الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

تأثير البلاسيبو



كان السيد رايت مريضاً بالسرطان،بل في مرحلة متقدمة من المرض، كانت أورامه متناثرة في أجزاء متعددة من جسده و كان بعضها يبلغ في حجمة حجم برتقالة صغيرة. بمعنى آخر أقل مواربة كان الرجل يحتضر. سمع السيد رايت و هو في المستشفى عن دواء جديد مفيد في علاج السرطان، تحمس له كثيراً و أصر على تجربته، و بالفعل بعد ثلاثة أيام من تعاطيه كان السيد رايت يتمشى سعيداً في ردهات القسم، و بعد عشرة أيام كان قد خرج من المستشفى بعد أن تحسنت حالته تحسناً ملحوظاً. ما لم يكن يعرفه السيد رايت أن عدداً من مرضى السرطان الآخرين في ذات القسم قد تناولوا نفس الدواء بدون فائدة و أن الأبحاث أثبتت أن الدواء الذي تناوله فاشل و غير فعال في علاج السرطان.
كيف تحسن السيد رايت رغم أن العلاج غير فعال؟ لقد تحسن لأنه (اعتقد) بشدة أن هذا العلاج  مفيد و له قدرة على مقاومة المرض، و بالتالي فإن دماغه أعطى جسده إحساساً داخلياً بالشفاء بغض النظر عن فعالية الدواء.
هذا ما يسميه الأطباء بتأثير البلاسيبو (Placebo Effect). و يعرف العلماء البلاسيبو بأنها أي إجراء علاجي يتم إيهام المريض بأنه إجراء فعال و هو في الحقيقة وهمي و غير حقيقي، و من الممكن أن تشمل البلاسيبو حبوب الأدوية الوهمية و الحقن المائية و حتى العمليات الجراحية الكاذبة.  و على مدى عقود خضع الكثير من الناس لتجارب متعددة و استعملوا آلاف الوصفات و الأدوية الوهمية في محاولة لفهم تأثير البلاسيبو  و دائماً ما كانت النتائج مربكة و محيرة و تدل على تعقيد عملية التفكير لدى الإنسان و تباينها من شخص لآخر. ففي إحدى التجارب قام الأطباء بإعطاء حقن للمرضى و أخبروهم أنها تحتوي على مسكن قوي ضد الألم، و الواقع أن نصف المرضى فقط هم الذين أخذوا مسكناً حقيقياً في حين أخذ نصفهم الآخر محلولاً ملحياً فقط، لكن العجيب أن كلا الفريقين أبدى استجابة مشابهة في درجة تحمل الألم. و في دراسة أخرى أجريت في جامعة دنفر الأمركية عام ٢٠٠٤ تم إخضاع مرضى بحالات متقدمة من داء الباركنسون إلى جراحة تجريبية تهدف لزرع خلايا عصبية جنينية في أدمغتهم تساعد على تعويض مادة الدوبامين التي تفقدها خلاياهم العصبية، و قد تم إخضاع نصف المجموعة لجراحة حقيقية و نصفهم لجراحة كاذبة و العجيب في الأمر أن كلا الفريقين أبدى شعوراً متقارباً بالتحسن في طبيعة الحياة اليومية بعد الجراحة!.
و لا يقتصر تأثير البلاسيبو على الإجراءات المباشرة كالأدوية و الجراحة بل إن لا وعي المريض يلعب دوراً كذلك  فمجرد رؤية المريض للمعطف الأبيض للطبيب أو دخوله للمستشفى أو حتى تنشقه لرائحة المطهرات المميزة في المستشفيات كفيلة بإشعاره بنوع من التحسن.
ليس كذلك  وحسب بل حتى سعر الدواء و اسمه و جرعته تلعب دوراً في تأثير البلاسيبو الذي يرافقه. فبين دواء يكلف عشرة سنتات و دواء يكلف دولارين و نصف أبدى المرضى الذين تعاطوا الدواء الأغلى شعوراً أفضل بالتحسن بالرغم من أن كلاهما وهمي!.
لكن ما مدى أخلاقية وصف الأدوية الوهمية للمرضى؟ و هل هي حقاً فعالة على المدى الطويل؟ و هل استجابة المريض لدواء وهمي كفيلة بشفائة أم أنها تحجب التشخيص الدقيق لحالته و تؤخر شفاءه الفعلي؟
في الدنمارك خلصت دراسة أجريت على أطباء العموم أن ٥٠٪ بالمئة منهم يصفون أدوية وهمية للمرضى معظمها مضادات حيوية لحالات الرشح الفيروسي أو بعض الفيتامينات لحالات الإجهاد و  برر الأطباء تلك الوصفات رغم علمهم بعدم جدواها بأنها تمنح المريض نوعاً من الإرتياح و الثقة.
لنعد لقصة السيد رايت التي ذكرناها في بداية المقال، بعد خروج السيد رايت من المستشفى بأيام اضطلع على تقرير صحفي يشكك في جدوى العلاج الجديد الذي تلقاه و يصفه بأنه عديم الجدوى ، و بمجرد معرفته بذلك أصيب بانتكاسه و عاد إلى المستشفى و رغم محاولات الأطباء إنقاذه إلا أنه توفي خلال شهرين.
ترى كم مرة تعرضت أنت لتأثير البلاسيبو دون أن تعلم؟ كم مرة وصف لك الطبيب دواء غالياً لا تحتاجه فقط  ليقنعك بجدوى قيمة الكشف التي دفعتها أو ليتخلص من إزعاجك بالأسئلة المتكررة؟
كم مرة خضعت لجراحة أو إجراء علاجي مكلف قد لا يكون مفيداً أو ضرورياً لحالتك؟
ترى كم من مستشفياتنا العامة و الخاصة يمارس علينا العلاج بطريقة البلاسيبو دون أن نعلم؟
و هل لازلنا نمارس الحياة باطمئنان رغم الكوارث التي نسمع عنها في القطاع الطبي بفضل تأثير البلاسيبو؟ إن كنا كذلك فأرجو أن لا يكون مصيرنا نفس مصير السيد رايت عندما نعرف الحقيقة ذات يوم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق