الخميس، 3 نوفمبر 2011

"حياتي": يالها من حياة!


إسم الكتاب: حياتي
المؤلف: أحمد أمين
الناشر: دار الشروق المصرية


علي أن أعترف بدايةً أنني حين شرعت في قراءة هذا الكتاب لم أكن أعرف من هو أحمد أمين و لم يسبق لي قراءة أي شيء من كتبه، و أن الدافع الوحيد الذي دفعني لقراءة هذا الكتاب هو ما كتبه عنه إبنه د.جلال أمين في كتابيه عن سيرته الذاتية (ماذا علمتني الحياة) و (رحيق العمر) و الذي تعرض فيهما للكثير عن والده و أشار في أكثر من موضع إلى هذا الكتاب بالاقتباس حيناً و بالإيضاح و التحليل أحياناً أخرى. و لقد توجست في بداية مطالعتي للكتاب من تاريخ كتابته القديم و سمعة كاتبه الأزهرية وخلفيته الدينية فتوقعت كتاباً جافاً صعب الأسلوب مليئاً بالتقعر في اللغة و الإطناب في البيان كدأب كتاب ذلك الزمان. لكن مجرد مطالعة الصفحات الأولى كشفت لي كم كنت مخطئاً و بينت لي أنني وقعت على كنز تاريخي نادر. فالكتاب أبعد ما يكون عن الإطناب و التقعر و لغة أحمد أمين أقرب ما تكون إلى لغة عصرية سلسة و انسيابية حتى و إن بدت ثقيلة في بعض المواضع النادرة. لكن أجمل ما يميز الكتاب هو وصفه البانورامي لكل مرحلة من مراحل التغير السريع التي مر بها المجتمع المصري و عاصرها الكاتب منذ كان طفلاً و حتى تقاعده و عينه الدقيقة الحساسة في وصف أحوال الناس و حياتهم اليومية و العلاقات البشرية في الحارة و الكتاب و الأزهر و القصر و النظرة التحليلية العميقة في بعض المواضع لأحداث و تفاعلات حلت بالبلاد و ربطها بالمتغير اليومي في بيت الكاتب إبان طفولته و شبابه. ولعل وصفه لمنزلهم و حارات القاهرة و المدرسة النظامية ثم الأزهرية التي دخلها و علاقته بوالده و علاقة والده بوالدته و اخوته تعد صورة بديعة ونادرة جداً عن المجتمع المصري في تلك الفترة لا تكاد تتخيل وجودها ولم يسبق أن قرأت وصفاً لها بهذا التماسك و هذه الحميمية.
و على الرغم من أن الكتاب عن السيرة الذاتية إلا أنه حافل بإنكار الذات و غارق في النظرة الموضوعية التحليلية للأحداث و التي جعل الكاتب نفسه فيها مراقباً و محللاً و ناقداً لنفسه و للمجتمع دون انحياز للأنا و لا تضخيم للذات بل تُفاجأ أنه يتعاطى مع أحداث جسام مرت به أو شارك في تكوينها بسطور قليلة تكاد تشعرك أن لا فضل له فيها على الإطلاق من شدة تجرده و إنكاره لذاته بل حتى المظالم التي تعرض لها من قبيل حرمانه من لقب الدكتوراه بسبب مواقف حزبية يذكره بتجرد هادئ و بدون انفعال صاخب أو مبالغ فيه. أو ذكرة لقصة تأليفه لنتاجه العظيم فجر الإسلام و ضحى الإسلام و ظهر الإسلام فهو لم يفرد لها فصلاً منفرداً ولا حتى صفحات مستقلة بل ذكر عرضاً قصة تشكل الفكرة في ذهنة ثم في سطور قليلة منهجه الذي اتبعه في الكتابة و عرج بحياء شديد في عبارة واحدة على ( القبول الذي حظيت به السلسلة) هكذا بلا تفاخر ولا تباه رغم الضجة الكبيرة و ردود الفعل و الحفاوة الواسعة التي استقبل بها الناس تلك السلسلة من المؤلفات و النقاش الذي دار حولها.
ولعل أجمل فصول الكتاب هي فصوله الأخيرة التي أجمل فيها الكاتب رأيه في نفسه و شخصيته و حياته فكتب صفحات بديعة هي مزيج من الأدب و التحليل النفسي و درس عميق في التواضع و إنكار الذات مقترناً في نفس الوقت بالثقة بالنفس و الإعتداد بالرأي و الاستعداد للقتال في سبيله متى ما رآه حقاً. و الكتاب مليء بالحكم و العبر المنثورة في صفحاته و قصص الناس و الأحداث في تلك الفترة الزاخرة من عمر مصر. و ربما يعاب على الكتاب تشتت بعض فصوله التي تحدث عن رحلات المؤلف لخارج البلاد و وصفه لتلك البلدان و الذي جاء في بعضها قوياً و عميقاً وفي البعض الآخر سطحياً و بلا إضافة حقيقية للكتاب.
عموماً. لن تستطيع بعد قرأة كتاب(حياتي) إلا أن تطلق تنهيدة عميقة و تتحسر على رحيل جيل العمالقة الأوفياء للعلم و الإبداع في صمت و تجرد و تقول رحمك الله يا أحمد أمين

هناك تعليقان (2):