الجمعة، 2 نوفمبر 2012

لو لم أكن غنياً..لكنت رجلاً طيباً!



إلى أي مدى يرتبط الغنى بالأخلاق؟ و الثروة بالفساد؟ هل من الضروري أن يكون الغني مستبداً و شريراً؟ و هل بالفعل يصنع الأغنياء ثرواتهم على حساب الضعفاء دائماً؟
لماذا يملك الناس بشكل عام ذلك الشعور السلبي تجاه الأغنياء و فاحشي الثراء؟ وهل ذلك الشعور له أسباب منطقية أم أنه رد فعل طبيعي في أي مجتمع يملك طبقة عريضة من الأغنياء؟
كيف يمكن أن تفسر تبرعات سخية لرجل أعمال في مجالات البر في ذات الوقت الذي تمارس شركته أعمالاً احتكارية أو غير قانونية؟ هل الأمر مجرد ازدواجية في المعايير؟ أم أكبر من ذلك؟
بعيداً عن حساسية النطاق المحلي لنأخذ مثالاً عالمياً. كلنا يعرف الملياردير (بيل جيتس) رئيس مايكروسوفت السابق. بيل جيتس الآن يدير مؤسسه خيرية ينفق فيها جزءاً كبيراً من ثروته و التي قدرت في يوم من الأيام بأكبر ثروة في العالم. يتبنى بيل غيتس مشاريعاً خيرية لمكافحة الجهل و الفقر في أفريقيا و ينفق عليها بسخاء. لكن المثير للتأمل أن (بيل غيتس) عندما كان يقود شركة مايكروسوفت خاض محاكمة طويلة كادت أن تنتهي بتقسيم شركته بتهمة الاحتكار و الممارسات الغير نزيهة، كما أن سمعة شركته لم تسلم من اتهامات كثيرة من شركات صغرى بالسطو على منتجاتها دون أخذ موافقتها القانونية. فكيف يمكن التوفيق بين الوجهين؟ وجه الشرير في الإدارة و المتبرع السخي لإنقاذ العالم بعد التقاعد؟ و هو مثال يتكرر كثيراً مع أثرياء آخرين أقل أو أكثر شهرة من بيل غيتس.
في الحقيقة لفهم هذه المفارقة يجب أن نعود قليلاً للخلف لتحليل مفهوم الثروة و الرأسمالية في الفكر الغربي. فالفكر الرأسمالي الغربي يفصل فصلاً حاداً بين عملية الربح التجاري و بين الإلتزام الأخلاقي و يرى الخلط بينهما إضرار بآلية السوق، فالسوق وحده يصنع قيمه الخاصة به و يصنع آلياته التي تقوده لمنفعة أطراف التجارة سواء كانوا بائعين و مشترين أو عمالاً و أصحاب عمل. هذه القيمة البسيطة هي التي تبنتها الشركات الكبرى بشكل أكثر تعقيداً لتصبح ماهي عليه اليوم. فالشركات الكبرى أصبحت كيانات ذات شخصية و هوية خاصة بها،وظيفتها الوحيدة هي الربح و لا شيء سواه. الشركات لا مالك وحيد أو ثابت لها، بل إن قائمة مالكيها تتغير كل ساعة حسب حركة أسهمها في البورصة، و هي كذلك لا تخضع لشخصية مديرها أو رئيس مجلس إدارتها بل تخضعه هو و فريقه لخدمتها و ابتكار المزيد من الطرق لزيادة أرباحها.
الشركات العملاقة تحولت لتصبح كيانات أشبه بوحوش أسطوريه أو ديناصورات عملاقة نهمة بشكل دائم لمزيد من الربح و مزيد من المال و لا يهمها في سبيل تحقيق هذا الربح إن جاء بطريقة أخلاقية أو لا فضلاً عن أن تكون لائقة أو مقبولة اجتماعياً. بل حتى الشركات التي تكون بداياتها رومانسية و تروى كقصص عن مكافحة الاحتكار سرعان ما تتحول لتصبح كائنات مفترسة كي تستطيع الاستمرار، يروي صاحب كتاب (قصة جوجل) أن أهم مصادر دخل جوجل و هو الإعلانات المتزامنة مع البحث قد تمت سرقة فكرته من شركة (ياهوو) و أن ٠جوجل) اضطرت لدفع تسوية مالية ضخمة لشركة (ياهوو) بعد صراع قضائي عنيف. لاحظ أن الجميع و حتى زمن قريب كان  يتغنى بقصة ظهور شركة جوجل على يد طلبة دراسات عليا مكافحين لا يملكون المال الكافي لبد مشروعهم التجاري!.
و لو عدنا للماضي فلا شك أن المهتمين بقطاع النفط يعرفون جيداً قصة شركة (ستاندرد أويل) و التي سيطرت على قطاع النفط في أمريكا بشكل كامل في القرن الماضي مما جعل المحكمة العليا الأمركية تصدر قراراً تاريخيا بتقسيمها إلى ٣٤ شركة مختلفة حمايةً للاقتصاد من ضرر الاحتكار.
هذه القوانين الصارمة هي أهم  أداة لحماية المجتمع و الدولة من افتراس تلك الشركات للناس، فهي تؤدي دور لسعة السوط التي تردع الحيوان المفرس في السيرك عن الخروج عن دوره المرسوم له عندما يفكر في مهاجمه المتفرجين أو حتى الحيوانات الأخرى المشاركة معه في العرض. القوانين و الضرائب و الرقابة المجتمعية الصارمة هي البديل عن غياب عامل الأخلاق في مفهوم الشركات العملاقة و هي ما يدفعها للالتزام بالحد الأدنى من احترام الحقوق و حتى المشاركة في الخدمة الاجتماعية.
للمال دائماً بريق يعمي الأبصار و قوة تغري بالبطش و لا ينفع معها مخاطبة ضمير صاحب المال بقدر ما يجب تقييده بقوة القانون كي لا يحيد عن الطريق و هلاك المجتمعات يبدأ عندما تجتمع سلطة المال و الشريع في يد واحدة. عندها يصبح الفقراء أشبه بجمهور سيرك ترك ليواجه فرقة الأسود دون حواجز!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق