الأحد، 3 أكتوبر 2010

أحزان الحذاء الأحمر


كان حذاء بالياً ملقىً بإهمال أمام عتبة دارها، حذاء أحمر بكعب عالٍ و عقدة على شكل فراشة. يذكر أنه امتدح هذا الحذاء ذات يوم عدما كانت ترتديه مع رداء ابيض ذي نقط حمراء صغيره تزين الكتفين و الصدر، بدا الحذاء وقتها متناغماً جداً مع الرداء و الورده التي استقرت في شعرها و الابتسامه المرحة في ثغرها و الجو الربيعي في الحديقة التي كانا يتنزهان فيها سوياً كلما شعرا بلهفة اللقاء. كان الحذاء يبدو مرحاً و سعيداً هو الآخر، كان جلده الأحمر مشدوداً تكسوه لمعة خفيفة واثقة من أمرها، و الفراشة الصغيرة على مقدمته تكاد تفرد جناحيها الافتراضيين لتحلق عالياً مع كل قفزة مشاغبة من قدمها، لم يكن الحذاء السعيد يعلم أي مصير ينتظره. ولم يتخيل ما سيصبح عليه الآن...

الآن و قد لوحته الشمس بشدة، و تحول الجلد اللامع المشدود إلي خريطة باهتة مليئة بالشقوق و التعرجات كبشرة عجوز. و اللون الأحمر الواثق انسحب متوارياً الى الزوايا و الأطراف الصغيرة الملاصقة للقاعدة، و ترك خلفه لونا ورديا مترددا أنهكته سياط الشمس الحارقة فعجز عن ملء الفراغ الذي تركه الأحمر له، في حين تدلت أطراف العقدة -التي كانت فراشة- بعد أن انفكت على واجهة الحذاء فبدت زائدة و بالغة القبح خصوصاً و قد انقلب جلدها على ظهره فبانت بطانته سوداء خشنة و محملة بالغبار.

تأمل الحذاء ملياً، قلبه بين قدميه ثم شعر بنوع من الشفقه نحوه، انحنى و رفعه بين يديه، تمعن عن قرب في التشققات و التعرجات التي كست بشرته الجافة، كانت قاعدة الحذاء توشك أن تنفصل هي الأخرى بعد أن ذوبت الشمس صمغها و نثرته على حواف الحذاء. مرر أنامله على مقدمة الحذاء مسح شيئاً من الغبار العالق عليها. لامست أصابعه الطرف المتدلي لعقدة الفراشة فانفصلت في يده عن مقدمة الحذاء.

(لقد عاملتك بقسوة) همس للحذاء..

حمله تحت ذراعه و استدار عائداً متجاهلاً جرس الباب الذي أتى لقرعه محملاً بعبارات استفهام كبيره عن سر تجاهلها لاتصالاته المتكررة بها!

هناك 10 تعليقات:

  1. عواض العصيمي3 أكتوبر 2010 في 11:32 م

    الحذاء، نقطة الارتكاز، في القصة
    استغراق الراوي في وصفه يفيض بـــ
    * الحنين لزمن مضى
    * تاريخ العلاقة بين الطرفين
    * شعور مر باستحالة عودة الأمور كما كانت
    * وصف للزمن وأثره في العمر وبالتالي انتهاء الحقبة الذهبية منه
    * التمسك بفكرة كم هي الذكرى جميلة ومن الصعب العيش من دونها
    * ثراء الألوان التي يمثلها الحذاء في فترة مضت
    * الخوف من المجهول
    * أن الحذاء هنا، بهذا الوصف، وهذه الأهمية في القصة، يلمح إلى وفاء نادر ولكنه لسبب ما افتقدت القدرة على تمثيله

