الجمعة، 25 يوليو 2008

قصة قصيرة ... نافذة زرقاء

(1)
كان يود أن يكتب مذكراته ذات يوم.. أن يبدأها بعبارة فاخرة من طراز أنا الجنرال فلان.. قائد الحرب العظمي التي عرفتم وذقتم،. وقد قررت أن أحكي لكم كل الأسرار التي ظللتم تتكهنون بها دهراً. حان الوقت أن أطلعكم علي السر الرهيب الذي في حوزتي، وأن أشرح لكم خطط الحرب الظافرة التي صنعت. لكنه ليس الجنرال فلان.. ولم يقد حرباً مظفرة في حياته.. ولايملك سراً رهيباً ليطلع أحداً عليه!!
(2)
تلمع المربعات البيضاء والسوداء علي الشاشة. يعجبه وضع اللوحة الرأسي غير المألوف في اللعب التقليدي، يرتب جنوده السود وخيوله وفيلته وقلاعه بزهو كبير. يبدأ حركته المغرورة بالجنود المتوسطين يسترجع كل الخطط التي أعدها للإطاحة بخصمه. يبدأ الجهاز حركاته بسذاجة مفرطة، ينقل خيوله باندفاع مع الحركات الأولي.. يبتسم ابتسامة صفراء ويدفع بجنوده لمحاصرة الخيول الجامحة. تفاجئه بانقضاضها علي المساحة الخالية خلف الجنود.. تحرجه بتهديد الملك في عقر مربعاته.. يدرك أنه سيخسر القلعة والفيلة لا شك ليحمي الملك.. وأن عشر دقائق كفيلة بتمزيق جيشه الأسود ومطاردة ملكة الضليل في مهانة علي المربعات المتداخلة.. تتحرك يده بارتباك نحو الفأرة وتضغط زر إعادة اللعبة من جديد.
(3)
يلمع الركن الأسفل في الشاشة، مربع صغير علي شكل ظرف يبرق في تتابع بجوار أرقام الساعة الإلكترونية، يحرك السهم بلهفة ليفتحه..
- مرحباً، ممكن نتعرف؟
تبرز الرسالة في وسط المساحة المتخمة بالرسوم
- ممكن أكيد
يعاود الكتابة ويضغط زر الإرسال.
ثلاث أو أربع رسائل متتابعة تسأله عن اسمه وعمره وشكله، يجيب عنها بصراحة شديدة , يبادلها بأسئلة أكثر لهفة. تتباعد المدد الفاصلة بين الرسائل.. تتأخر الرسالة الأخيرة كثيراً، يتبعها برسالة أخري.
- أين أنت؟
عندما يكتب بجرأة يتجاهلنه تماماً، وعندما يغدو صادقاً ومباشراً يتسربن منه بسهولة. التمع الركن بالرسالة الصفراء.. توسد المستطيل الأبيض الشاشة وفي وسطه عبارة واحدة:
- باي... مشغولة .
(4)
الوصول الي هذه الصفحة غير مسموح به..!!
نقرتان أو ثلاث.. أرقام أخري تبدل.. وتظهر الصور الفاتنة علي الشاشة..
تحذير.. إذا كان عمرك أقل من 18 سنة أو تقيم في بلد يمنع دخول هذه المواقع فبادر بالخروج وإلا.. .
يتجاهل قراءة بقية العبارة، يضغط زر الدخول، تتابع العروض والبسمات والأجساد البضة المتألقة والنظرات الذابلة المفعمة بالطلب والأوضاع المغرية بالاستجابة. تنتابه الحماسة يقرر الاشتراك في عضوية الموقع.. يدون رقم بطاقته المصرفية ومعلومات مقتضبة عنه.. صورة أكثر إغراءً.. عبارة أكثر بذخاً و.. أنت مدعو لدخول الجنة !!.
يزداد تلمظه علي الكرسي تتسع عيناه لتمتص كل فوتونات الرغبة المتطايرة من الشاشة. لكن تحميل الموقع يتباطأ.. صفحة حمراء تقطع عليه سيل أحلامه...
بطاقتك المصرفية غير سارية المفعول!! .
(5)
نافذة زرقاء صغيرة.. بل نافذة زرقاء متوسطة.. علامة تنبئ أن برنامجاً ما يتم تحميله علي الجهاز.. ضوء باهت ينعكس علي كريستال الشاشة يرتطم باطن قدمه الموجهة الي الجهاز.. قدمه الممتدة علي طول المكتب، وجسده المتراخي يتبعثر فوق الكرسي.. رأسه ملقاة الي آخر مدي يسمح به كرسيه الصلب، ودخان يعبق معلقاً فوق رأسه في حلقات ينفثها في برود.. النافذة الزرقاء تومض في تتابع..
تم التحميل
تخفت مجدداً، يتحرك سهم صغير - يوحي بتشغيل شيء ما - يهز رجليه مجدداً دون تركيز.. يعلو صوت صادح لشيخ يهتف في خطبة سياسية ممنوعة..
يا أخي دع الناس تتحدث.. ما الذي يضيرك إذا تنفس الناس؟
يبتسم بخبث ويواصل نفث دخانه، وطرقات متتابعة علي الباب تعلو دون أن يعيرها اهتماماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق