الأربعاء، 10 أبريل 2013

ما أجملك حين تقول..لا أدري!

 وقف البرفسور الأجنبي في وسط قاعة المؤتمرات المكتظة بالحضور متحدثاً عن تقنية جديدة في تخصص من التخصصات الطبية الدقيقة، كان يشرح باستفاضة و ثقة لا تخلو من الفخر خصوصاً و هو يستعرض النتائج التي توصل إليها في بحثه و أنها تبدو واعدة و مبشرة، لم ينس في نهاية محاضرته أن يعرض صورة جماعية لفريق العمل الذي شاركه البحث و أن يذكر أسماءهم فرداً فرداً ابتداء بالأطباء و انتهاء بالسكرتيرة التي تقوم بالعمل الورقي ثم ختم محاضرته بشكر الحاضرين و أعلن ترحيبه بالأسئلة، ضجت القاعة بالتصفيق فالمتحدث فضلاً عن تمكنه من المادة العلمية التي يقدمها يعد علماً  في تخصصه و لا يكاد مرجع طبي يخلو من الإشارة إلى أحد أبحاثه و لا  يذكر مجال تخصصه إلا و يذكر اسمه على قمه قائمة العلماء الذين أثروا العلم و تركوا بصمتهم عليه.
هدأت القاعة بعد التصفيق الحار، أبدى أول السائلين إعجابه بالمحاضر و سأله عده أسئلة، ابستم البروفيسور في تهذيب و أجاب سؤالاً واحداً فقط و اعتذر عن إجابة بقية الأسئله لأنه لا يعرف!.
توالت الأسئلة من بقية الحاضرين و كان المحاضر يجيب بدون تردد على عدد كبير منها بعبارة "لا أعرف" بل و طلب من أحد السائلين أن يفيده بخبرته عن الموضوع الذي تطرق إليه السؤال لتعم الفائدة للحاضرين. أي أن العالم الكبير لم يكتف بإعلان عدم معرفته بعدد كبير من الإجابات بل إنه تحول إلى طالب علم في ذات اللحظة و طلب بكل تواضع من السائل أن يفيده أكثر في الموضوع الذي يجهله.
لماذا لم يشعر البروفيسور بالحرج أو الخجل من إبداء جهله بإجابة السؤال؟ و لماذا لم يحاول أن يعطي إجابة مواربة أو مقاربة للصواب؟
الجواب ببساطة لأنه لا يرى في التصريح بالجهل مذمة، و لأنه كأي شخص واثق من نفسه و يحترم مقام العلم الذي يحمله يعلم أن آفاق العلم أكبر و أبعد بكثير من أن يحويها شخص واحد مهما بلغ من  المعرفة، ولأنه يعلم أن المعرفة نتاج  مجهود جماعي و لا ترتكز على عبقرية شخص واحد لم يتردد في طلب المعلومة من الشخص الذي سأله و أبدى اهتماماً صادقاً غير متصنع بمعرفة الجواب.
.....

إن كلمة لا أدري تكاد تكون كلمة السر في أي عمل ناجح،تكاد تكون سر الحضارة ذاتها، فكل المعارف المدهشة بدأت رحلة اسكشافها لأن شخصاً ما قال لا أدري ثم شرع في البحث عن الإجابة. كلمة لها سحر خاص، لها شذى يفوح بالصدق و التواضع و الثقة بالنفس في ذات الوقت،لها لذة و نكهة لا يعرفها إلا الواثقون الذين جربوها و تآلفوا معها. عندما تقول لا أدري فأنت تقول لمن سألك أنا أحترمك و أقدرك لذلك لن أخدعك بإجابة ناقصة أو مغلوطة، عندما تقول لا أدري فأنت لا تنتقص من قدر نفسك بل تطريها، فكلمة لا أدري نخبوية جداً، لا ترد إلا على ألسنة العلماء الكبار و الأئمة العظماء، وكلما اعتادها لسانك و كثر تردادها في حديثك كانت تلك علامة على اقترابك من مقامهم. جرب أن تبدأ في التمرن على نطقها اليوم و راقب أثرها الساحر في نفسك و حديثك و ثقتك في التعامل مع الناس..صدقني ستكتشف كم أنت رائع  عندما تقول لا أدري!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق