الاثنين، 22 أبريل 2013

كوب الشيطان أم نبيذ الصالحين؟



تلك الرائحة النفاذة، الحبيبات البنية الفاتنة و هي تتقلب فوق النار، فاتحة اللون أو داكنة السمرة، خفيفة مرة أو حلوة كثيفة القوام، الرشفات التي تيقظ حواسك و تبعث النشاط في جسدك لتواجه يوماً جديداً مفعماً بالتحديات.
كيف اكتسبت القهوة كل هذا السحر؟ كيف استطاعت أن تكون المشروب رقم واحد في العالم؟، يقدمها البدوي في صحرائه لضيوفه، و يوقف رئيس  الشركة العملاقة في الغرب اجتماعه الطويل ليمنح موظفيه (Coffee Break كوفي بريك). رفيقة الفنانين و المبدعين و  السهارى و الحالمين. أول يد مزجتها في كوب و أول شفاه تذوقتها كانت  لشيخ صوفي حالم في حالة تجلي إسمه علي الشاذلي قرر أن يغلي الحبوب الذهبية بدلاً من أن يتناولها في مسحوق كما كان يفعل مكتشفوها الأوائل في الحبشة، و من وقتها و العالم كله مدين للشيخ الصوفي  بهذا الاختراع الذي أيقظ أتباعه للعبادة و أيقظ العالم كله من غفوته، انتقل المشروب الفاتن من اليمن مع أتباع الطريقة الشاذلية إلى الحجاز ثم مصر و الشام و تركيا فيما بعد، و رغم أنه مشروب صوفي في الأصل اخترع ليساعد العباد على السهر لم يسلم من فتاوى التحريم و حملات المقاومة، فقد حرمت القهوة في العالم الإسلامي مرتين على الأقل، مره في مكة المكرمة عام ١٥١١ م عندما استصدر الوالي فتوى بتحريمها لأنها تشجع على اللهو كالمسكرات، و مرة أخرى في مصر عام ١٥٣٩ م  عندما شن عليها شيخ أزهري يدعى أحمد السنباطي حملة شديدة و قضى بتحريمها لتأثيرها على العقل، و تحمس كثير من أتباعه لفتواه و قاموا بتكسير المقاهي و المتاجر التي تبيعها حتى وصل الأمر إلى القضاء و من حسن الحظ هذه المرة أن القضاء أنصف أنصار الرأي القائل بجواز شربها، لكن الجدل استمر طويلاً بعدها بين أنصار التحريم و أنصار الحل!
دخلت القهوة أوروبا عبر (فينا) عندما نجح الأوروبيون في فك الحصار العثماني عنها و وجدوا حبوب البن ضمن الغنائم،فتعلموا شربها و مزجوها بالحليب و تناولوها مع فطيرة الكرواسون التي خبزت على شكل الهلال احتفالاً بدحر الجيش العثماني، و يرى ستيوارت لي مؤلف كتاب (كوب الشيطان) أن دخول القهوة إلى أوروبا كان مفتاح النهضة الحديثة فيها، فقبل أن يعرف الأوروبيون القهوة كان مشروبهم الأساسي في الحانات و البيوت هو البيرة، فكان معظم الناس مخمورين و عدوانيين في وقت تجمعاتهم، و عندما تسللت القوة لتصبح المشروب الأساسي في المقاهي رحب بها رجال الدين كبديل للبيرة و سموها النبيذ الأسود. القهوة جعلت الناس أكثر وعيا و قدرة على التركيز فنشأت الحوارات و المناقشات التي غيرت المجتمع، بدايات الصحافة و الديموقراطية الحديثة كانت وليدة حوارت المقاهي، و الصفقات التجارية الكبرى على أرصفة الموانئ كانت تدار حول أكواب القهوة. و كأن المشروب السحري هو الذي أيقظ القارة من غفلتها.
القهوة حسب ستيوارت كانت دائماً في صف الحضارة الأقوى سواء العرب أو الأتراك أو حتى البريطانيين و الذين يرى ستيوارت أن هزيمتهم بدأت عندما حاولت بريطانيا ترويج شرب الشاي الذي تسيطر على مزارعه بديلاً للقهوة   فأصبحت  جماعات المقاومة للاحتلال البريطاني في أمريكا تقوم بإغراق السفن المحملة بالشاي  تلك الحملات كونت نواة ثورة الاستقلال و  بداية  النهاية لامبراطورية التاج البريطاني!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق