الثلاثاء، 14 مايو 2013

كرات زجاجية و حلوى نعناع



مالذي يدفعك لفعل الخير؟ لا أعني هنا تلك الريالات التي تدفعها كصدقة لمتسول؟ ولا بعض الكلمات المنمقة التي تقولها في موقف معين، ما أعنيه هو تلك الحظات النادرة التي تعرفها جيداً، اللحظات التي تشعر فيها بالصفاء المطلق في قلبك، بوهج ساطع من النور يقودك لتفعل ما ينبغي دون أن تفكر لوهله في تكلفته أو  الفائدة التي ترجوها من خلفه. تلك اللحظة الباهرة التي أشبه ما تكون بالوحي، بالهبه التي تختارك لتجعل منك إنساناً حقيقياً، تنفض الكثير من الغبار و العفن الذي يعشش داخل نفسك مع تراكم الأيام، كم ستكون سعيداً إن اختارتك، و ستكون اسعد الناس إن كررت زيارة قلبك.
هذه قصة حقيقية عن فعل خير حقيقي  كتبها قارئ لمجلة (ريدرز دايجست) الأمريكية و أوردها د. أحمد خالد توفيق في كتابه (شاي بالنعناع)، و لأنها طويلة بعض الشيء فسأحاول أختصارها..
كان صاحب القصة طفلا في السابعة، يهوى الوقوف أمام واجهة محل مستر جونز للحلويات، ذلك العالم الساحر حيث قطع الحلوى و الكعك و التفاح المكسو بالسكر و تماثيل الشكولاته الزاهية، كان الفتى فقيراً يكتفي بالفرجة، حتى جاء يوم جمع فيه ما يكفي و قرر دخول المحل، طلب في ثقة خمس قطع من الكعك و كيسين من حلوى غزل البنات الساخنه و عددا لا بأس به من تماثيل الشكولاته الفاخرة، سأله مستر جونز العجوز من خلف عويناته (هل لديك ما يكفي من النقود؟) فأجابه بثقة (نعم لدي ما يكفي). ناوله كيس الأحلام و أخبره بالثمن، وضع الصبي يده في جيبه و أخرج قبضة مليئة بالكرات الزجاجية الملونة (البراجون) و ناولها للمستر جونز في ثقة و هو يقول (هل هي كافية؟). صمت البائع قليلاً و هو يتأمل الكرات الملونة ثم رد بصوت مبحوح ( بل هي زائدة و يتبقى لك بعض النقود) و مد يده و ناول الصبي قطعاً من العملة المعدنية.
 انتقل الفتى السعيد إلى نيويورك، كبر  و تزوج فتاة أحلامة و لأنه يحب أسماك الزينة فقد جمع ما تبقى له من مال و فتح محلاً لبيعها، في الأسبوع الأول و المحل لايزال خاوياً مثقلا بالديون دخلت طفلة في الثامنة تصطحب أخاها الصغير الذي لم يبلغ الخامسة من العمر و قالت في ثقة (أريد أن أشتري بعض الأسماك لأخي) رحب بها الرجل و قام بجمع ما أشارت له من أسماك، اختارت أسماكاً ملونة غالية الثمن و أخرى كبيرة زاهية الألوان، كانت تلك الأسماك تساوي ثروة، و عندما سألها البائع إن كانت تملك الثمن لم تبد إهتماما و هزت رأسها إيجاباً. ناولها الدلو الذي يحوي الأسماك و أخبرها بالثمن، مدت يديها في جيبها و أخرجت قبضة ممتلئة بكمية وافرة من حلوى النعناع و نثرتها على الطاولة و تسآءلت في براءة (هل هذا كاف؟). وقف البائع مبهور الأنفاس و هو يحدق في الحلوى، تذكر فجأة موقف المستر جونز قبل خمسة و عشرين عاماً و هو يأخذ منه الكرات الزجاجية الملونة، لم يفكر كثيراً تنهد بعمق و قال (بل لك نقود زائدة) و دس في يدها قطعة نقدية، انصرفت الطفلة سعيدة، في حين انهار هو على المقعد و هو يردد (أي دين ثقيل حملتني هو يا سيد جونز)!.


هناك تعليق واحد: