السبت، 21 يناير 2012

فراس عالم

د. تهاني سعيد الحضرمي


في مساء لامع مختلف باختلاف الطقس ودرجات الحرارة اليومية بات الثلاثاء الماضي ساطع وكأن الفضاء الثقافي للمكان جسد رؤية ومنهجية إبداعية تحكي حكايات من منبر المقهى الثقافي في النادي الأدبي بمكة المكرمة.. كانت الأمسية مختلفة باختلاف القصص والروايات والأحداث والشخصيات وبدأت الرحلة حيث أبحرت السفينة بقيادة القبطان الشاعر خالد قماش إلى شواطئ المشاعر في الأمسية القصصية حيث المفردة الأنيقة والإحساس الصادق الذي ظهرت فيه استقلالية هوية القاص بالإيجاز والشاعرية والإدهاش ومجاراة الحياة السريعة في العصر الراهن.. لقد كان للبناء القصصي والتجربة الإبداعية المعاصرة في القصة القصيرة وأساليب السرد المتطورة التي استخدمها القاص وعمل على توظيفها في تقنية النص الأثر الواضح في استثمار نبرات الصوت والإيماءات التي جذبت الانتباه وجعلت من الاستماع أحد أدوات الحس الإنساني العميق نحو تتابع أحداث القصة التي سردها ببراعة وقناعته ونظرته نحو الحياة.. لقد كان لتمتعه بالمساحة الواسعة في التعبير عن الذات والغوص نحو الأعماق أبعادا أخرى أكدت التفاعل الوجداني مع الموقف القصصي بالتغيير في حالة الموقف وتبني التفاصيل الإدراكية نحو الصياغة الجذرية للرؤية الشخصية للحدث، فقد استخدم مهارات فنية في النسيج اللغوي الذي يُمثل السهل الممتنع واستعرض جوانب اختزال الإيحاءات ووصف الملامح والذكريات وطرق بوابة الماضي في حاضر ينتظر المستقبل ويقرأ حروف الخيال في واقع يمتلئ باليوميات التي تعلق في ذهنه بدقة وترسمها ريشته الذهنية وكأنها خرائط جغرافية تؤمن بأن التضاريس سر من أسرار الكون لن يعلم مكنونها سوى خالقها.. في الحقيقة لقد احترت حين أردت كتابة هذا المقال!! استوقفني العنوان كيف أختاره؟؟ والمقال يخص أخي طبيب الأسنان القاص (فراس عالم) الابن الأكبر لأمي التي لم تلدني تلك السيدة العظيمة التي تحمل بين أضلعها قلباً يتسع للعالم بأسره تُربي دون أن تتذمر، تُضحي دون أن تمن، تتألم دون أن تشكي، تُعطي ولا تنتظر أن تأخذ.. تلك السيدة هي من حولت انكسار اليُتم في نفوس أبنائها إلى خطوات نجاح واثقة تقف على عتبة الزمن أمام نافذة الغد تنظر إلى إشراقة الشمس صباح كل يوم جديد بأمل في الله كبير بأنه وحده قادر على توفيقهم وحفظهم من كل مكروه.. تلك السيدة التي كانت في يوم من الأيام هي الأم والأب لأطفالها الثلاثة ترقرقت الدموع في عينيها وهي تستعيد شريط ذكرياتها من التعب والقلق والخوف من المجهول وفي ذات الوقت تُنصت إلى هُتاف نبضات ابنها الطبيب فراس وهو يشكر صنيعها ويُقبل راحتيها في أروع صورة من صور البر والإحسان قطر: أمي نور بارك الله لكِ بهم وجعلهم قرة عين لكِ بإذنه تعالي وتأكدي (إن العالم يُفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب) رالف و.أمرسون

  نشر في جريدة البلاد السعودية بتاريخ 21-01-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق