإثارة فيها أحياناً ثم تخفت قليلاً ثم لا تلبث أن تعود إلى السطح مجدداً و هكذا بتكرار ممل لذات الأحداث. كان ذلك المسلسل هو قصة الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، و ما أدراك ما منظمة التجارة العالمية، الكثير و الكثير جداً من المصطلحات الغامضة التي يتفوه بها أشخاص مهمون جداً و بجدية كبيرة مع تقطيبة بين الحاجبين و الإشارة الدائمة إلى العولمة و الشفافية و الأسواق المفتوحة..إلخ..إلخ.
كانت مفاوضات الانضمام للمنظمة تبدو أشبة بمباراة في كأس العالم بين البرازيل و المنتخب السعودي لكن الفرق هنا أنك لا تشاهد المباراة لكن تسمع أخبارها من محللي القناه الرياضية السعودية فقط، تسمع عبارات (الحفاظ على خصوصيتنا، فرضنا شروطنا، لا تنازل عن ثوابتنا) حتى جاءنا البشير بأن المنتخب قد فاز بضربات الجزاء، و أن العملاق المسمى المنظمة قد أذعن صاغراً لشروطنا و وافق عليها و رحب باقتصادنا العملاق فيها. و لأنني مواطن صالح من فئة الموظفين لم أهتم كثيراً بمعرفة التفاصيل، لكنني صدقت ذلك المسؤول و هو يبشرني و براءة الأطفال في عينيه بأنهار العسل و اللبن التي ستغدق علي و بمزايا الشركات الكبرى التي ستافس على إرضائي، و بأن ريالاتي القليلة التي أجنيها ستصبح ذات قيمة أكبر أمام شركات عملاقة تطمح في كسب أرض جديدة لإرضاء الزبون
و في ذات الوقت كان مسؤول آخر يحذر التجار و الوكلاء المحليين من صعوبة المرحلة القادمة و أن عليهم تعديل أوضاعهم و تحسين خدماتهم قبل أن تكتسحهم الشركات الدولية.
و الآن و بعد مرور تلك الأعوام أكتشف أن الوحيد الذي تم اكتساحه هو أنا، تلاشت مدخراتي و ازدادت ديوني و غمرتني موجة غلاء حتى كتمت أنفاسي بلا رحمة. و ذات المسؤول يظهر كل عام ليتحدث عن متانة الاقتصاد و وفرة الميزانية و الرخاء القادم. يتحدث و إلى جواره معالي التاجر الكبير الذي يحتكر توريد ماركة سيارتي و يرفع في سعرها و سعر قطع غيارها كل بضعه أشهر دون رقيب، يلتفت المسؤول تجاه فضيلة التاجر ليشكره على حسه الإنساني و مجهوده الرائع في إيجاد فرص عمل للشباب العاطلين ولا ينسى بالطبع أن يهنئه بالجائزة التي نالتها شركته كأكبر موزع في العالم لشركه السيارات تلك. وطبعاً لا أحد يأتي على ذكر منظمة التجارة العالمية و التنافسية و الأسواق المفتوحة و كل ذلك الكلام الذي صدقه ساذج مثلي ذات يوم.
يبدو أنني مدين باعتذار لسعادة المسؤول المبجل عن سذاجتي التي حرمتني فهم المعنى العميق لكلامه الفخم و مدين كذلك بتهنئة لسعادة الوكيل الحصري...و أقول له ألف مبروك لقد ربحت الجائزة و المنظمة و الأنظمة و الشعب الذي تحتكره، فهنيئاً لك!


العبارات ذات اللون الأحمر لم تنشر في جريدة الشرق 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق