الجمعة، 16 أغسطس 2013

فساد أم نقص كفاءة؟

أثارت موجة السيول الأخيرة التي غمرت عدداً من المدن في البلاد حملة انتقادات عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الفساد الذي نتج عنه ضعف البنية التحتية و انهيارها بسبب قطرات من المطر. إلا أن كاتباً اقتصادياً شهيراً، له عدد كبير من المتابعين و له برنامج تلفزوني يذاع في قناة اقتصادية انتقد تحميل الفساد وحده مشكله سوء تصريف السيول و كتب ما مفاده (هل كل مشاكل السيول سببها الفساد؟ أليس هناك اسباب أخرى كانعدام الكفاءه و سوء التدبير؟)
يبدو السؤال للوهلة الأولى وجيهاً، فلماذا نحمل الفساد وحده كل مشاكلنا؟ أليس من الممكن أن تنتج تلك المشاكل بسبب قرارات خاطئه اتخذت بحسن نية؟ قرارات قد يكون سببها نقص الخبرة أو نقص المعلومة أو غياب الإبداع و ليس نية التربح و الإضرار بالآخرين؟ ألسنا نواجه في حياتنا اليومية على المستوى الفردي أمثلة مشابهة؟ ألسنا نغفر لأشخاص زلات و أضرار تسببوا بها لأننا نعرف أنهم اتركبوها بحسن نية؟.
لكن هل يصلح تطبيق هذه الأمثلة على الدول؟ هل يمكن أن تتخذ دولة ما قرارات خاطئة لأن شعبها أقل ذكاء و حكمة من الشعوب الأخرى؟
هذا السؤال المحير طرحه (تيم هارفورد) في كتابه (المخبر الاقتصادي) و ليحصل على جواب شاف قرر أن يقوم بزيارة لأحد أكثر دول العالم فساداً و هي الكاميرون و التي يتراوح تصنيفها بين المركز الأول و الخامس على قمة الدول الفاسدة، يقول هارفورد: بإمكان أي زائر للكاميرون يرى الفقر و سوء الخدمات أن يهز كتفيه و ينسب ذلك إلى حمق شعبها الذي لا يحسن التدبير و لا يملك الكفاءات، لكن الصورة الحقيقة أكثر تعقيداً، ففي الحقيقة الشعب الكاميروني ليس أكثر ذكاء أو أكثر غباء من باقي الشعوب، و مستوى دخل المواطن الكاميروني يتضاعف عشرات المرات بمجرد هجرته و حصوله على عمل خارج البلاد، إذن أين يكمن الخلل؟
يضرب المؤلف مثالاً بمدرسة نموذجية قرر زيارتها هناك، المدرسة تحظى بدعم لا محدود من الحكومة و يدرس فيها أبناء المسؤولين، في وسط الفناء هناك بناء ضخم من طابقين لمكتبه، مكتبه وصفها بأنها أسوأ مكتبة في العالم!.لماذا؟ لأن سقف المبى صمم على شكل كتاب مفتوح يشبه حرف (v) مما جعله مصفاه كبيره لتجميع الأمطار التي تصب بشكل مباشر داخل المبنى و الذي تحولت أرضيته الداخلية إلى مستنقعات و برك و تلفت جدارنه بالكامل. و الأعجب أن مديرة المدرسه قررت بناء المبنى دون حاجة فعلية له حيث أن لديها مبى آخر للمكتبه يتسع لثلاثه أضعاف الكتب الموجودة. لماذا فعلت ذلك؟ لأنها رغبت في تحويل المدرسة إلى جامعه، فقررت بناء مبنى لا تحتاجه، و لأن لا أحد يراقب النفقات أو سلامه المخططات بسبب المحسوبية كانت تلك هي النتيجة، إهدار للموارد و بناء عديم الجدوى دون أن تُحاسب أو تُعاقب المديرة ذات النفوذ
يضيف هارفورد: (المسؤولون الطموحون الذين يشغلون مناصب حكومية و يسعون وراء مصالحهم الخاصة موجودون في كل مكان في العالم، لكن في كثير من البلدان تنجح القوانين و الصحافة و المعارضة الديموقراطية في وضع هؤلاء تحت السيطرة و لكن المأساه في الكاميرون هي أنه لا يوجد شيء يضع المصالح تحت السيطرة)

ترى إلى أي حد نشبه الكاميرون؟ و ما مدى قدرة قوانيننا و صحفنا على كبح جماح الفساد؟ أخشى أن تكون الإجابة مرعبة!


العبارات باللون الأحمر لم تنشر في الجريدة!

هناك تعليق واحد: