لماذا
يلجأ المواطن المظلوم إلى الصحف لنشر
معاناته؟ و لماذا يخاف المسؤول أيا كانت درجته من أن تنشر الصحف خبراً سلبياً عن
إدارته و يجند موظفي العلاقات العامة لاحتواء الحادثة بالتكذيب حيناً أو الوعد بالتصحيح
حيناً آخر؟ ربما يكمن السبب في السلطة المعنوية التي تملكها الصحافة كأداة لتوجيه
الرأي العام و تسليط الضوء على مواطن الخلل في المجتمع و قدرتها على تحريك مؤسسات
المجتمع المختلفة للتعامل معه. لكن ماذا
لو كان الخلل داخل البيت الصحفي ذاته و في قلب الآلة الجبارة المهيبة التي يخشى
سطوتها الجميع؟ من الذي سينصف المظلوم و صاحب الحاجة هنا و خصمه هو ذاته صوت
المظلومين و المستضعفين؟ هل ستنصفه الصحافة و تمارس دوراً حيادياً شفافاً في
التعامل معه؟ أم ستفضل أن تتجاهله و تبقي صوته خافتاً حتى يضمحل و يتلاشي؟
الصحف
رغم دورها الفاعل و حيويتها العالية تعاني من علل داخلية كثيره، أبرزها غياب الأطر
و القوانين الواضحة التي تنظم علاقتها بالآخرين من حولها من جهة (لازلنا في عصر
يقال فيه رؤساء التحرير دون سبب واضح) و
تنظم علاقتها بأبنائها الذين ينتمون إليها من جهة أخرى، فمهنة الصحفي من أقل المهن
أماناً وظيفياً، و أكثرها غموضاً في السلم الوظيفي و أكثرها عرضة لغضبة الرئيس
التي تنتهي بالإقالة أو التنحية إلى موقع محجوب. لكن تظل مهنة الصحفي المتفرغ أفضل
حالاً بكثير من وظيفة الصحفي المتعاون، و التي يدخل تحت تصنيفها طيف عريض من
الصحفيين، ابتداء بصحفي القطعة و انتهاء برؤساء أقسام و مشرفي صفحات، مروراً بعدد
كبير من المحررين و المراسلين و المترجمين.
الصحفي
المتعاون في معظم الأحيان لا يوقع عقداً مع مؤسسته الصحفية، و لا تكاد تربطه بها
أي صلة رسمية باستثناء البطاقة الصحفية، دخله الوحيد من الوظيفة مبلغ مقطوع غير
ثابت يخضع لتقدير رئيسه يناله شهراً و
يتأخر عليه شهوراً، كل ذلك مقبول لو كان الصحفي المتعاون يمارس الصحافة كمهنة
إضافية، أو كوسيلة تدريب في وقت الدراسة، لكن المشكلة أن المؤسسات الصحفية توسعت و
تمادت في تسمية "متعاون" لتشمل فئة عريضة من الصحفيين المتفرغين و الذين
يعملون بدوام شبه كامل في الجريدة أو خارجها، بل و بعضهم يلتزمون بساعات عمل مكتبي
ثابتة كذلك، لكن تظل الصحيفة تعاملهم
بمسمى "متعاون" فلا التزام بعقود أو تأمينات أو ضمانات وظيفية من أي
نوع، و من باب أولى أن لا تلتزم الصحيفة تجاههم بأي نوع من التدريب أو التطوير، و
تظل تمتص جهدهم و عرقهم و سنوات شبابهم مع وعود وردية بالتثبيت و التفرغ الذي لا
يأتي.
قاد
الصحفيون المتعاونون مؤخراً حملة عبر الانترنت للمطالبة بحقوقهم المهدرة و أرسلوا
خطاباً جماعياً إلى معالي وزير الإعلام ببعض تلك المطالب و التي من أهمها تنظيم
العلاقة بين الصحفي المتعاون و الجريدة و توقيع عقود واضحة تحفظ حقوقهم و إنشاء
مرجعية في الوزارة للفصل في الخلافات. لكن رد وكيل الوزارة د. عبدالعزيز العقيل
كان محبطاً لأبعد الحدود إذ أحال المطالب إلى المؤسسات الصحفية ذاتها و رد بأن تلك
المطالب ليست من اختصاص الوزارة!. ترى لمن يلجأ الصحفيون المتعاونون بالشكوى؟ و هل
ستتبنى صحيفة ما شكواهم من الظلم الذي
مارسته ضدهم الصحافة ذاتها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق