الخميس، 6 يونيو 2013

وزارة الحب


كان موظفاً مجتهداً، يعمل محرراً في "وزارة الحقيقة". وزارة الحقيقة هي المسؤولة عن سلامة أفكار الناس و معتقداتهم و عن حمايتها من التلوث و التأثير الخارجي، يقوم بطلنا بمهمة جليلة، و هي تعديل و تغيير المواد المنشورة قديماً في الصحف لتناسب الرؤية الجديدة للحزب، فمثلاً إذا قال الحزب بأن الدولة تتحالف مع دولة استاسيا ضد دولة أوراسيا فلا بد أن تتغير كل الصحف و الأفلام و الكتب التي كانت تقول بأن الدولة سبق أن حاربت استاسيا أو تحالفت مع أوراسيا. كذلك كان من وظائفه المهمة أن يمحو ذكر أي شخص تقرر الدولة التخلص منه، فلا يكفي إعدامه بل ينبغي محو ذكره تماماً من كل المنشورات و الوثائق القديمة فأعداء الحزب لا يستحقون حتى الذكرى.
كان من ضمن مشاريع وزارة الحقيقة كذلك العمل على إصدار معجم لغوي جديد يحذف الكلمات النابية من طراز (ثورة، تمرد، استقلال، حرية)، حتى لا تفسد أفكار الناس و تنحرف توجهاتهم
كان يعلم أن الأخ الأكبر يراقبه، كان يشاهد صورته الضخمة المهيبة في الشاشات العملاقة، و يشعر بحرارة النظرة الفاحصة المحدقة خلف الشاشة، الأخ الأكبر يعرف كل شيء. يراقب الناس عبر الشاشات و الكاميرات الخفية و الجواسيس المخلصين. لكنه لم يكن يحب الأخ الأكبر، و لم يحب طريقة الحياة الخانقة التي يمنع فيها كل شيء حتى الحب، الحب الذي قاده للتمرد عندما التقى جوليا، زميلته في الوزارة و التي بادلته الحب سراً و قررا التمادي رغم أوامر الحزب، و لأنه يحبها قرر أن يكون ثورياً و التقى بأحد قادة تنظيم الثوار الذي وعده بأن يضمه للتنظيم و أعطاه كتاب التعليمات الممنوع، لكن الأمور تبدلت سريعاً فسرعان ماداهمت "شرطة الأفكار" غرفته لتقبض عليه بالجرم المشهود مع جوليا، و ليكتشف أن قائد الثوار المزعوم هو رئيس شرطة الأفكار، بل إن صاحب المنزل الذي منحه الغرفة عضو في شرطة الأفكار كذلك. أي أنه كان مكشوفاً للأخ الأكبر منذ اليوم الأول!.
يتم تحويله لوزارة تسمى "وزارة الحب" كي تعيد إصلاحة و تجعل حبه خالصاً للأخ الأكبر فقط. يتولى رئيس شرطة الأفكار الذي اصطادة مهمة تعذيبة شخصياً، يخبره بأن عليه أن يتعلم، يتفهم، و يؤمن بحب الأخ الأكبر وحده، يتعرض للصدمات الكهربائية و شتى أنواع التعذيب يعترف بجرائم لم يرتكبها قط، لكنه ظل محافظاً على حبه لجوليا و كراهية الأخ الأكبر، هنا يبعثونه للغرفة ١٠١ حيث آخر وسائل الإصلاح، يستخرجون أعمق مخاوفه ويجسدونها، كان يخاف الفئران بشده لذلك وضعوا رأسه في قفص ممتلئ بالفئران الجائعة انهار أخيراً و صرخ انقذوني و ضعوا جوليا مكاني. لقد رضخ و تم إصلاحه، أصبح يحب الأخ الأكبر و يؤمن بأفكاره و يكره جوليا. مرة أخرى تنجح وزارة الحب في إصلاح مواطن ضال و تنتزعه من هوة الانحراف.
ذلك عزيزي القارئ ملخص مُخل لرواية "١٩٨٤" للكاتب العبقري جورج أورويل و التي كتبها قبل ما يزيد على ستين عام، أعد تأملها و قم باستبدال الأسماء و المصطلحات بعشرات البدائل للأحداث التي من حولك و سيدهشك كم ستبدو مناسبة و مطابقة بشكل مذهل!


العبارات باللون الأحمر لم يتم نشرها في الجريدة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق