الثلاثاء، 14 مايو 2013

عندما واجه محمد الفاتح الكونت دراكولا!



هناك شخصيات في عالم الأدب أقوى حضوراً و أشد تأثيراً في التاريخ من الشخصيات الحقيقية، شخصيات ذات حضور طاغ و قدرة على الانغماس في الحياة و التأثير في الأجيال و الثقافات المختلفة بدون مشقة، شخصيات قتلت مؤلفيها و تجاوزتهم و صنعت حياتها و سيرتها الخاصة وحدها، و لعل من أشهر هذه الشخصيات هي شخصية "الكونت دراكولا" مصاص الدماء المتوحد في قلعته، لا يمكنك أن تحصي عدد الروايات و الأفلام و المسلسلات و الدراسات التي كتبت من وحي هذه الشخصية، و لا تستطيع أن تفكك أو تفسر سر الجاذبية و الشعبية الطاغية التي تتمتع بها، شخصية الكونت دراكولا التي ابتكرها "برام ستوكر" سرعان ما تمردت على مؤلفها و صنعت سيرتها الخاصة، سرعان ما  استهلكت براعة و عبقرية طابور طويل من المؤلفين الذين أضافوا إليها الكثير و لونوها بمختلف الصفات حتى أصبح لدينا مصاص الدماء الطيب و الرومانسي و الذي يدافع عن الأرض ضد الأشرار كما هو في رواية (الشفق) ذائعة الصيت!.
لكن قد تصاب بالدهشة إذا علمت أن المؤلف الأصلي و مبتكر تلك الشخصية الغامضة قد استوحاها من شخصية حقيقية، من حاكم أوروبي دموي و شرير اشتهر بتعذيب أعدائه و قتلهم بطرق بشعة حتى سمي بـ(المخوزِق) نسبة إلى وسيلته المفضلة في القتل بوضع أعدائه على الخازوق حتى الموت. و قد تندهش أكثر إذا علمت أن (فلاد المخوزق، أو فلاد الثالث) قد اكتسب شهرته و ذاع صيته بسبب ضراوته و إخلاصه في محاربة العثمانيين و السلطان محمد الفاتح تحديداً!، حتى صار رمزا للحفاظ على مسيحية أوروبا خصوصاً و هو يباهي بقتل أربعة و عشرين ألف من المدنيين في حربه ضد الوالي العثماني.
هذه الفترة الدموية من التاريخ التقطها ببراعة أشرف فقيه ليبني عليها أحداث روايته الأولى (المخوزق) و الي جعل أحداثها تدور في ذات الفترة المضطربة من التاريخ و المضرجة بالكثير من الدم و البشاعة، عاد إليها ليخوض مع بطله التركي (أورهان) مغامرة مشوقة و مرعبة في ذات الوقت، حيث يبتعثه الوالي لمملكة الشر تلك  التي هزم فيها للتو  (فلاد المخوزق)  ليكشف سر الأحداث المرعبة و جرائم القتل التي توالت هناك بطريقة غامضة و بشعة جعلت الناس يروجون شائعة أن فلاد المخوزق عاد من الموت لينتقم من العثمانيين بقتلهم و التهام حناجرهم!.
حاول أشرف في روايته أن يطرق أرضاً جديدة في عالم الأدب العربي، أن يمنح الرواية التاريخية بكل ثقلها طابع التشويق و الإبهار، لم يحاول أن يجّمل التاريخ أو أن يكتبه بطريقة رومانسية حالمة، بل حرص أن تتوالى الأحداث بطريقة مستفزة و صادمة في كثير من الأحيان، و أن ينقل الأحداث التاريخية على لسان الشخصيات من وجهتي نظر متباينتين، و أن يستدرج القارئ عبر حبكة ذكية و أحداث مرعبة ليتابع القراءة بشغف حتى النهاية، ليفك (أورهان) لغز عودة دراكولا من الموت لكن بثمن فادح جداً.
تناول أشرف للشخصيات بارع و متقن و إن كانت بعض الفصول تعاني من ترهل بسبب توالي سرد التاريخ كحكاية على لسان الشخصيات و ربما لو نوع طريقة السرد عبر أساليب أخرى كالتنقل عبر الزمن لكان النص أكثر مرونه و رشاقة.
يترك المؤلف النهاية مفتوحة و يبقي الباب موارباً لجزء ثان من الرواية، و هي فكرة ستطالبه بها بشدة عند فراغك من القراءة.


هناك تعليق واحد: