الأحد، 27 مارس 2011

هيكل بين الصحافة و السياسة: عندما يتحول الجنرال إلى راوية!


المؤلف: محمد حسنين هيكل
الناشر: دار الشروق المصرية

من أشهر الانتقادات التي توجه لهيكل من خصومة هي أنه يتحدث عن الأموات و أن كلامه لا دليل عليه سواه. و بغض النظر عن صحة هذه المقولة أو عدمها فإن هذا الكتاب ينفيها تماماً. فالكتاب الذي قاربت صفحاته الخمسمائة صفحة يحتوي على ملحق غني بالوثائق حرص مؤلفه على نشره في حياة أطراف القصة التي تناولها. أما قصة الكتاب فشأن آخر.. شأن يتأرجح لا بين الصحافة و السياسة كما يقول الغلاف بل بين الوفاء و الخيانة بين الصداقة و العداوة بين الزمالة و المنافسة ...بين هيكل و الأخوين أمين!
يسرد الكتاب بصراحة موجعة و بحقائق مفصلة رحلة هيكل في الصحافة و تقاطعاتها مع التوأمين على مدار ما يزيد على العشرين عاماً و كيف دخل هيكل دار أخبار اليوم بعد أن اشترى الأخوان المجلة التي يعمل فيها و كيف غادرها بعد عشر سنوات من الصداقة و الزمالة و الكفاح مع التوأم ليرأس تحرير الأهرام. ثم العلاقة المتوترة بين التوأمين من جهة و عبدالناصر من جهة و تدخله أكثر من مرة للتوسط بينهما قبل أن تقع الحادثة الكبرى و هي القبض على مصطفى أمين بتهمة التجسس لصالح المخابرات الأمركية! وهي التهمة التي ظنها هيكل تلفيقاً أو مبالغة من الجهاز الأمني قبل أن يسمع التسجيلات و الحوارات الدائرة بين مصطفى أمين و رجل المخابرات و ما تلا ذلك من اعترافات خطيرة كتبها مصطفى أمين في ستين صفحة على شكل خطاب اعتذار موجه لعبدالناصر، فضح فيه معظم علاقاته بالمخابرات الأمركية بل و اعترف انه استخدم موظفين في دار أخبار اليوم لجمع معلومات له عن شخصيات و أسماء سياسية بغرض كتابة التقارير عنها لا لنشاط صحفي، و يبرع هيكل في وصف حيرته و تمزقه بين موقفه الإنساني من شخص يراه معلماً له في المهنة و بين ما يراه من حقائق مفزعة تمس الشرف و الوطنية و يقرر التعاطف معه إنسانياً و زيارته في السجن و التوسط له ليحظى بمعاملة حسنة خلال فترة محكوميته رغم عدم رضى عبدالناصر. و في ذات الوقت تتزايد الشبهات حول نشاط علي أمين المقيم في لندن و يصر عبدالناصر على أن علي أمين يقوم بدور مخابراتي هو الآخر و أن مصاريف إقامته البالغة ثلاثة آلاف جنيه استرليني في الشهر كفاتورة للفندق فقط لا يمكن أن يتحملها شخص عادي تم إقاف مرتبه الشهري من مصر. و تتعقد خيوط القضية و تتشابك و يشير هيكل إلى معضلة أخرى واجهته و هي أنه اكتشف في فترة إشرافه على أخبار اليوم خلال سجن مصطفى أمين وجود مبلغ يقارب المليون جنيه دخل الحسابات كأموال سائلة لا يعرف أحد مصدرها سوى أن مصطفى أمين و علي أمين كانا يأتيان بها نقداً على دفعات لسداد الالتزامات المادية للجريدة وهو ما حاول جهاز الادعاء استخدامه لإثبات جاسوسية مصطفى أمين لكن هيكل رفض أن يزود المحكمة بدليل إضافي يكون هو طرفاً فيه. 
ولأن الحياة لا تخلو من تقلبات و أعظمها في حياة هيكل هي وفاة عبدالناصر فقد تبدل الحال و جاء اليوم الذي أعفي فيه هيكل من رئاسة تحرير الأهرام ليخلفه فيها مصطفى أمين الخارج من السجن و ليشن عليه حرباً لا هوادة فيها كانت آخر فصولها دخول هيكل المعتقل و بتهمة التخابر مع الأجنبي و من عجائب الدهر أن يكون صاحب المعلومة التي وشت به هو مصطفى أمين!
بغض النظر عن أن الكتاب يتناول قضية حساسة و شخصية للكاتب إلا أنه نجح بامتياز في جعله مثالاً يحتذى في فن القصة الصحفية أو الإخبارية و كشف عن موهبة كبيرة في السرد و البوح الفني كما أنه لم يتخل أبداً عن قدرته العجيبة على ضبط عباراته بدبلوماسية نادرة لا يتقنها إلا هيكل فرغم كل التحولات العنيفة في القصة لم يكف هيكل عن وصف مصطفى و علي بالأستاذين ولم يطلق على أي منهما صفة الكذب أو ينعت أحدهما بالجاسوس. و حرص كل الحرص على أن يوصل الحقيقة بلهجة مهذبة إلى أبعد حد و أن يجعل بوحة و استطراده نوعاً من التأمل في كيف و لماذا أكثر من لماذا أنا بالذات. كما حاول تكراراً إغفال الحديث عن نفسه و أمجاده الصحفية التي يفخر بها أكثر من غيرها باستثناء هامش طويل أضافه في آخر الكتاب عن ما فعله بالأهرام من احتضان لكبار الكتاب و شبابهم رداً على اتهامات كثيرة طالته بأنه حارب الجميع و حول الأهرام إلى أهرام هيكل!

هناك تعليق واحد:

  1. مثل هيكل لا ينتظر واحدا مثلي ليثني عليه ، ولكن لإعجابي به أراه من أكثر الشخصيات انضباطا وتوازنا في أخذه للأمور ، وأفضل مثال على ذلك آراءه و نظرته العميقة لما حدث في ثورة يناير في أكثر من لقاء له.
    ومع أنه أبدى رأيه في الخروج بسلام من الأزمة والوصول إلى الإستقرار ، تشعر دائما بعدم فصله في الأمر و إعجابه الشديد بالشباب الثائر ضد الظلم والطغيان. ومع ذلك فإنك لا تجد منه كلمة سوء على من ثار الشعب ضدهم. تحية خاصة لهيكل ..

    ردحذف