الخميس، 20 ديسمبر 2012

هل للشركات أخلاق (٢-٢)


لا أحد يتحدث عن الالتزام و الأخلاقيات و الشراكة مع المجتمع مثل الشركات العملاقة، دعايات باذخة في القنوات التلفزونية و ملصقات عملاقة في الشوارع،و عبارات و ألوان حالمة و جذابة عن مستقبل أفضل يجمعنا.
هذه العبارات اللطيفة كفيلة بتخديرك، بإشعارك أن أصدقاءك في الكوكب يهتمون بأمرك فعلاً و أن ما تدفعه لهم من مال يساهم في تحسين حياة الآخرين.
لكن ما هي ردة فعلك لو عرفت أن الشركة العالمية التي تصنع ملابسك المفضلة تستغل الأطفال في مصانعها في الدول الفقيرة؟ ماذا لو عرفت أن قميصك الفاخر الذي تتباهى به أنتجته طفلة عملت لأكثر من ١٢ ساعه متواصلة في مصنع سيء التهوية مرتفع الحرارة و بدون دورات مياة، و أنها تعرضت للضرب و الإهانه بشكل مستمر كي تنتج قميصك الفاخر؟
قد تستغرب هذا التناقض العجيب في تصرف شركتك المفضلة لكن جويل باكان العالم المتخصص في الاقتصاد يري ذلك تصرفا طبيعياً و يرجعه إلى طبيعة تكوين شركات المساهمة العملاقة تلك و التي تفصل بين ملاك الشركة من حملة الأسهم و المشتتين في أنحاء الأرض بلا هوية أوقدرة على اتخاذ القرار و بين إدارة صغيرة تتصرف في رأس مال خرافي بدون وازع أو دافع سوى تعظيم أرباح الشركة
هذه الشركات أصبحت في تعريف الاقتصاد الحديث كائنات ذات شخصية مستقلة، بل إن بعض علماء الاقتصاد يصفون سلوكها بأنه سلوك شخصية تعاني من خلل نفسي، شخصية سايكوباثية متمركزة حول نفسها لا تفكر في الآخرين و تصر دائماً أنها الأفضل و الأرقى، لا تتورع عن الكذب و مخالفة القانون بشتى الطرق، لا تشعر بالندم تجاه أي فعل مشين أو مضر بالآخرين و لا تعتذر إلا لحماية مصالحها الضيقة فحسب.
و لأنها شخصية بشعه مدمنه على حب المال فلابد لها من قناع يستر قبحها، هذا القناع هو كذبة (المسؤلية الاجتماعية و الالتزام الأخلاقي) كما يسميه جويل باكان في كتابه (الشركة: السعي المرضي نحو السلطة و الربح).
المسؤلية الأخلاقية التي تتشدق بها الشركات و ترددها كثيراً في حملاتها الدعائية ماهي في نظر المؤلف إلا مجموعة أكاذيب تمارسها الشركات لتحسين صورتها وزيادة أرباحها، و دليله على ذلك أن قوانين الشركات (تحظر) أن تقوم الإدارة بأي عمل يحد من أرباح المساهمين، ويضرب مثالاً بشركة فايزر العملاقة للأدوية، و التي تروج لحملة ضخمة عن توزيعها لأدوية مجانية في أفريقيا كمثال على التزامها الأخلاقي تجاه المجتمعات، في حين أنها تستفيد من تلك الحملة في الدعاية و خصم الضرائب و التخلص من المخزون الفائض. و في المقابل فإنها تمتنع عن تطوير أدوية لأمراض قاتلة كالسل و الملاريا لأنها (غير مجدية) و تفضل صرف أموال الأبحاث على أدويه أكثر ربحية كأدوية الصلع و السمنه بل و حتى أدوية علاج الاكتئاب لدى(الحيوانات المنزلية)!، فأين الالتزام الأخلاقي هنا؟
مهما بدت لك الشركة التي تتعامل معها لطيفة و ودودة فلا تدعها تخدعك تذكر أن ذلك مجرد قناع، و أنك لا تمثل لها أكثر من رقم وأن اللطف الذي تبديه نحوك سببه الوحيد تحليل التكلفة الذي يقول لها أن هذا الفعل مجدِ اقتصادياً على المدى البعيد أو أنه يجنبها عقوبة قانونية مكلفة، و تذكر أنه لو أتيحت لها الفرصة لتجني الربح بطريقة مختلفة لافترستك بلا هوادة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق