الجمعة، 16 أغسطس 2013

لعنة "البروباجندا"!

تفتح جهاز التلفزون، تنطلق الموسيقى الحماسية، و صوت المذيع المتأنق يتخللها و هو يردد، مالذي تنتظر؟ اتصل الآن لتحقق حلمك، الملايين بانتظارك. صور متتابعة لنقود تنهمر من السماء، و وجوه سعيدة منتشية، يفترض أنها لفائزين سبقوك بالاستجابة للنداء الساحر.
أنت تعرف أن تلك المسابقة أقرب إلى عملية نصب فاخرة، لكن الصوت الملحاح يطاردك، الابتسامات السعيدة، و الحلم الذي ربما يتحقق بحصولك على الملايين الكفيلة بحل جميع مشاكلك تجعل قناعاتك تهتز، و كل مره يتكرر فيها الإعلان، ينمو شرخ جديد في قناعاتك الثابتة، حتى تنهار تماماً بعد عدد لابأس به من التكرار، و تجد نفسك متقبلاً فكرة الاتصال التي لا ضرر منها و التي ربما تحقق حلمك البعيد. ذلك السيناريو الذي نتعرض له جميعاً كل يوم هو مثال عملي مصغر لمصطلح "البروباجندا".
و كي لا نخوض كثيراً في التعاريف الجامدة للبروباجندا فيمكنك اعتبارها أي محاولة للتأثير على الأفراد عن طريق الدعاية المضللة أو المنحازة و غير الموضوعية. تلك البروباجاندا قد تكون تجارية محضة كالإعلانات التي تحاصرك كل يوم، وهي رغم فجاجتها تظل أقل ضرراً من الأنواع الأخرى للبروباجندا كالسياسية أو الثقافية أو الدينية، فالأخيرة تتسلل إليك من حيث لا تشعر و تؤثر في قراراتك و أفكارك و توجهاتك، بل و في تحديد مصيرك. تتسلل إليك عبر نشرات الأخبار التي تعاد صياغتها بطريقة احترافية أو.. غبية!، عبر البرامج الحوارية التي يستضاف فيها شخصيات شهيرة تكرر رسائلها بأساليب مؤثرة، عبر عناوين الصحف و المقالات التي تصر على إقناعك بذات الفكرة و أنه لا صواب سواها.
لكن كيف تعرف الفرق بين الحقيقة و بين البروباجندا؟ بين المعلومة التي تزيدك وعياً و العبارة التي تخدرك و تغيب ذلك الوعي؟
يمكنك الاستدلال على البروباجندا بالتعرف على بعض الأساليب التي يمارسها عرابوها، فصانعوا البروباجندا يميلون غالباً إلى مخاطبة العواطف بدلاً من العقل، لذلك تجدهم يجيدون شيطنة و تشويه الأفكار الأخرى، يجيدون التهويل من المصير المظلم لو خالفتهم، يركزون على مهاجمة مصداقية المنافسين بدلا من مناقشة أفكارهم.
صانعوا البروباجندا حريصون على ربط أفكارهم بشخصيات محبوبة و ذات شعبية، و إن عدمت تلك الشخصيات فلا بأس من الاستعانه بالسلطة و تصويرها كداعم لا محدود لأفكارهم و عدو لكل من يخالفها.
مروجوا البروباجندا يفهمون جيداً نفسية الجماهير، لذا يركزون على عبارات الأمن و الأمان، و اختيار الجماعة، و الفرقة الناجية بغض النظر عن من تكون تلك الفرقة الناجية. و لأنهم يركزون على العواطف فهم يفضلون أن يمنحوك إجابات بسيطة و حاسمة لكل الأسئلة، إجابات من طراز أبيض أو أسود معنا أو ضدنا و هذا خير و ذلك شرير.ثم وذلك هو الأهم فإنهم لا يملون تكرار ذات الفكرة، التكرار هو اللمسة السحرية التي تأتي بالعجائب.
تأمل الآن يا صديقي هذه الأساليب و تذكر كم مرة مورست أمامك،تذكر مواقف كثيرة لاتحصى في المشهد المحلي تمت فيها تنحية العقل جانباً و تقديس البروباجندا، مواقف مضت كفتنة تعليم البنات، و فتنة البث الفضائي. و مواقف معاصرة و مواقف ستأتي في المستقبل..

في أحيان كثيرة تكون البروبجندا هي سبب كوارثنا التي نعيشها.. و كم هو سهل أن نتجنبها لو قررنا فقط أن نبتعد قليلاً عن صخب القطيع و أن نستخدم المادة الرمادية التي تسكن جماجمنا في الحكم على المواقف و الأحداث!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق