الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

فراس عالم.. شعرية وقدرة تقيد نفسها.. وتأثر بأفلام "التيرسو" الغربية

مقال لمحرر وكالة رويترز جورج جحا شن فيه هجوماً عنيفاً على كتابي"المشبك الخشبي"



بيروت (رويترز) - عالم "فراس عبد العزيز عالم" القصصي كما يتجلى في مجموعته الأخيرة "المشبك الخشبي" قد يثير استغرابا في ذهن القارىء.. ففيه شعرية وقوة سرد ووصف واضحة وكثير من "غير العادي".
إلا ان الكاتب يبدو فيه كأنه يقيد نفسه فيربطها بالغريب المحدود ويركز على لحظات يصعب ان تنطلق إلى نطاق إنساني واسع مع انه كثيرا ما يوحي لقارئه بأنه يعد بهذا الإنساني. انه مولع بالتركيز على لحظات محدودة فحسب. وعلى رغم غوص في النفس هناوعمق فكري هناك فهدفه يبدو اقرب إلى الادهاش بل إثارة الاستغراب.
ويعكس هذا العالم ما يبدو اجواء من افلام الغرابة والرعب والدم التي تصل إلى حد ما يصفه البعض بالشذوذ وما يستعير له اخرون -في تلطف غير مقصود- تعبير افلام "التيرسو" الأمريكية خاصة. والتيرسو هنا يختلف عن مفهوم التيرسو المصري القديم اذ انه ياتي بمعنى هبوط يصل إلى درجة ربما اثارت القرف والغثيان بينما تدعي العمق.
عند الكاتب السعودي فراس عبد العزيز عالم كما عند بعض الكتاب العرب الاخرين من سعوديين وغير سعوديين تطل الكلمة الشعرية بل النص الشعري في جزء كبير من نتاجهم في صورة "صاحب الدار" الاصلي.. والقيم الروائية السردية اقرب إلى صورة الضيف وان جاء هذا الضيف في شكل يثير الاعجاب في احايين محدودة.
مع فراس عالم تشعر بأسف أحيانا لأن موهبة تعد بكثير تكتفي بما هو اقل من ذاك بكثير وترضى باثارة الادهاش او غيره مع ان الكاتب يغوص أحيانا في النفس البشرية بعمق. إلا ان غوصه ينصب على رؤية محدودة جدا إلى درجة انه يتلهى به عن التوصل إلى رؤية اكثر اتساعا او ذات شمول من نوع ما.
اشتملت المجموعة على 19 عنوانا في 123 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
بعد الاهداء يكتب فراس تحت عنوان هو "حيث لا يراني احد". تتوقع ان تقرأ قصة فاذا بك تقرأ شعرا. انه هنا شعر "خالص" إلى حد بعيد وليس سردا شعريا. الكاتب هنا اكثر إنسانية وشمولية منه في كثير من القصص. ولعله في هذه "المقدمة" سجل نظرة إلى الحياة والوجود تتسم بالعمق وبالتعبير الموحي لكنه في القصص لم ينفذ إلى الحياة والوجود بل اكتفى بتناول صور ومشاهد منهما ضيقة محدودة.
يقول "وحدها/ او وحدك/ او وحدكما/ ما الفرق../ اخبرني بالله عليك ما الفرق../ كل الطرق تؤدي إلى لا شيء/ إلى صحراء بلا نهاية/ تقتل الامل في كل طموحاتك بالوصول/ بنشوة الانجاز/ لا شيء/ اعمل او لا تفعل/ اركض..اجر.. هرول.. اصرخ.. او حتى تمدد ونم/ لا فرق..."
إلى ان يقول "... ستبقى مرارتك داخل حلقك/ وربما تزيد انقباضة صدرك/ ويستفحل ارقك/ من الذي اخبرك ان ثمة حياة افضل في الافق../ لا شيء../ صدقني.. لا شيء يمحو وهن الانكسار/
"ترحل/ تحمل الكون على ظهرك/ وتمضي/ غائبا في ضباب الاثم/ ودوي صمتك يرج الافق/ وجفاف دمعك يغرق العالم.../ وتقول انك ذاهب/ حيث لا يراك احد "
في "بياض" نموذج يعطينا صورة واضحة عن اسلوب الكاتب من خلال حديثه عن "حالة كتابة" اي عن معاناة يمر بها. وصف وتصوير نابضان في عصبية وتوتر.. وعين خيال تربط بين حالات وأخرى وبينها وبين اشياء فيتحول النص عنده إلى خلية تعج بنوع من الحياة و الحركة.
يقول "تنفر الاوراق من بين يدي كفرس حرون. اعود وأجمعها على الطاولة الخشبية المتعفنة. تصر هي الاخرى في احتجاج مكتوم.ارتب الاوراق واحدة فوق الاخرى. احاول ان امر عليها بعيني.. تتمطى الاحرف السود في وقاحة. تتلون بالاحمر والاصفر والاخضر. ثم يتمادى الاحمر ليغمر الصفحة كأنه بقعة دم كبيرة. تبتسم الحروف المصبوغة ابتسامة غير مهذبة.. تغمز بعينيها وتمد لسانها في وجهي.."
ولعل من ابرز ما يتسم به اسلوب الكاتب عدم اهتمامه بالشخصيات القصصية فهي عنده ليست شخصيات حية بالفعل تنمو وتتحرك. انها شخصيات "غائبة" وباهتة أحيانا. وجل ما يفعله الكاتب انه "يختزلها" في حدث محدود ليتحول العمل القصصي عنده إلى مشهد بعيد عن اي صفة " بانورامية". ومما يعبر عن ذلك اننا نجده لا يعطيها اسماء عادية بل يرمز اليها بأحرف اي بالحرف الاول من كل اسم. وفي الحرف الواحد -في الغالب باستثناء حالات نادرة- غياب واجتزاء وقناع من نوع "طاقية اخفاء".
في قصة "الخارق" مراوحة بين الوقعي والغرائبي. انتقال من جهاز التلفزيون إلى عالم غرائبي يخلقه ما يعرضه وتفاعلنا الواعي وغير الواعي مع ما يعرض. يتحول "الخارق" من شيء يعرض إلى شيء في الذهن وفي الواقع. ويحول عالم الطفولة هذا الكائن "الخارق" إلى حبيس ينام في تابوت " عندنا". وفي " شارب كث" جدلية بين واقع ووهم يتحول الواقع بعدها إلى مزيج من الاثنين.
في "البحث عن القلق" نجد انفسنا في عالم مصغر ومختصر جدا عن عالم نجيب محفوظ في "الشحاذ". البطل في ع
يادة الطبيب. وكما تحول الثوري السابق إلى حياة الهدوء او إلى "تقاعد ثوري" قسري عند محفوظ نجد الطبيب هنا يقول لمريضه "في الحقيقة انت لا تعاني من مرض عضوي. انت بحاجة إلى التجديد في حياتك.. إلى شيء من الاثارة.. شيء من القلق."
- "ماذا القل.. القلق.."
- "نعم.. القلق.. وستعود إلى حالتك الطبيعية بعد اسبوعين."
"اخذ المريض يهيم في شوارع العاصمة.. من اين يأتي بالقلق... انه يسمع ان العالم يشكو من القلق وأمراضه المزمنة.. لماذا اذن يعاني هو نقص القلق... اخذ يسترجع بعض الحكايات التي تسبب القلق لزملائه.. الزوجة.. الاولاد.. المصروفات.. المشتريات.. الايجار.. الكهرباء.. ابناء الجيران.. البقال.. القصاب.. لا شيء انه لا يعاني من ذلك..."
في "العابرون" عالم تستخدم فيه حالات اقرب إلى "حالات شبحية" لكن قد يشفع بالامر ان الكاتب يفعل ذلك في سعي إلى قول امور " فكرية".
ولعل قصة "رنين" اقرب ما في المجموعة إلى النضج والغور في النفس البشرية بتعاطف ومحبة .انها قصة جيدة تقول الكثير.
اما قصة "عاشقة" فقد تكون اوضح مثل في المجموعة يذكّر بأفلام الرعب ومصاصي الدماء والشذوذ. انها تثير القرف وبشكل "شديد الكلفة" على القارىء. فبعد ان شقت صدر من تحب في عاطفة جياشة وخوفا عليه من موت زاحف واستخرجت قلبه "اخرجت يدها مخضبة بالدم تعتصر كتلة صغيرة في حجم قبضة اليد تهتز في وهن وتنز دما قانيا... قامت وهي تقبل يدها والكتلة الواهنة وتلعق الدم المتقاطر في تلذذ..."
لا شك في ان من الحب ما قتل.. قتل الحبيب والقارىء معا.
من جورج جحا

هناك تعليق واحد:

  1. كثير من الناس بل إن شئت فقل أن كل الناس لا يحبون من ينتقدهم .. وهذه شجاعة و إنصاف ومصداقية في نقل الرأي الآخر.. أهنئك على ذلك!

    ردحذف