    ردحذف
  2. قصة قصيرة مثيره بحذائها الاحمر!!
    (الآن و قد لوحته الشمس بشدة، و تحول الجلد اللامع المشدود إلي خريطة باهتة مليئة بالشقوق و التعرجات كبشرة عجوز. و اللون الأحمر الواثق انسحب متوارياً الى الزوايا و الأطراف الصغيرة الملاصقة للقاعدة، و ترك خلفه لونا ورديا مترددا أنهكته سياط الشمس الحارقة فعجز عن ملء الفراغ الذي تركه الأحمر له، في حين تدلت أطراف العقدة -التي كانت فراشة- بعد أن انفكت على واجهة الحذاء فبدت زائدة و بالغة القبح خصوصاً و قد انقلب جلدها على ظهره فبانت بطانته سوداء خشنة و محملة بالغبار.)
    قد يكون الوصف دقيق لكنني ضعت قليلا فيه
    لاحظت في قصصك نهايات منقطعة الامل!!
    دمت كاتبا مبدعا

    ردحذف
  3. دكتور مو بس القسوة الي بتنهي العلاقات ممكن تكون سبب بس اذا توفرت كل شروط العلاقه راح تستمر طول العمر ومافي اي شي راح يتغير وماراح يكون فيه مكان للقسوة حتى لوكانت موجوده ماحدا راح يحس فيها
    الكلام والوصف كتير معبر والقصة في الصميم وطبعا هدا شي مو جديد عليك

    ردحذف
  4. لحظة إمساكه بحذائها تشعرك بدفء عميق يثير في نفسك رغبات متناقة فتتمنى أنك هو لتعيش لحظته المؤلمة وتشعر بارتياح أنك لست هو ربما لأنك تدرك أنك لا تقوى على الألم..
    مبدع كعادتك يا صديقي.. تقبل تحياتي..

    ردحذف
  5. وفقت كثيراً في أنسنة الحذاء الأحمر ليتحدث نيابة عن صاحبته .كم هي جميلة ومؤثرة فراس
    شكرا للصباح الذي نثر هذا الجمال

    ردحذف
  6. حجي خلات المرشاوي6 أكتوبر 2010 في 2:38 م

    والله انت مبدع يا فراس! سر أبداعك يكمن في كسب تعاطفنا مع الحذاء ومايمثله. نص محكم متقن السرد وراقي اللغة وثيمة انسانية تبحث بين ركام الذكريات عن حبيب طواه الزمن وغيّبته الأيام. شكرا للمتعة التي منحني اياها النص

    ردحذف
  7. فراس

    مدة طويله لم اقراء لك

    لكن اعود لاسقط فى هذه الانسيابيه

    ردحذف
  8. عقيلة آل حريز10 أكتوبر 2010 في 9:33 ص

    تواريات فراس

    ليس الحذاء برغم جمال ما وصفت كانت طقوس الوجع

    انها مواجع الإنسان .. ذاته .. أمانيه

    جاءت خاضعة للإنفلات بداخله رغم التحفز البادي عليها

    لو استكملت رحلته لأدركت الدوائر الكثيرة المفتوحة على رغبات مكثفة لم تنل حقها من التحقيق

    على كل حال

    كان السرد منسابا برغم من حزن الحذاء

    لا تتوقف عن الكتابة

    أجمل تحياتي

    ردحذف
  9. هذه الدنيا .. أحاسيس صارخة

    وأخرى نائمة ..



    حين نلجأ للدفء .. نحن للفضاء ..


    وحين يغشانا إعصاره .. نطلب السكون ..



    لم ولن تكن الحياة يوما على وتيرة واحدة ..


    هكذا هي .. أحاسيس متضادة ملتهبة ..

    ردحذف
  10. أمتعتني القصة حقا وحزنت لمصير الحذاء الأحمر الذي كان يمتلك مقومات

    الجمال والرقة وبسبب القسوة والإهمال غدا يائسا مقهورا

    أسلوبٌ بديع وخلاب يجبرني على شكرك لتقديم متعة قصصية كهذه للقاريء

    تحياتي أستاذ فراس عالم

    ردحذف