الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

متى تكون المرأة (بنت ناس)؟


لا بد أنك مررت بهذا الموقف من قبل، أو أنك ستمر به عما قريب. تأتي أمك لتحدثك حديثاً جاداً على انفراد ثم تهمس لك بعد أن تتأكد من أن أحداً من أخواتك لا يسمعها
-”لقد وجدت لك اليوم عروساً..أصل و فصل و أخلاق عالية و (بنت ناس)”.
تأخذك الدهشة الممزوجة بالحماسة تستنطق أمك مزيداً من المعلومات و تبدأ في التفكير في مشروع العمر و الإرتباط بفتاة الأحلام.
تذهب أمك و أختك في زيارة لعائلتها، تنفرد باختك بعد عودتها، تسألها عن رأيها في الفتاة، تراوغك بخبث قليلاً ثم تقول لك و هي تبتسم
-” هي ليست بارعة الجمال لكن واضح جداً أنها (بنت نااااس)”
يتطور الأمر و يشترك والدك في الموضوع تحدثه والدتك عن رغبتها في خطبة الفتاة لك، يؤمن برأسه موافقاً بمجرد سماعه لإسم العائلة
-” و النعم..(بنت ناس) و أبوها رجل معروف"
أنت مأخوذ بالتجربة المثيرة و مشروع العمر الذي تقدم عليه، لا تدقق كثيراً في المصطلحات التي استخدمتها أمك و أختك و والدك. لم تلاحظ أنهم جميعاً استخدموا مصطلح "بنت ناس" و لم تحاول أن تستنبط مالذي يعنيه كل واحد منهم تحديداً بهذه العبارة؟ هل كانت والدتك تعني بها التربية الحميدة و احترام الكبير؟ و ماذا كانت تقصد أختك وهي تقولها بصيغة التفخيم؟ هل كانت تعني أنها من عائلة ثرية و تعبر عن ابهارها بمظاهر الأبهه في دارهم بتلك العبارة؟
و ماذا عن والدك؟ هو لا يعرف أخلاق الفتاة و لم يشاهد دارها لكنه استخدم ذات العبارة. ترى هل كان يعني أصالة نسبها؟ و أنها من عائلة أو قبيلة عريقة؟
ترى ماذا تعني هذه العبارة لك أنت؟ و لكِ أنتِ؟ نحن نستخدم هذه العبارة بكثرة كل يوم فهل هناك اتفاق واضح على معناها لدينا؟ وهل مميزات (بنت الناس) في مجتمع القرية تنطبق على  (بنت الناس) في مجتمع المدينة؟ و هل هي ذاتها في دول و مجتمعات أخرى؟ العبارة كما ترى رغم بساطتها إلا أنها مراوغة و تحتوي على مضامين معقدة يصعب تفكيكها.
كانت الباحثة (غادة برسوم) تجري دراسة عن(أزمة عمالة الخريجات في مصر)، و أجرت مقابلات مع أصحاب الأعمال و شركات التوظيف لدراسة شروط القبول لتلك الوظائف، و فوجئت بأنها اصطدمت بشرط غير مكتوب يكرره كل أصحاب الأعمال تقريباً و هو أن تكون المتقدمة (بنت ناس)!
و عند سؤالهم عن المعنى المقصود ببنت ناس كانت الإجابات متباينة إلى حد كبير
فبعض أصحاب الأعمال وصفها بأنها من تمتلك لغة إنجليزية ممتازة و يفضل أن تكون بلكنه أجنبية.
البعض الآخر ركز على الخلفية الاجتماعية "بأن تكون من طبقة راقية و تحسن التصرف مع الآخرين"
و تمييز الطبقة الراقية غالباً ما يعتمد على المظهر كما تقول الباحثة(قد تستطيع المرشحة الحصول علي ملابس غالية الثمن عن طريق ادخار أو اقتراض المال، ولكنها لا تستطيع خداع أصحاب الأعمال ووكلاء التوظيف فيما يخص خلفيتها الاجتماعية إذا كانت من خلفية متواضعة. لذا فهم يشيرون إلي هؤلاء المرشحات اللاتي يأتين مرتديات «أحذية سوداء وحقائب بيضاء» ويضعن «طلاء أظافر ممحوا أو غير متناسق»، ويلبسن جوارب مقطوعة أو سائبة و تكون شعورهن «مصبوغة باللون الأصفر ولكن مهملة لينمو اللون الأسود الأصلي في الجذور» مما يتناقض مع لون الأطراف المصبوغة أصفر سابقا. وكل هذه الأشياء هي دقيقة للغاية وقد تمر دون أن تلاحظ من قبل شخص غير قادم من نفس الخلفية الاجتماعية)
و رغم أهمية المظهر كميزه من مميزات (بنات الناس) عند التوظيف فإن البعض ذكر تعريفات أخرى للمصطلح كالتركيز على البعد الأخلاقي بأن بنت الناس هي من "تعرف الحلال من الحرام" أو التي "لا تفشي أسرار العمل للمنافسين" أو التي تكون (عينها مليانه) فلا تحسد غيرها، في إشارة إلى خلفيتها الإجتماعية كذلك.
أما منشأ الكلمة ذاتها فترجعه الباحثة إلى عصر المماليك عندما استقدمهم الأيوبيون كجنود ثم حكموا مصر بعد ذلك لثلاثة قرون و تميزوا هم و ذريتهم بالبشرة البيضاء و الوضع الاجتماعي المميز للحكام فأطلق عليهم مصطلح (أولاد ناس) ثم عمم بعد ذلك على كل من تميز شكله و وضعه الإجتماعي.
و تخلص الباحثة أن المصطلح له خلفية متباينة  لكنها لا تخلو من نفس طبقي أو عنصري يشكل عائقاً أمام فئة كبيرة من المجتمع للحصول على فرصة متساوية مع الآخرين
هل لازلت تبحث عن شريكة العمر؟ ابحث عن حسنة التربية أو عريقة النسب أو جميلة القوام لكن لمصلحتك كن أكثر تحديداً و تجنب المصطلح الفضفاض (بنت ناس)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق