الجمعة، 1 فبراير 2013

في بلاد العميان!


كان مغامراً جسوراً يقوم برحلة لتسلق جبال الأنديز العالية، زلت به القدم و هوى في واد سحيق. لكنه لم يمت،سقط فوق تلة ثلجية حمته كأنها سحابة، و قام سليم الجسد لكن كان في انتظاره مفاجأة عجيبة، كانت قدمه تطأ أرضاً معزولة منذ مئات السنين، و لدهشته وجد قرية غائره في عمق الوادي تحجبها الأشجار الكثيفة، كانت منازلها بلا نوافذ، و جدرانها مطلية بخلط عجيب من الألوان يوحي بفساد الذوق، بعد قليل و عند مقابلته لأهالي القرية اكتشف أن جميعهم "عميان" و أنهم لا يعرفون معنى كلمة "بصر" كانت محاجرهم ضامرة و بلا أهداب، لذلك ظلوا يتحسسون عينيه بتعجب و دهشة، حدث نفسه بأنه سيصبح زعيمهم بلا شك، ففي بلاد العميان يصبح الأعور ملكاً كما يقول المثل. لكنه واجه صعوبة و هو يشرح لهم معنى البصر، معنى شروق الشمس و تجلي القمر اعتبروه مجنوناً يهذي، أخذوه إلى هيئه حكمائهم، أخبره الحكماء أن ما يقوله مس من الشيطان و أنه سيتعلم الحياة الجديدة معهم، أخبروه أن اليوم ينقسم إلى دافئ و بارد و أنهم يعملون في البارد و ينامون في الدافئ، فهم أنهم يعنون الليل و النهار، أخبروه كذلك أن هناك ملائكة تحوطهم يسمعون أصواتها و لكن لا يستطعيون لمسها، عرف فيما بعد أنهم يعنون الطيور. أخبروه كذلك أن سقف العالم محاط بالصخور، و عندما اعترض و قال إن العالم لا سقف له و أن هناك سماء مفتوحة اتهموه بترديد أفكار شيطانية و كادوا يفتكون به لولا أن منحه الحكماء فرصه للتوبة.
حاول في الأيام التالية أن يثبت لهم أهمية البصر، أخبرهم أنه يستطيع أن يعرف ما يجري أمام منازلهم سخروا منه و طالبوه بأن يخبرهم بما يجري داخل منازلهم إن كان ذا موهبة حقيقية.
حاول أن يتمرد عليهم، لكن محاولاته باءت بالفشل، و عندما يئس أعلن توبته. قبل "يعقوب" أن يجعله خادما في حقله، بعد أشهر و قع في حب ابنه يعقوب، كانت تستمع لكلامه عن البصر بدون أن تتهمه بالجنون، تقدم لخطبتها، عارض اخوتها تزويجها لهذا الأحمق الذي يهذي، استشار يعقوب الحكماء، فكر أحدهم و كان أيضاً طبيب القرية، ثم قال هذا الرجل مريض، لكن من الممكن أن يشفى.
تصاعدت آمال يعقوب قبل أن يضيف الحكيم: هذا الرجل لديه انتفاخان في محجريه يسميهما عينين تتحركان كثيراً و لهما تلك الأهداب، هذان الانتفاخان سبب مرضه و لو أزيلتا فإنه سيشفى و سنسمح له بالزواج من ابنتك!
........

هذا ملمح من قصه بلاد العميان للكاتب هـ. ج. ويلز. ، وهي عبقرية في رمزيتها، فالعميان قد يكونوا أفراد أي مجتمع انغلقوا على ذاتهم، و رضوا بظلام جهلهم و عاداتهم فلم يعودوا يرون النور في أي مكان آخر، العميان هم المتعصبون الذين لا يقبلون الآخر مالم يؤمن بأفكارهم و يصبح أعمى مثلهم
ترى كم هي درجة صحة نظر مجتمعنا؟ و كم من مبدع و ناصح فقأنا عينيه لأننا نعتقد أنه جاهل أو مجنون؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق