الاثنين، 28 مايو 2012

ماركة!



يقترب «وليد» من الواجهة الزجاجية الفخمة لمعرض الملابس المشهور في الشارع التجاري في مدينته.
ذلك المعرض لا يعرض سوى ملابس وإكسسوارات تحمل اسم علامة تجارية شهيرة، ويبدو جلياً أن مالك المتجر لم يقصر في محاكاة ديكورات المتاجر الكبرى الخاصة بذات العلامة التجارية في مدن العالم الكبرى فزين الجدار المرتفع بصورة عملاقة لممثل أمريكي شهير لا تنقصه الوسامه وهو يبتسم في وضع جانبي موحٍ بالثقة ويرتدي قميصاً قصير الأكمام (تي شيرت) ذا لون أبيض ناصع لا يميزه سوى شعار العلامة التجارية في الجهة اليسرى من القميص وبحجم لا يزيد عن أربعة أو خمسة سنتيمترات.
يدخل وليد المعرض وعينه لا تكاد تفارق صورة النجم الشهير، يجول في المعرض الواسع ذي الإضاءة المريحة والتصميم الحديث الأشبه بحجرة ملابس منزلية مفتوحة تمنحه الكثير من الحميمية. خصوصاً أن لا أحد من البائعين يطاردك ليعرض عليك شيئاً معيناً ولا أحد يطالبك بالشراء.
ينتقي وليد ذات الـ(تي شيرت) الذي يرتديه الممثل في الإعلان يتأمله لوهلة بلا تركيز ويجرب مقاسه ويمضي ليدفع الثمن عند المحاسب، طبعاً لم يدقق وليد كثيراً في الثمن الذي يدفعه خصوصاً وهو يستخدم بطاقته الائتمانية لكنه يخرج سعيداً منتشياً وفي يده صيده الثمين، تلفح وجهه موجه من الهواء الحار والغبار لكنه لا يهتم فهو منشغل بالتخطيط للمناسبة التي سيرتدي فيها القميص ومستغرق في تخيل ردة فعل أقرانه عندما يشاهدونه عليه.
أعاده رنين هاتفه إلى الواقع، كانت شقيقته تطالبه بالعودة إلى السيارة لأنها تنتظره هناك بعد أن أنهت تسوقها.
كانت تحمل غلتها الثمينة.. حقيبة يد مزينة بوسم علامة تجارية فاخرة، وكانت الابتسامة التي تعلو محياها أبلغ تعبير عن شعورها تجاه رحلة التسوق الناجحة بكل المقاييس.
سيعود وليد وشقيقته إلى منزلهما، يستعرضان ما اشتريا فرحين به أمام والدتهما ستبدي قليلاً من الغضب تجاه الثمن الباهظ لـ»التي شيرت» والحقيبة لكنهما سيجيبان بلهجة مستنكرة وبذات النبرة «لا تنسي أنها ماااركة» وستتابع شقيقته «لن تجدي ماركة في السوق بسعر أرخص.. خصوصاً إذا كان موديلها جديداً مثل هذه».
سترفع الأم حاجبيها وتبتلع بقيه جملتها لأنها تعرف أنها ستخسر النقاش الذي خاضته مراراً من قبل دون جدوى.
وستتركهما وهي تتساءل ما الذي حل بهذا الجيل المهووس بالعلامات التجارية إلى هذا الحد؟ هل هو الشغف المبالغ فيه تجاه المظاهر، أم ماذا؟ ستهز رأسها وتنسى الموضوع حتى موعد رحلة التسوق القادمة!
لكن تساؤلها وجيه بشكل كاف ليبقى معلقاً، ترى ما الذي يدفع شخصاً ما ليقدم على شراء قميص (تي شيرت) قطني بمبلغ يصل إلى الأربع خانات؟ ليس للأمر علاقة بالجودة أو المتانة هنا فأفخر أنواع القطن في العالم لا تكلف عشر هذا المبلغ، كما أنه لا علاقة له بالتصميم، فالقميص كما معظم قمصان العلامة التجارية تلك وغيرها لا يميزه سوى شعارها المكتوب بأكثر من طريقة وأكثر من لون.. إذن ما هو السر الذي يجعل المشتري يقتنع بدفع عشرة أضعاف المبلغ المستحق لسلعة لا تستحقها؟
في الحقيقة ما كان وليد يبحث عنه هو وشقيقته ليس الجودة أو التصميم.. بل شيء أعمق كانا يطلبانه دون أن يشعرا بذلك وهو الشعور بالانتماء، ما تمنحه لك العلامة التجارية وما تقوله لك إعلاناتها الباهظة ونجومها فائقو الوسامة هو دعوة مستمرة للانضمام إلى النادي، نادي المميزين والمشاهير والأذكياء ونجوم المجتمع، أنت وبمجرد ارتدائك لشعارنا تصبح واحداً منا، واحداً من النخبة المميزين الأكثر إثارة ووسامة ولفتاً للأنظار، ستصبح في دائرة الإعجاب والحسد من أقرانك أينما ذهبت. لأجل ذلك يحرص زبائن العلامة التجارية على تعميق ولائهم للماركة، دون المبالاة بثمنها ويحرصون على إظهار ذلك الولاء في أي منتج يحمل ذات الشعار فالقميص والسترة والحزام والبنطال والحذاء وحتى القبعة ينبغي أن يكونوا جميعاً من ذات الماركة أو من ماركة مساوية لها في الوهج، ولأجل ذلك يأنف وليد وأصدقاؤه من ارتداء القمصان ذات الماركات المقلدة أو غير المعروفة مهما بلغت جودتها ويعدون ذلك نوعاً من الغش أو التصرف المنحط الذي لا يمارسه إلا أبناء الطبقات الدنيا.
ترى هل أصبحت العلامة التجارية رمز العنصرية الطبقية الجديدة؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في الأسبوع المقبل.


نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٦٧) صفحة (١٧) بتاريخ (١٩-٠٥-٢٠١٢)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق